تشتد قبضة روسيا على إمدادات الغذاء العالمية، بعد أن قالت اثنتان من أكبر الشركات التجارية الدولية إنهما ستوقفان مشتريات الحبوب الروسية للتصدير.
وذكرت بلومبرغ أن خروج شركتي كارجيل وفيتيرا يعني أن روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، ستكون لها سيطرة أكبر على شحناتها الغذائية وستجني المزيد من الإيرادات. وتم الكشف عن هيمنة روسيا على سوق الحبوب العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا، مع ارتفاع الأسعار العام الماضي وسط انقطاع الإمدادات.
وتدرس شركة آرتشر دانيلز ميدلاند أيضاً خيارات لإنهاء عملياتها الروسية الرئيسية، حسبما نقلت بلومبرغ عن مصادر مطلعة على الملف. كما تدرس شركة "لويس دريفوس" تقليل وجودها في البلاد، وفق ما ذكرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية.
وقال أندريه سيزوف، العضو المنتدب لشركة الأبحاث "سوف إيكون"، "بالنسبة لروسيا يمكننا أن نفترض أنه سيكون من الأسهل التحكم في تدفقات الصادرات إذا أرادت السلطات القيام بذلك، لأنه من الأسهل التعامل مع الأطراف المحلية".
لماذا تغادر شركات مثل كارجيل وفيتيرا روسيا؟
تتعرّض كارجيل وفيتيرا لضغوط للتخلي عن أصولهما في روسيا منذ ديسمبر على الأقل، عندما دعت سلسلة من الشخصيات المؤثرة، بما في ذلك حكام المناطق الرئيسية المنتجة للحبوب في البلاد، موسكو إلى الحد من نفوذ الأجانب في سوق المواد الغذائية في روسيا.
وكان التجار الذين تموّلهم الحكومة يستحوذون بالفعل على جزء أكبر من السوق، إذ جعل الرئيس فلاديمير بوتين السيادة الغذائية أولوية سياسية، خاصة مع تحوّل صادرات الحبوب إلى رمز للقوة الجيوسياسية.
واستحوذ بنك "في تي بي" المدعوم من الدولة على حصته في السوق خلال السنوات الأخيرة من فيتيرا وكارجيل. كما أن شركة "أو زد كي" المدعومة من الدولة، والمعروفة أيضاً باسم United Grain Co، هي أيضاً من بين أكبر خمس شركات شحن.
وقال سيزوف إن من المحتمل تشجيع شركات متعددة الجنسيات على اتخاذ قرار قبل موسم تصدير القمح الجديد، حين سيبدأ المُصدرون في بيع المحصول الجديد في مايو.
وفي الوقت نفسه، تجعل روسيا من الصعب بشكل متزايد على التجار الأجانب الحصول على الأوراق اللازمة لتصدير حبوبهم، حسب أشخاص مطلعين على الأمر.
واستفادت الشركات التجارية الدولية من أن تصبح روسيا مصدراً عالمياً رئيسياً للحبوب على مدى العقدين إلى العقود الثلاثة التي كانت تعمل خلالها هناك. وفي ذلك الوقت، ازدهرت صادرات القمح الروسية خمسة أضعاف، ما جعل القمح في البلاد السعر القياسي العالمي للتجارة.
ما أهمية ذلك للإمدادات الغذائية العالمية؟
يترك رحيل شركتي كارجيل وفيتيرا إمدادات الحبوب الروسية إلى حد كبير في أيدي الشركات المحلية المموّلة من الحكومة، ما يعني أن روسيا ستسيطر على المزيد من الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها مع تدمير الحرب لميزانيتها.
ويعني هذا أنه قد يكون من الأسهل على روسيا استخدام صادرات الغذاء كأداة للنفوذ الجيوسياسي. ومن بين المشترين الرئيسيين للحبوب الروسية دول في الشرق الأوسط وإفريقيا تجنبت الانتقادات القوية لغزو أوكرانيا.
وقال مات أميرمان، مدير مخاطر السلع في شركة "ستون إكس": "إذا شاركت الحكومة الروسية بشكل أكبر، فإنها تجلب المزيد من المخاطر من منظور السوق. إلى أن تثبت روسيا نفسها، فهي مورد مشكوك فيه، على الرغم من أن كل شيء سيمضي قدماً كالمعتاد".
ماذا يعني ذلك بالنسبة لأسعار الحبوب والتدفقات التجارية؟
تقول وزارة الزراعة الروسية إن التغييرات لن تؤثر على مستويات الصادرات في البلاد، لكن التجار يراقبون أي علامات على كيفية محاولة روسيا التأثير على الأسعار أو شروط التجارة. ومن المرجح أن يتم المزيد من الصفقات على مستوى الحكومات.
ووقعت شركة "أو.ز.جي.كيه" المدعومة من الدولة بالفعل عدة عقود للقمح مع شركاء أتراك، وقالت العام الماضي إنها تريد "التخلص تماماً من مشاركة التجار الدوليين والعمل مباشرة مع الدول المستوردة".
كما أن إعادة رسم سوق الحبوب الروسية تجعل من الصعب تتبع كيفية خلط الحبوب من أوكرانيا المحتلة بالمحاصيل الروسية وشحنها إلى الأسواق العالمية.
كيف سيتم تصدير الحبوب الروسية الآن؟
شحنت فيتيرا وكارجيل نحو 14% من الحبوب من روسيا الموسم الماضي، لذلك سيستمر جزء كبير من الصادرات كما كان من قبل. وأنشأ فريق فيتيرا المحلي شركة جديدة وسيواصل عمله، وفقاً لاتحاد الحبوب الروسي.
وقالت كارجيل إنها ستتوقف عن تصدير الحبوب التي تحصل عليها الشركة في روسيا اعتباراً من يوليو، ولكنها ستواصل شراء شحنات من شركات أخرى.
ومع ذلك، قد تكون العديد من شركات التأمين وشركات الشحن أكثر حذراً في العمل مع الشركات الروسية، بسبب المخاطر المتعلقة بالعقوبات.
ولا يتم فرض عقوبات على المواد الغذائية، ولكن بعض البنوك الحكومية المشاركة في تجارة الحبوب تخضع لذلك. وتهدف شركة "روساجروليسينج" الحكومية الروسية إلى بناء أكثر من 60 سفينة من أكبر سفن نقل البضائع السائبة لتصدير الحبوب، غير أن ذلك سيستغرق سنوات.
ماذا بعد؟
من المرجح أن يكون المزارعون الروس أكبر الخاسرين مع خروج التجار الدوليين، إذ إن قلة عدد الشركات يقلل المنافسة على حبوبهم، حسبما قال دان باس، مؤسس شركة "إيه جي ريسورس" الاستشارية.
ومن غير الواضح ما إذا كانت أسعار الصادرات في البلاد ستستمر في كونها معياراً عالمياً لتجارة القمح.
وقال باس: "إذا زادت سيطرة الدولة ستتضاءل الثقة بتلك العروض وتقل الشفافية. صناعة الحبوب العالمية ستكون الخاسر هنا".