أثارت خطة الحكومة الإسرائيلية اليمينية لتعديل النظام القضائي التي اعتبرها البعض محاولة لإضعاف القضاء، قلق المستثمرين وقادة القطاعات الاقتصادية المختلفة، وخصوصاً في القطاعين التكنولوجي والمالي، وسط توقعات بأن تنعكس تلك التحركات على تصنيف إسرائيل الائتماني.
وتعهدت حكومة بنيامين نتنياهو التي أدت اليمين الشهر الماضي، بمنح السياسيين نفوذاً أكبر في عملية تعيين قضاة المحكمة العليا، وتقليص إشراف المحكمة على السلطة التشريعية.
وأعرب المنتقدون لهذا التحرك بمن فيهم المستثمرون وقادة قطاع التكنولوجيا في إسرائيل، عن قلقهم من أن تهدد هذه الخطوة، الديمقراطية الليبرالية وبيئة الأعمال التجارية في البلاد، بحسب "بلومبرغ".
وتسببت تلك التحركات الإسرائيلية في إعلان عضو باللجنة النقدية في بنك إسرائيل المؤلفة من 6 أعضاء، استقالته، وهي واحدة من الاستقالات رفيعة المستوى التي حدثت منذ أن بدأ نتنياهو مساعيه الرامية إلى تغيير النظام القضائي.
وأرسل موشيه حزان، أستاذ الاقتصاد الذي أمضى أكثر من 5 سنوات في اللجنة النقدية لـ"بنك إسرائيل" التي تحدد أسعار الفائدة القياسية في البنك المركزي، استقالته إلى نتنياهو مساء الأحد، مشيراً إلى أنها جاءت بهدف المشاركة بشكل أكبر في "العمل السياسي العام"، حسبما ذكرت "بلومبرغ" نقلاً عن بيان البنك المركزي.
واعتبر حزان لصحيفة "كالكاليست" المتخصصة في الشؤون المالية أن "خطط الحكومة قد تضر باستقلال القضاء والخدمة العامة، وستدمر بشدة الديمقراطية والاقتصاد في إسرائيل".
وتابع: "لا يمكنني الجلوس ومناقشة رفع أسعار الفائدة بنسبة 0.25% أو 0.5% بينما الديمقراطية الإسرائيلية في خطر"، مشدداً على أن تلك التحركات "ستلحق ضرراً كبيراً باستقلال نظام العدالة والوظائف الحكومية، وبديمقراطية إسرائيل واقتصادها في المستقبل".
من جهته، اعتبر ماكسيم ريبنيكوف مدير التصنيفات العالمية في "ستاندرد آند بورز" لوكالة "رويترز"، أن "التغييرات القانونية المقترحة في إسرائيل قد تضر بتصنيفها الائتماني".
ورجح جوناثان سباير، مدير قسم الأبحاث في مركز "منتدى الشرق الأوسط" البحثي، استقالة مسؤولين آخرين، معتبراً أن "استقالة حزان تأتي مع الشواغل التي أعرب عنها محافظا البنك السابقان، كارنيت فلوج ويعقوب فرنكل، بشأن التأثير الاقتصادي المحتمل للأحداث الجارية".
كما حذر فرانكل وفلوج في مقال لصحيفة "يديعوت أحرونوت" من أن "التعديلات المقترحة ستؤدي إلى إزالة كل أدوات المراقبة القانونية والقضائية، وهو ما قد يكون له أثر هدّام على الاقتصاد الإسرائيلي ككل، وخفض التقييم الاقتصادي لإسرائيل، وخفض تصنيف اعتمادها المصرفي، وهروب المستثمرين الأجانب".
قطاع التكنولوجيا
المخاوف من التغييرات القضائية لم تقف عند القطاع المالي فقط، بل أعربت كبار الشركات في قطاع التكنولوجيا عن قلقها من الخطة، ووصفوها بأنها تسعى لـ"إضعاف القضاء".
ويعتمد الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير على قطاع التكنولوجيا إذ يمثل 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من نصف صادراتها، بحسب دائرة الإحصاء المركزية التي قالت إن "نصف رأس المال الأجنبي الذي يدخل إسرائيل يتجه لشركات التكنولوجيا".
ووقع 100 رائد أعمال في إسرائيل على رسالة تؤكد أن "الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، ليست فقط دليلاً على الثقة في قطاع الشركات الناشئة المزدهر في البلاد، ولكنها أيضاً شهادة على ضمان قوة ديمقراطيتها" بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
وقال عساف رابابورت، الرئيس التنفيذي لشركة "ويز" وهي شركة ناشئة في مجال الأمن السيبراني وتمتلك مكاتب في تل أبيب، إن "المستثمرين يتواصلون معنا بالتأكيد، ويشعرون بالقلق، وندرك جميعاً أنه بدون وجود نظام قانوني قوي، لا يُمكن القيام بأعمال تجارية حقيقية، والمخاطر التي تهدد الشركات تزداد".
ورجح إستيبان كلور وهو أستاذ في قسم الاقتصاد في الجامعة العبرية، والباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، "سحب" الاستثمارات من إسرائيل خلال الفترة المقبلة"، لكنه أكد أن ذلك "لن يتم خلال يوم واحد، ولكن بشكل تدريجي".
وفي السياق، نظم المئات من عمال التكنولوجيا المتطورة تظاهرة في تل أبيب الثلاثاء، احتجاجاً على التغييرات، معتبرين أن الإجراءات المثيرة للجدل ستضر بالقطاع المزدهر من خلال تقويض سيادة القانون.
ورفع المتظاهرون لافتات كُتب عليها "لا ديمقراطية لا تقنية عالية" كما علقت اللافتات في ساحة سارونا في تل أبيب بالقرب من أحد المراكز التجارية.
وكتبت عنبال أورباز التي تقود الاحتجاج على صفحتها على "فيسبوك": "بدون ديمقراطية، لا يمكن للتكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية أن تستمر في النمو والازدهار"، مضيفة "أن غالبية الاستثمار يأتي من الخارج".
ويسعى وزير العدل ياريف ليفين في الحكومة الجديدة إلى منح البرلمان مزيداً من الصلاحيات في تعيين القضاة. ومن بين مقترحات الوزير ليفين أيضاً "بند الاستثناء" الذي يُتيح لنوّاب البرلمان، بأغلبية بسيطة، إلغاء قرار صادر عن المحكمة العليا.
والقضاة في إسرائيل تختارهم لجنة مشتركة من القضاة والمحامين والنواب بإشراف وزارة العدل.
وفي إسرائيل التي ليس لديها دستور، يمكن للمحكمة العليا إلغاء قوانين يقرّها الكنيست إذا اعتبرت أنها تتعارض مع القوانين الأساسية للبلاد. وبالتالي فإن إقرار "بند الاستثناء" من شأنه السماح للبرلمان بإعادة تطبيق قانون سبق أن رفضه القضاة.
وانتقدت رئيسة المحكمة العليا الإسرائيليّة القاضية إيستر حايوت المشروع، وقالت إنّه "لا يهدف إلى تحسين النظام القضائي، بل إلى سحقه". وأضافت: "هذا هجوم جامح على النظام القضائيّ وكأنّه عدوّ يجب سحقه".
ومنذ أسبوعين انطلقت تظاهرات ضخمة في تل أبيب ضد مشروع التعديل القضائي. كما تظاهر مساء السبت الماضي عشرات آلاف الإسرائيليين من بينهم رئيس الوزراء السابق يائير لبيد، ضد الائتلاف الحاكم الذي يخشون أن يقوّض الديموقراطية.