"قوارب الهجرة" في بريطانيا.. إصرار حكومي على "الإبعاد" رغم الانتقادات

time reading iconدقائق القراءة - 10
لاجئون أفغان نُقلوا من مركز لمتابعة شؤون المهاجرين في مانستون إلى العاصمة البريطانية لندن. 2 نوفمبر 2022 - REUTERS
لاجئون أفغان نُقلوا من مركز لمتابعة شؤون المهاجرين في مانستون إلى العاصمة البريطانية لندن. 2 نوفمبر 2022 - REUTERS
لندن - بهاء جهاد

أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الثلاثاء، أن أي شخص يدخل المملكة المتحدة بشكل غير قانوني سيتم ترحيله إلى بلده "إذا كان ذلك آمناً، أو إلى بلد ثالث آمن مثل رواندا"، واصفاً التشريع المنتظر والذي يهدف إلى وضع حد للهجرة غير الشرعية بأنه "صارم، لكنه ضروري وعادل".

وفي تصريحات من مقر رئاسة الحكومة في "داونينج ستريت"، قال سوناك: "سنحتجز من يأتون إلى هنا بشكل غير قانوني ثم نخرجهم في غضون أسابيع".

وأشار إلى أن مشروع قانون الهجرة غير القانونية الجديد سيعالج الأزمة التي تكلف دافعي الضرائب البريطانيين ملايين الجنيهات يومياً لإيواء المهاجرين غير الشرعيين في الفنادق، واصفاً الوضع الحالي بأنه "ليس أخلاقياً ولا مستداماً. لا يمكن أن يستمر".

دفاع حكومي وانتقاد من المعارضة

كانت الحكومة البريطانية أعدت مشروع قانون جديد لمواجهة الهجرة غير الشرعية، يقضي بأن من يصل المملكة المتحدة بطريقة غير قانونية لن يتمكن من البقاء أو العودة إليها، أو تقديم طلب لجوء فيها، وسيتم ترحيله إلى بلده، أو المكان الذي قدم منه، أو وجهة ثالثة آمنة، دون حق في تقديم شكوى للقضاء المحلي أو الأوروبي.

وترى لندن أن مشروع القانون خطوة على طريق الوفاء بوعدها في وقف ما يسمى "مهاجري القوارب"، أما المعارضة فتراه ليس عملياً ولا يمكن تنفيذه على أرض الواقع. كما أنه لا يكفي لصد آولئك الذين يبحرون من سواحل فرنسا على الضفة المقابلة لبحر المانش.

وما يُثير قلق حكومة سوناك إزاء "مهاجري القوارب" الذين فاق عددهم 45 ألفاً، العام الماضي، ليس فقط "التهديدات الأمنية والاجتماعية التي يحملونها إلى المجتمع البريطاني"، وإنما التكلفة الكبيرة التي يتحملها دافعو الضرائب مقابل إسكان ورعاية المهاجرين غير الشرعيين، سواء في الفنادق أو المنازل الخاصة.

ولفتت حكومة حزب المحافظين إلى أن ما يزيد على 100 مليون شخص حول العالم مؤهلون للقدوم إلى المملكة المتحدة بشكل قانوني وآمن، لكن ذلك لن يكون متاحاً إلا إذا أغلقت جميع أبواب الهجرة غير الشرعية، وأقرت القوانين التي من شأنها "وقف الاتجار بالبشر، واستعبادهم، وابتزازهم، ودفعهم إلى الموت مقابل المجهول".

استثناء القصّر والمرضى

وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، أوضحت أن مشروع القانون يتيح للحكومة احتجاز من يصلون إلى بريطانيا بطريقة غير قانونية، ثم ترحيلهم بسرعة إلى أوطناهم أو بلد آمن آخر مثل رواندا، التي أبرمت معها حكومة رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، اتفاقية في هذا السياق، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن.

وقالت الوزيرة في حديثها أمام البرلمان، إن التشريع الجديد يستثني من تقل أعمارهم عن 18 عاماً، والمرضى الذين قد تتعرض حياتهم للخطر نتيجة الترحيل، معتبرة أنه لا يُخالف التزامات المملكة المتحدة في حقوق الإنسان، أو الاتفاقات المبرمة مع دول العالم في هذا الشأن. 

