نصف مليون شخص بدون مأوى في حلب يواجهون خطر كارثة جديدة

time reading iconدقائق القراءة - 6
أطفال سوريون يلعبون في مدينة حلب بعد كارثة زلزال السادس من فبراير، حلب. 22 فبراير 2023 - الشرق
أطفال سوريون يلعبون في مدينة حلب بعد كارثة زلزال السادس من فبراير، حلب. 22 فبراير 2023 - الشرق
حلب -الشرق

بين أزقة ضيقة في المدينة القديمة، يلملم سكان مدينة حلب السورية حجارة منازلهم المتناثرة، ويدعمون جدرانهم الآيلة للسقوط في عملية ترميم فردية وبدائية، لجأ إليها الناس مضطرين لعدم وجود منازل بديلة تؤويهم.

وبعد نحو شهر على كارثة زلزال السادس من فبراير، قدرت لجنة الإغاثة العليا في سوريا عدد المباني المدمّرة بأكثر من 4400 مبنى، وتضرّر جراء الزلزال نحو نصف مليون شخص، لينضمّوا إلى قائمة الملايين المنكوبين خلال نحو 12 سنة من الحرب.

على قطعة خشبية صغيرة وُضعت على برميل حديدي، يقف أبو بكري قيلش، أحد سكان حي العقبة في مدينة حلب القديمة، ويستعين بعاملين اثنين لتدعيم جدار منزله، الذي يفصل عن جدار المنزل الآخر زقاقٌ صغير بعرض مترين فقط.

وكحال معظم المدن القديمة في سوريا، تتقارب المباني وتلتصق العمارات ببعضها البعض، ما يشكّل عائقاً على عمليات الترميم بعد الزلزال.

ويقول قيلش لـ"الشرق": "المكان ضيّق للغاية، وهذا يصعّب دخول المواد الأولية للترميم، ويرفع من مستوى مخاطر انهيار أي جدار، لأن ذلك يعني بالضرورة انهيار جدران أخرى".

يُعيد قيلش ترتيب حجارة منزله واحداً تلو الآخر، مستعيناً بخبرة مهندس مدني يتجوّل في الحي ويقدّم مشورة مبدئية، إلا أنه لم يعد يحتمل الانتظار أكثر فقرّر بدء الترميم بنفسه.

ويقول الرجل الأربعيني "وعدتنا محافظة حلب بدعم مادي ولوجيستي، لكن سننتظرُ طويلاً ريثما يأتي دورنا، لذلك قررنا البدء مباشرة بالترميم معتمدين على أنفسنا".

الهوية الضائعة

فرّ علي عيّاش، من منزله في حي الهلك قبل لحظات من انهيار بنايته، ولم يخرج معه من البيت سوى طفليه الصغيرين وزوجته، ويواجه اليوم "مشكلة حقيقية في فقدان كل أوراقه الثبوتية، ويقول عيّاش (39 سنة) "لقد ضاعت هويتي تحت الركام، وفقدت كل الأوراق التي تثبت ملكية منزلي، وليس لديّ الآن أية وثيقة استندُ عليها للتقدم من أجل الحصول على دعم للترميم".

يُقيم عياش الآن في خيمة قدمتها منظمة إنسانية مع مساعدات غذائية بسيطة، وينتظر التعليمات التنفيذية للأشخاص الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية، ويقول "ليس هنالك مكان أذهب إليه، خسرت منزلي وفقدت فيه كلّ ما أملك".

وتشكل مسألة ضياع الأوراق الشخصية، تحدّياً جديداً أمام السكان الناجين، وأمام لجان محافظة مدينة حلب، التي تلجأ إلى المخاتير وأعيان المدينة، لتحديد ملكيات بعض الأشخاص، إلا أن ذلك ليس كافياً، وإن كان حلاً أولياً.

وخرج المئات من سكان مدينة حلب من منازلهم بما عليهم من ثياب مع حصول الهزّة الأولى، ولم يتسنّ للكثير منهم من اصطحاب حقيبة أو وشاح، وترك آخرون أموالهم ومصوغاتهم الذهبية لتضيع هي الأخرى تحت أكوام الردم.

مواد البناء

مع استمرار انهيار قيمة العملة السورية بشكل مستمر مقابل الدولار، تضاعفت أسعار مواد البناء في البلاد التي يعيش معظم سكانها تحت خطر الفقر، وضّيق الحصار الأوروبي والأميركي على دمشق، من خناق حركة البناء وزاد من أسعار الحديد والاسمنت وكل ما يلزم لرفع العمارات.

ويقول المهندس المتخصص في العقارات، أيمن شروفي لـ"الشرق": "تزيد أسعار مواد البناء في سوريا عن أسعارها في دول الجوار بنسبة تتراوح بين 20 و50%".

ويُضيف "إدخال الحديد إلى سوريا مهمة شاقة، ورحلة طويلة تعبر عدة بلدان قبل أن تصل من بلد المنشأ إلى بلدنا، وعقوبات واشنطن المفروضة على رجال أعمال وشخصيات سياسية، أحكمت الخناق على عمليات الاستيراد".

على سبيل المثال، تحتاج عملية إزالة الردم من أي منزل في مدينة حلب إلى مبلغ يتراوح بين مليون وحتى عشرة ملايين ليرة سورية، في الوقت الذي يسجل فيه متوسط دخل الفرد في سوريا نحو مئتي ألف ليرة سورية.

ويواجه معظم سكان مدينة حلب صعوبة كبيرة في تأمين البدل المادي اللازم لبدء عمليات الترميم، فيما يعتمد آخرين على الحوالات الخارجية المقدمة من ذويهم أو كمساعدات من السوريين المغتربين.

ضياع الخرائط 

بعد أن هدأت آلة الحديد والنار في مدينة حلب، اكتشف المعماريون مدى النقص الكبير الحاصل في خرائط المدينة القديمة ومخططاتها، واضطروا في كثير من الأحيان للاجتهاد في عمليات ترميم الأسواق والمنازل الأثرية. 

ويقول الباحث التاريخي مصطفى ناصر "احترقت الكثير من الوثائق التي كانت مخبأة داخل قلعة حلب وفي المتحف، وتلفت وثائق أخرى ليس لها أي بديل".

ويحذر ناصر من أي عملية ترميم في المدينة القديمة بدون الاستناد إلى معايير فنية تحافظ على هوية مدينة حلب، ويقول "أي ترميم غير مدروس سيغير من هوية المدينة القديمة، لذا علينا الاستعانة بخبراء ترميم في هذا المجال، كي نحافظ على روح المكان وعراقته التاريخية".

ويرفع ناصر من شدة خطر سرقة حجارة أو آثار من الأسواق أو المباني القديمة، في ظل الفوضى الحاصلة بعد الزلزال، وتداخل الدمار والركام مع الآثار والقطع النادرة من الجدران القديمة.

تداعيات الحرب 

شهدت مدينة حلب طيلة سنوات اشتباكات عنيفة وعمليات قصف متبادلة وحفر أنفاق وتفجيرها، ودارت معارك قوية في محيط قلعة حلب، واشتعلت النيران بأسواقها القديمة حتى أكلتها واحداً تلو الآخر.

ويقول المهندس رودولف خولي "لقد تعرضت حلب لهزات خلال الحرب من خلال عمليات التفجير المتتالي وقصف القذائف العشوائي على المدينة، فمن الطبيعي أن تنهار أبنية بعد حدوث الزلزال".

ويُضيف خولي "خلال الحرب، استغلّ العديد غياب السلطة وبنوا الكثير من العمارات المخالفة بدون مراعاة أية معايير فنية، وهذه الأبنية هي أول ما سقط بعد الهزة الأولى".

يعترف المهندس بالمهمة الشاقة التي ينتظرها الجميع خلال الفترة المقبلة، ولا يخفي قلقه من انهيارات جديدة في أبنية متصدعة إذا لم يتم تدعيمها في الحال، ويقول "لا يجب أن ننتظر زلزالاً آخر كي نتحرك، يجب تأمين الجميع بداية، وإعادة بناء كل عمارة مخالفة أو جدار متصدع".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات