تحديات حزبية واقتصادية تواجه أول مسلم يقود حكومة إسكتلندا

time reading iconدقائق القراءة - 9
حمزة يوسف بعد إعلانه كزعيم جديد للحزب الوطني الاسكتلندي في إدنبرة بالمملكة المتحدة. 27 مارس 2023 - Bloomberg
حمزة يوسف بعد إعلانه كزعيم جديد للحزب الوطني الاسكتلندي في إدنبرة بالمملكة المتحدة. 27 مارس 2023 - Bloomberg
لندن-بهاء جهاد

اختار برلمان إدنبرة الزعيم الجديد للحزب القومي الإسكتلندي حمزة يوسف، رئيساً لوزراء اسكتلندا، خلفاً لرئيسة الوزراء السابقة نيكولا ستيرجن، التي استقالت من منصبها فبراير الماضي.

وفاز يوسف، الذي ينحدر من عائلة باكستانية مهاجرة، في انتخابات زعامة الحزب على منافستيه كيت فوربس، وآش ريجان، ليصبح أول مسلم يقود اسكتلندا، ويرأس الحكومة في دولة أوروبية.

رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك، وهو أول مهاجر من أصل هندي في هذا المنصب، رحب برئيس الحكومة الإسكتلندية الجديد وأبدى انفتاحاً على التعاون معه، لكنه رفض دعوته لإجراء استفتاء على الوحدة بين إدنبرة ولندن. قائلاً إن "الإسكتلنديين بانتظار من يعالج مشكلاتهم الراهنة ويساعدهم على مواجهة كلفة الحياة المرتفعة".

وبخلاف "حلم الانفصال" عن بريطانيا، ثمة مهام كثيرة تنتظر الوزير الأول الجديد في إدنبرة، تبدأ بتوحيد صفوف الحزب بعد الرحيل المفاجئ لستيرجن، وصولاً إلى إنهاء الإضرابات واستعادة السيطرة على الأسعار ومعدل التضخم. فضلاً عن تحديات كثيرة تنتظر يوسف، لا تقل صعوبة عن ملفي الاستقلال والاقتصاد، برأي محللين.

انقسام يثير القلق

وتقدم يوسف بفارق 4% من الأصوات على منافسته فوربس. والروح الرياضية التي استقبلت فيها الأخيرة فوز خصمها، لا تعني بالضرورة أن المؤيدين لها بين نواب برلمان إدنبرة سيبدون مرونة في التعامل مع الزعيم الجديد. ناهيك عن أنصار آش ريجان، التي اعترتها علامات التوتر خلال حفل الإعلان عن نتائج انتخابات الحزب. 

برأي الصحفي المختص في الشأن الإسكتلندي جارث روز، لا يتمتع يوسف بالتوافق ذاته الذي كانت تحظى به ستيرجن داخل الحزب. وهذا يجعل تقدمه في أي ملف صعباً ومحفوفاً بالمخاطر. كما أن يوسف يعتبر امتداداً للحقبة الماضية، وهذا بحد ذاته يمثل معضلة لرئيس الوزراء الجديد، عند الاحتكاك مع خصوم ستيرجن وخططها.

ويلفت روز، إلى أنه رغم الصعوبات التي تنتظره، يعتبر حمزة أكثر خبرة وقدرة من المرشحتين الخاسرتين على إدارة العلاقة مع الأحزاب الأخرى في اسكتلندا، كما أنه سيكون أكثر مرونة من ستيرجن في التعامل مع لندن، شرط ألا يسعى إلى تحويل مسألة الاستقلال عن بريطانيا، إلى ساحة حرب بينه وبين برلمان "ويستمنستر".

كثير من التعهدات

وجاء فوز حمزة يوسف بعد العديد من المناظرات التي جمعته مع المرشحتين فوربس وريجان، حيث قدم يوسف لأعضاء الحزب القومي الإسكتلندي خلال حملته الانتخابية كثيراً من التعهدات القريبة والبعيدة، حتى حظي بأصوات 52% من أصوات ما يزيد على 72 ألف عضو، تلته كيت فوربس بنسبة 48% من الأصوات.

وجدد رئيس الوزراء الجديد تعهد حزبه بتحويل الانتخابات العامة المقبلة في اسكتلندا إلى استفتاء شعبي على الوحدة مع بريطانيا. تماماً كما فعلت سلفه نيكولا ستيرجن. كذلك أعلن نيته إطلاق مؤتمر وطني لمعالجة أسباب الفقر في الدولة. وأكد حزمة من القرارات التي من شأنها مساعدة الأسر محدودة الدخل على كلفة المعيشة.

ويقول مؤلف كتاب "الطريق إلى الاستفتاء في اسكتلندا" إيان ماكويرتر، إن حمزة يوسف قد لا يطول احتفاله كثيراً بفوزه بزعامة الحزب الحاكم ورئاسة الحكومة، إن لم ينتبه إلى الفارق الضئيل بينه وبين كيت فوربس. حيث أن نصف أعضاء الحزب أرادوها خلفاً لستيرجن لأنها تحمل نهجاً مختلفاً، وتمثل توجهات هامة في المجتمع الاسكتلندي.

وفي مقال نشرته صحيفة "ذا سبيكتيتر"، أوضح ماكويرتر أن ستيرجن دفعت باتجاه وصول يوسف إلى السلطة، ولكنها هي نفسها كانت موضع انتقاد في الحزب. والرهان على استمرارية سياساتها من خلال يوسف، يمكن أن يعرض الحزب القومي الإسكتلندي إلى تصدعات كبيرة، خاصة مع وجود خصوم كثر له بين النواب.

تفاؤل بانطلاقة جديدة 

ويؤكد نائب رئيس الحزب القومي الإسكتلندي كيث براون، أن نتائج انتخابات رئاسة الحزب تعكس انقساماً بين صفوفه. ولكنه يبدي تفاؤلاً في قدرة يوسف على توحيد أكبر أحزاب اسكتلندا. منوهاً إلى أن المحافظة على صدارة المشهد السياسي في الدولة تحتاج أحياناً إلى تغييرات كبيرة، وشخصيات "مختلفة" عن السياق العام للحزب.

ويرفض براون اعتبار يوسف امتداداً لعهد سلفه، ويفضل في حديث مع صحيفة "الإندبندنت"، وصف انتخاب أول زعيم مسلم للحزب والحكومة، بالانطلاقة الجديدة التي ستحمل أشياء مختلفة لم تعرفها اسكتلندا من قبل. وفي ذات الوقت ستحافظ على الأساسيات والثوابت التي بُني عليها الحزب على امتداد سنوات طويلة وقيادات مختلفة. 

ولا يتشارك رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الإسكتلندي أليكس هاملتون، مع براون في تفاؤله بانطلاقة جديدة لإسكتلندا مع وصول يوسف إلى السلطة. حيث يرى هاملتون أن الرئيس الجديد للحكومة لن يحرك ساكناً في مشكلات لطالما عانت منها البلاد بسبب غياب الاستراتيجيات الواضحة لحلها من قبل الحزب القومي الإسكتلندي. 

وشدد هاملتون، في بيان رسمي، صدر عقب فوز يوسف مباشرة، على "أن الإسكتلنديين سئموا من تكرار ذات الأخطاء التي قوضت سياسة بلادهم لسنوات طويلة"، وقال إنهم باتوا مستعدين للتغيير الذي يرى حزبه عنواناً له. والقول الفصل في هذا التوجه برأيه، ستحمله صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة المقبلة على أبعد تقدير ممكن.

جبهات داخلية وخارجية  

رئيس الحكومة الإسكتلندية الجديد تعهد بالمضي قدماً نحو تحقيق الاستقلال لبلاده. كما أكد دعم الإسكتلنديين لتحمل كلفة الحياة المرتفعة، ومعالجة أسباب الإضرابات وغلاء الأسعار وغيرها من المشكلات الاقتصادية التي تؤرق السكان. ناهيك عن إصراره على تنفيذ تلك الخطط المتعلقة بالبيئة، والوصول إلى الحياد الكربوني.