ولفتت برافرمان إلى أن المهاجرين غير الشرعيين، يضعون المملكة المتحدة تحت ضغط شديد، ويكلفون دافعي الضرائب نحو 4 ملايين جنيه إسترليني يومياً.

تكلفة الهجرة

لجنة التنمية والمساعدات الدولية في مجلس العموم البريطاني، توقعت تصاعد الإنفاق الحكومي على المهاجرين الوافدين إلى البلاد عبر بحر المانش أو غيره من القنوات غير الشرعية، إلى نحو 3 مليارات جنيه خلال العام الجاري، وهو ما يؤثر ليس فقط على دافعي الضرائب في الداخل، وإنما أيضاً على المساعدات التي تقدمها لندن للدول الفقيرة سنوياً.

وقالت اللجنة إن تكلفة المهاجرين غير الشرعيين تجاوزت مليار جنيه عام 2021، وهو ما يمثل نحو 10% من ميزانية المساعدات الخارجية في ذلك العام، مشيرةً إلى أن الحكومة أنفقت حوالي 22 ألف جنيه على كل لاجئ خلال 2021، مقابل 6700 جنيه في 2019.

وأشارت اللجنة إلى تقديرات مركز التنمية العالمية الذي توقع أن يرتفع الإنفاق الحكومي على اللاجئين في الداخل إلى 4.5 مليار جنيه إسترليني، العام المقبل، إذا لم تتوقف الهجرة غير الشرعية، أي نحو ثلث ميزانية المساعدات الخارجية.

"دعاية سياسية"

وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية إيفيت كوبر، قالت إن الحكومة طرحت مشروع القانون بغرض الدعاية السياسية، وليس ترجمة عملية لوعودها في وقف الهجرة غير الشرعية إلى البلاد، العام المقبل.

وأشارت كوبر في كلمة أمام البرلمان، إلى أن المحافظين فشلوا مرات عدة في وقف "هجرة القوارب" لأنهم لا يعترفون بالخلل الرئيسي.

واعتبرت كوبر أن المشكلة الرئيسية تكمن في عدم وجود اتفاقية لإعادة المهاجرين العابرين لبحر المانش إلى فرنسا التي يأتون منها، كما رأت أن عجز حكومات المحافظين المتتالية بعد "بريكست" عن إبرام مثل هذه الاتفاقية، يُبقي كل الحلول الأخرى مجرد محاولات فاشلة لمعالجة أزمة الهجرة غير الشرعية إلى البلاد.

ورأى عضو حزب العمال عن مدينة برمنجهام خالد محمود، أن الحكومة تعرف تماماً أن مشروع القانون الجديد لن يحمل أي منفعة دون اتفاقية لإعادة اللاجئين إلى فرنسا، وبالتالي إلى الاتحاد الأوروبي.

وأضاف أمام البرلمان أن "التركيز على تكلفة اللاجئين الكبيرة قد يؤدي إلى تفاقم العنصرية ضدهم في المملكة المتحدة".

مفاوضات مع فرنسا

الحكومة البريطانية استبقت بالإعلان عن مشروع القانون الجديد، زيارة مرتقبة لسوناك إلى باريس لعقد قمة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عنوانها الأبرز معالجة أزمة الهجرة غير الشرعية إلى المملكة المتحدة، والبناء على اتفاق سابق أُبرم نهاية العام الماضي، لتعزيز التعاون بين البلدين في هذا المجال.

وقال الباحث في الشأن البريطاني جون ماكهوجو، إن سوناك مهّد بمشروع القانون لفكرة أن بلاده عازمة على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين مهما كانت التكلفة.

وأضاف لـ"الشرق" أن "الحكومة من خلال مشروع القانون سوف تتجاوز كل التحديات التي تقف في وجه الخطوة، سواء كانت وجهة الترحيل إلى أوروبا أو أي بلد في العالم".

ولفت ماكهوجو إلى أن سوناك يُعوّل على مرونة أوروبية مشابهة لما وجده أخيراً في تعديل بروتوكول إيرلندا الشمالية ضمن اتفاق "بريكست"، مرجحاً "ألا يكون الرئيس الفرنسي سخياً إلى حد أن يَهِب سوناك علاجاً جذرياً لأزمة المهاجرين دون مقابل، أو دون اتفاق على ملفات أخرى".

اتفاق رواندا المعطل

زعيم حزب العمال كير ستارمر، يرى أن حزب المحافظين الحاكم أضرَّ كثيراً بعلاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي بعد "بريكست". وهذا الضرر يجعل من الصعب على حكومة سوناك إبرام أي اتفاق مع ماكرون بشأن إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى فرنسا، وبالتالي وقف هذه الظاهرة كما يعد سوناك.

ولفت ستارمر في تصريحات تلت الإعلان عن مشروع "حظر بقاء ولجوء" المهاجرين غير الشرعيين في المملكة المتحدة، إلى أن الحكومة العمالية القادمة عبر انتخابات عام 2024، سوف تُعيد تقويم العلاقات مع أوروبا حتى تتجاوز تداعيات الطلاق بين لندن وبروكسل. وحينها ستبرم اتفاقاً لإعادة المهاجرين مع باريس.

وتوقع ألا تنجح الحكومة في تقديم خطط ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من خلال التشريع الجديد، لأن الاتفاق الذي أبرمته مع رواندا في هذا الإطار منذ عهد جونسون، لا زال معطلاً بسبب معوقات قانونية لن تُذلل بالقانون المنتظر.

مواجهات قانونية متوقعة

قبل أشهر، تمكنت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، من وقف أول طائرة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين كانت تستعد للإقلاع من لندن إلى رواندا.

وعلى الرغم من أن القضاء البريطاني أصدر لاحقاً حكماً بشرعية الخطوة الحكومية في هذا الإطار، إلا أن خطط الترحيل إلى البلد الإفريقي لا تزال معطلة بسبب اعتراضات قانونية مختلفة.

وقالت المحامية جانيت فود لـ"الشرق"، إن التشريع الجديد يمكن أن يقر في البرلمان عبر أكثرية الحزب الحاكم، لكن ذلك لا يعني أن تنفيذه سيكون سهلاً ولا تتخلله مواجهات قضائية بين الحكومة ومنظمات حقوق الإنسان، أو المحامين الذين يدافعون عن حقوق اللاجئين الهاربين من الموت أو المجاعات أو الحروب في أوطانهم.

وأشارت إلى أن القوانين التي تتعامل بحدة مع حقوق الإنسان، يتخللها عادة العديد من نقاط الضعف التي يمكن البناء عليها لمساعدة اللاجئين والمهاجرين، خاصة أن نسبة كبيرة من الوافدين عبر بحر المانش ينتمون إل دول تعاني فعلاً من حروب وكوارث تستدعي منح الحماية لمواطنيها.

الدول المصدرة للمهاجرين

في حين نددت منظمة العفو الدولية بمشروع القانون البريطاني، تُشير أرقام رسمية حديثة إلى أن نحو 16 ألفاً من "مهاجري القوراب" العام الماضي، قدموا من ألبانيا التي لا تشهد حروباً أو مشكلات تستدعي منح حملة جنسيتها حق اللجوء، وكذلك الهند التي قدم منها عبر المانش أكثر من 3 آلاف آلاف مهاجر.

وبحسب الأرقام، فإن دولاً مثل أفغانستان وسوريا والعراق وإيران تُصدر أعداداً كبيرةً من القادمين بحراً، إذ بلغ عدد طالبي اللجوء من أفغانستان عام 2022 وحده، نحو 11 ألف مهاجر، ثم إيران أكثر من 9 آلاف مهاجر، والعراق 6 آلاف و200 مهاجر، ثم سوريا 4 آلاف و500، تليها بنجلاديش وإريتريا بأكثر من 3 آلاف.

ومن بين الدول العربية المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين، السودان الذي يتقدم أكثر من 3 آلاف حامل لجنسيته بطلب لجوء لوزارة الداخلية. أما عدد من رفضت الحكومة طلبات لجوئهم وأعادتهم قسراً إلى بلادهم أو دول أخرى فلا يتجاوز 2800 شخص من مختلف الجنسيات في 2022، وهو أقل بـ 80% عن 13 آلاف شخص رحّلتهم حكومة حزب العمال في نصف عام فقط خلال 2010.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات