اعتبر الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، في حوار خاص مع موقع "الشرق"، أنَّه لا بد من مواصلة "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا تحت أي ظرف، مشدداً على أنه لا فائدة من المفاوضات مع كييف، التي قال إنَّها "دمية" بيد الغرب الذي يستخدمها "رأسَ حربة" لمهاجمة روسيا.
قديروف الذي أكد أنه لن يستقيل من منصبه، قال أيضاً إنَّ موسكو لم تستخدم في أوكرانيا جميع مواردها العسكرية المتاحة، على الرغم من أنها تواجه كتلة حلف شمال الأطلسي (ناتو) بأكملها، مشيراً إلى أن من الآن فصاعداً ستكون روسيا هي "من يملي الشروط".
واستعرض الزعيم الشيشاني، المقرَّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مسار الحرب في أوكرانيا، ومآلاتها، والدور الذي تضطلع به الجمهورية الشيشانية المنضوية تحت الاتحاد الروسي في الغزو الروسي الذي يدخل عامه الثاني دون نهاية في الأفق.
"تجهيز أوكرانيا لمهاجمة روسيا"
وتطرق قديروف إلى دوافع الحرب، معتبراً أن "على مدار 8 سنوات، كانت القوات المسلحة الأوكرانية والكتائب الإرهابية المؤلفة من أتباع (الزعيم القومي الأوكراني ستيبان) بانديرا والنازيين تقمع وتذل السكان المدنيين في دونباس، فقتلت النساء والأطفال وكبار السن واستهدفت مدن المنطقة وقراها بالقصف المدفعي، فوفقاً لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لقي أكثر من 13 ألف مدني حتفه في دونباس".
وقال: "ومع ذلك لم تبالِ الولايات المتحدة وأوروبا بتاتاً بهذه الكارثة الإنسانية المستمرة، وغضوا البصر عن سقوط الآلاف من المدنيين، كما تجاهل الجانب الأوكراني اتفاقيات مينسك منذ البداية، ولم ينفذ أي من بنودها بالتواطؤ الكامل مع الدول الغربية".
واتهم في هذا الصدد حلف الناتو بأنه "ضرب بعرض الحائط جميع الاتفاقات الشفوية والمنصوصة، واقترب إلى أن أصبح على حدود روسيا".
وأضاف أنه "على مدار 30 عاماً بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، تعمل الولايات المتحدة مع حلف الناتو على تجهيز أوكرانيا كرأس حربة لشن هجوم على روسيا، وأغدقت على أوكرانيا بالأسلحة والمدربين العسكريين، وهو ما قامت به جميع دول الناتو تقريباً".
وتابع الرئيس الشيشاني: "علاوة على ذلك، شجعوا بشدة رغبة السلطات الأوكرانية في الانضمام إلى الناتو، الأمر الذي يعني تهديداً مباشراً لوحدة أراضي روسيا، نظراً لمطالبتها بشبه جزيرة القرم. وعندما أصرَّت روسيا على ضرورة أن تقدم الولايات المتحدة والناتو ضماناتٍ أمنيةٍ مكتوبة، جرى تجاهل تلك المطالب كما هو معروف".
وقال: "لقد باتت روسيا أمام تهديد حقيقي من جارة إرهابية عدوانية تطمح إلى الانضمام للناتو، وفي حال امتلكت سلاحاً نووياً أو قنبلة نووية قذرة سيكون بالإمكان تقليص المدة الزمنية لبلوغ روسيا إلى أقل من دقيقتين، وحينها يكون من المستحيل منع ضربة كهذه، وهو تهديد مباشر لوجود دولتنا. كل هذا دفع روسيا إلى شن العملية العسكرية الخاصة".
"ساحة تدريب"
واتهم الرئيس الشيشاني، في حديثه لـ"الشرق"، أوروبا وأميركا بـ"حشد كل مواردهما على أمل أنهما إذا استخدموا تلك الموارد في أوكرانيا دفعة واحدة ضد بلدنا فسيتمكنوا من تحطيم روسيا والانتصار. لقد حولوا الدولة الأوكرانية إلى ساحة تدريب حقيقية، حيث زودوها بالأسلحة الثقيلة والمعدات والدبابات والطائرات وراجمات الصواريخ والذخيرة والقوى الحية، في رعاية تامة للنازيين الأوكرانيين".
وأشار إلى أنه "بناءً على طلب من الولايات المتحدة جرى إرسال الكثير من موارد تلك البلدان إلى أوكرانيا، لكن هذا لم يعط التأثير المطلوب. لقد أخطأوا في الحسابات بفضل القرارات السليمة التي اتخذها القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية، الرئيس بوتين الذي لم يسارع للزج بكل قواته، فالقوات الروسية ومنذ البداية عملت تدريجياً على سحق تشكيلات العدو".
واعتبر الرئيس الشيشاني أنَّ "كتلة الناتو بأكملها تواجه روسيا"، وليس أوكرانيا فقط.
"على الطريق لتحقيق نصر عظيم"
وأشار إلى أنه كان بالإمكان "تطهير" أوكرانيا منذ فترة بعيدة، لكنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر بالحفاظ على سلامة المدنيين الأوكرانيين والمدن، على حد تعبيره.
وقال قديروف إنَّ "الوضع في منطقة العملية العسكرية الخاصة تحت سيطرة القوات المسلحة الروسية بالكامل"، لافتاً إلى أنَّ "التوقعات مناسبة إلى أبعد حد، فهناك نجاحات ممتازة على كافة المحاور، وزمام المبادرة بأيدينا تماماً".
وقال قديروف إنَّ "المرحلة الكارثية للقوميين الأوكرانيين قد حلَّت"، مشيراً إلى أنَّ القوات الروسية تواصل السيطرة على مناطق جديدة، وتتقدَّم إلى الأمام بكل ثقة، وتحرر المدن والقرى الروسية في دونباس وزابوريجيا وخيرسون من الفاشيين الأوكرانيين والمرتزقة الغربيين".
وأضاف أنه بذلك "تحقق أحد أهم أهداف العملية العسكرية الخاصة والمتمثلة في التخلص من النازية في أوكرانيا، حيث تتعرض مرافق القيادة العسكرية ومنشآت الطاقة في أوكرانيا لضربات دقيقة"، متعهدا بأن "من الآن فصاعداً سيكون كل شيء مختلفاً، فنحن من سيملي الشروط وحينها سيندمون"، وقال: "لن نسمح لهم بعد الآن بإذلال سكّان دونباس وتدميرهم".
وأضاف: "إنَّ قواتنا الآن على الطريق الصحيح لتحقيق نصر عظيم، كما يتضح من الهزائم العديدة للقوات المسلحة الأوكرانية على جميع الجبهات والخسائر الفادحة التي تتكبدها"، على حد وصفه.
وشدد على أن روسيا "لا تزال متمسكة بالهدف الأساسي وتواصل عمليتها العسكرية الخاصة دون استخدام جميع الموارد المتاحة"، معتبراً أن روسيا "تحاول إنقاذ أكبر عدد ممكن من أرواح المدنيين ولا تسعى لتدمير البلدات"، على حد وصفه.
وأضاف: "هذه هي المهمة التي حددها منذ الأيام الأولى القائد الأعلى للجيش فلاديمير بوتين. بالطبع، كل هذا يبطئ سير العملية العسكرية الخاصة، وكان بالإمكان إنهاء كل شيء منذ البداية لو قمنا بكل بساطة بمسح معاقل قوات بانديرا من على وجه الأرض، لكن تبقى قضيتنا عادلة، وليس لدى العدو ما يمكن أن يوقف الجيش الروسي الذي يتقدم بلا هوادة".
القوات الشيشانية
وعن التراجع الملحوظ للقوات الشيشانية منذ السيطرة على ليسيتشانسك في يونيو الماضي، اعتبر الرئيس الشيشاني أنه "لا يمكن التقليل من تقدير دور الوحدات من جمهورية الشيشان في تنفيذ العملية العسكرية الخاصة، فاليوم يسيطر مقاتلونا تماماً على جميع المناطق المحررة، ويتفاعلون بشكل نوعي مع رفاقهم من التشكيلات العسكرية الأخرى".
وكشف أنه بالإضافة إلى الجنود، الذين يبلغ عددهم 6500 جندي، "تم إرسال عشرات الآلاف من المتطوعين من جمهورية الشيشان إلى منطقة العملية العسكرية الخاصة، تحت إشراف صارم لمدربين ذوي خبرة".
وقال قديروف: "أنا أقيّم عمل القوات الشيشانية في منطقة العملية العسكرية الخاصة على أعلى مستوى"، مضيفاً أنَّ "القائد الأعلى للقوات المسلحة، فلاديمير بوتين، أشاد مراراً بالمساهمة الكبيرة للقوات الخاصة من جمهورية الشيشان في تنفيذ العملية العسكرية الخاصة، ومنحها تقييماً عالي الدرجة".
"لن أستقيل"
وحول الأنباء التي ترددت عن نيته الاستقالة ووجود خلافات داخلية بشأن سير العمليات القتالية في أوكرانيا، قال: "نعم، لقد ناقش كثيرون كلامي حول الإجازة لأجل غير مسمى في تلك الأيام، وكانت هناك الكثير من التحليلات والتنبؤات والتخمينات وأريد أن أضع حداً لكل تلك الأقاويل".
وأضاف: "فيما يتعلق بالعملية العسكرية الخاصة، ليس لدينا خلافات مع قيادة العملية الخاصة. وبالمناسبة أنا دوماً أقول: لا يوجد شيء أفضل من الحقيقة المعلنة، حتى لو كانت حقيقة مُرّة وتجرح، لكنها تبقى الحقيقة".
وتابع: "بالنسبة لنوع الاستقالة أو طبيعة الإجازة، فقد طالعت أحد المنشورات التي قيل فيها إنني أشغل منصبي منذ 15 عاماً وأعدّ من المعمرين مقارنة برؤساء المناطق الروسية، لكن في الواقع لا يحق لي مغادرة منصبي، لأنَّ الشعب ائتمنني على قيادة المنطقة".
وزاد: "واجبي المقدس المحافظة على هذه الأمانة، ولا يمكنني المغادرة إلا بإذن رئيس روسيا والشعب، لذلك سنترك الحديث عن إجازة إلى أجل غير مسمى أو استقالة للمستقبل".
سير العمليات العسكرية
وعن مدى تقييمه لسير العملية العسكرية الخاصة، أوضح أنه "في إطار العمليات القتالية وبدافع البحث عن ميزة للتفوق على العدو، يتعين على المرء تغيير الإستراتيجية والتكتيكات وإعادة تجميع القوات".
وأضاف: "بصفتي جنرالاً عسكرياً، عبَّرت أحياناً عن رؤيتي للوضع بهذا الخصوص، إذ لديَّ علاقات رسمية وشخصية ممتازة مع قيادة العملية الخاصة، ونحن نهدف إلى تحقيق هدف مشترك، ألا وهو النصر على أعداء روسيا".
واعتبر أنَّ "قادة مجموعة القوات المشتركة في منطقة العملية العسكرية الخاصة، سيرجي سوروفيكين ولاحقاً فاليري جيراسيموف قدما عملاً رائعاً، حيث حددا جميع الأولويات بشكل صحيح ولم يركزا على الانتصارات اللحظية".
وأشار في هذا الصدد إلى "إعادة تجميع القوات على طول خط الجبهة بأكمله، كما تم إعادة نشر القوات الموجودة في مواقع أفضل، وإنشاء خطوط الدعم اللوجستي المتواصل للجيش من أجل ضمان أداء قتالي منتظم وتزويد وحداتنا بكل ما يلزم من معدات وذخيرة وملابس دافئة وطعام".
ولفت إلى أن هذا كله "يعطى اليوم نتائج إيجابية، فباتت القوات المسلحة الروسية تتقدم على كافة الجبهات"، معتبراً أنَّ هذا التقدم يتم تحقيقه رغم منظومات صواريخ HIMARS التي قال إنها تستعمل "لتدمير السكان المدنيين في دونباس".
وأضاف: "تغلبت قواتنا على كل هذه الألعاب العسكرية الغربية بسهولة، وباتت تجعل منها كومة حديد. ولسنا نحن فقط من يرى ذلك، بل ويراه أعداؤنا في الغرب، الذين أشعلوا هذا النزاع، وباتوا اليوم يدركون أنهم غير قادرين على تحقيق أي شيء وأنه لا يمكنهم تدمير روسيا العظمى".
وتابع: "ببساطة لم يخطر ببالهم أن الإمكانات العسكرية لبلدنا كبيرة إلى هذا الحد، على الرغم من أن القوات الروسية لم تشارك بكامل قوتها".
المفاوضات السلمية
وعن إمكانية التوصل لحل للأزمة من خلال المفاوضات السلمية، قال الرئيس الشيشاني إنَّ الأعمال القتالية "تدور الآن على أرض روسيا في مناطق جهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين وإقليمي زابوروجيا وخيرسون، فهي مناطق روسية بعد أن عبر سكانها عن رغبتهم بأن تصبح جزءاً من دولتنا، من أجل حماية السكان من الإرهاب الدموي الذي مارسه ضدهم القوميون الأوكرانيون وحلف الناتو".
واعتبر أنه "لن تحقق أي من المفاوضات نتائج ملموسة، لأنَّ (الرئيس الأوكراني فلوديمير) زيلينسكي وحاشيته دمى في أيدي الدول الغربية".
وأضاف أنَّ "السلام لن يتحقَّق في أوكرانيا طالما بقي عنصر واحد من أتباع بانديرا على قيد الحياة، والمهم الآن هو المضي قدماً نحو الهدف. يجب ألا تتوقف العملية الخاصة تحت أي ظرف من الظروف إلى أن يتم التحقق من القضاء على مجموعات بانديرا والنازيين".
وتابع: "باختصار، أعتقد أننا لسنا بحاجة إلى مفاوضات، فهي لا تعود على روسيا بأي فائدة معتبرة، لكنها تتيح للطرف فرصة اللعب على الوقت والنفاق كما فعلوا مع "اتفاقيات مينسك".
"الغرب يتجه للتدمير الذاتي"
وقال قاديروف إنَّ "السلطات الغربية تقود دولها إلى التدمير الذاتي. وأعتقد أنَّ هذا ما سيحصل قريباً، فبالإضافة إلى الانحلال الأخلاقي وفرض العقوبات الانتحارية وارتفاع أسعار الوقود والمتطلبات الأساسية، ومؤشرات أزمة غذائية عالمية ونواحي أخرى تسببت بها السياسات المتهورة لإدارة بايدن، فإنَّ ذلك سينقلب شراً على الدمى الأميركية والأوروبية".
وأضاف: "أنصح الدول الأوروبية بإعادة التفكير في أفعالها العدائية تجاه روسيا، وأقول لهم أنتم تقتلون اقتصادكم"، معتبراً أنه "لن يكون للدول الأوروبية مستقبل إذا واصلت الإصغاء للولايات المتحدة، كما أنَّ المضي قدماً نحو تنمية موثوقة من جميع النواحي لا يمكن أن يتحقق إلا بالصداقة مع روسيا".
واعتبر الرئيس الشيشاني أنَّ من وصفها بـ"شعوب روسيا الشقيقة" "متحدة كما لم يحدث من قبل"، لافتاً إلى أنَّ عدد الراغبين في الدفاع عن روسيا آخذ في الازدياد ويطال كافة شرائح الشعب، من أطباء ومعلمين ورياضيين وعاملين وفلاحين".