من وجهة نظر أستاذ السياسات في جامعة "ستراثكلايد"، البروفسور جون كيرتس، لا يطوي قبول برلمان أدنبرة بيوسف رئيساً للحكومة، المشكلات المتوقعة في المشهد السياسي. فالأحزاب إجمالاً تريد انتخابات عامة مبكرة في البلاد. وتقول استطلاعات الرأي إن الحزب القومي الإسكتلندي سيخسر في أي استحقاق يمكن أن يكون مبكراً.

ورأى البروفيسور كيرتس، في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية، أن كل الأحزاب في اسكتلندا تعد العدة من الآن لانتزاع مقاعد من القوميين الإسكتلنديين على ضوء تقديرات وتوقعات مختلفة تقول إن الحزب الحاكم سيصيبه الوهن. وسيواجه زعيمه الجديد مقاومة ومعارضة ملحوظة لكل خطوة لا تروق لمعسكري فوربس أو ريجان. 

ويوضح أستاذ السياسات في جامعة "ستراثكلايد"، أنه من الأفضل بالنسبة لحمزة يوسف ضم منافسته كيت فوربس إلى حكومته المقبلة. فهي تحظى بشعبية كبيرة في الحزب الحاكم، وإقصاؤها عن المشهد اليوم ينطوي على مخاطر كبيرة لا يمكن التنبؤ بها. كما أن تحول فوربس إلى خصومة يوسف يعني اتساع معارضته الداخلية بشكل كبير جداً.

الانفتاح على المهاجرين

وشدد رئيس الحكومة الإسكتلندي الجديد في خطاب فوزه، على ضرورة الاستمرار بنهج الانفتاح على المهاجرين. فهم "يحملون قيمة مضافة كبيرة للمجتمع"، ووصوله إلى السلطة يعد أكبر دليل على صحة هذا النهج، وصواب القبول بهؤلاء الذين يركبون المستحيل كي يأتوا إلى بلاده بحثاً عن حياة أفضل، أو هرباً من الموت أو الجوع، برأيه.

فوز يوسف تلقفته بسرور شخصيات وفعاليات إسلامية مختلفة في المملكة المتحدة. حيث سارع رئيس حزب العمال الإسكتلندي أنس سروار، إلى تهنئته واعتبار فوزه لحظة مفصلية في تاريخ البلاد. كذلك فعل عمدة لندن صادق خان، الذي أشار إلى دلالات كثيرة في فوز يوسف، ولا يمكن لأحد تجاهلها أو الاستخفاف بها، على حد وصفه.   

من جهتها هنأت الأمينة العامة للمجلس الإسلامي البريطاني زارا محمد، الزعيم الجديد للحزب القومي الإسكتلندي والوزير الأول في إدنبرة. وقالت إن انتخاب يوسف هو حدث بالغ الأهمية ليس فقط لإسكتلندا وإنما أيضاً لكامل المملكة المتحدة. لافتة إلى أن ما حدث في إدنبرة ملهم، وسوف يمهد لخطوات عديدة مماثلة في المستقبل القريب. 

ونوهت محمد في بيان رسمي، إلى أن فوز يوسف يؤكد أنه في بريطانيا "لا يهم ما هي خلفيتك، أو عرقك، أو إيمانك، عندما يمكنك أن تكون ممثلًا لجميع المجتمعات"، داعية رئيس الحكومة الإسكتلندية الجديد إلى العمل على حل كافة المشكلات التي تعاني منها بلاده. والحرص على أن يكون موحداً لكافة فئات المجتمع الإسكتلندي.

منظمة "تل ماما" Tell MAMA المدافعة عن حقوق الأقليات والمناهضة لكل أشكال التمييز العرقي والديني في المملكة المتحدة، تقدمت أيضاً بالتهنئة لرئيس الحكومة الجديد حمزة يوسف، وقالت المنظمة في تغريدة عبر منصة "تويتر"، إن وجود قياديين سياسيين من أقليات عرقية على رأس السلطة في البلاد، يعكس التنوع الكبير في المجتمع البريطاني.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات