
بينما تنشغل روسيا في صراعها مع أوكرانيا، ومواجهة توسع حلف شمال الأطلسي "الناتو" والذي ترى موسكو أنه تهديد لأمنها، تعود الأوضاع "المتوترة" في شمال القوقاز إلى الواجهة مجدداً.
الخميس، سقط 3 من عناصر الشرطة، وأصيب 8 آخرون في تبادل إطلاق نار، مع مسلحين بجمهورية إنجوشيا بالقوقاز الروسي، بحسب وكالات أنباء الروسية، لتبدأ بعد ذلك عمليات البحث عن المسلحين، قبل إعلان السلطات استسلام أحد المشتبه بهم.
الأمر لم يكن حادثاً فردياً، ففي نهاية مارس الماضي، أطلق مجهولون النار من أسلحة آلية على نقطة لشرطة المرور على حدود إنجوشيا وأوسيتيا الشمالية، والحصيلة كانت إصابة ضابطين من الشرطة.
كذلك، قام مجهولون بمهاجمة مبنى إدارة وزارة الداخلية الروسية في منطقة جودرميس بالشيشان. وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن شخصين فتحا النار على نقطة للشرطة، قبل أن يسقطا بنيران الرد.
وقررت السلطات، رداً على تلك الهجمات، تفعيل نظام مكافحة الإرهاب، ما يمنح قوى الأمن حرية أكبر في الحركة، واتخاذ إجراءاتها بسرعة ومن دون قيود في ملاحقة المطلوبين.
أسباب الهجمات
ويرى الصحافي ورئيس تحرير موقع "قوقازسكي أوزيل" الإلكتروني، جريجوري شفيدوف، خلال متابعته اليومية والحثيثة للوضع في شمال القوقاز، أن وجود عناصر من تنظيم "داعش"، إلى جانب خسارة إنجوشيا جزء من أراضيها لصالح الشيشان، والتي تعتبرها الأخيرة حق لها، من بين العوامل التي تسببت في الأحداث الأخيرة وما سبقها.
وقال شفيدوف لـ"الشرق"، إن "إنجوشيا لديها أجندتها الخاصة، وهي منطقة صغيرة جداً في شمال القوقاز، لكنها فقدت أخيراً بعض أراضيها التي تم منحها للشيشان. ومن وجهة نظر الأخيرة، لم تفقد إنجوشيا شيئاً، إنما استردت الشيشان حقها".
وأضاف: "لقد أضر هذا بشدة بجزء كبير من المجتمع، وكانت هناك احتجاجات على مدى أشهر، والآن لا تزال هناك دعوى قضائية ضد نشطاء ومشاركين في هذا الاحتجاج. وتم إصدار أحكام طويلة الأمد، لكن العملية لا تزال مستمرة.. هذا ليس السبب الوحيد، لكنه أحد العوامل التي تحبط المجتمع في إنجوشيا".
ورغم الأحداث الأخيرة وإعلان عملية مكافحة الإرهاب، إلّا أن الخبراء يؤكدون أن التوترات انخفضت في المنطقة، ويربطون الاشتباكات بين مسلحين والأمن بعوامل ظلت خافية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، بعيداً عما يجري حالياً في أوكرانيا.
من ناحيته، قال المختص بشؤون شمال القوقاز أمين يارليكابوف: "ما جرى أخيراً لا يعني شيئاً كبيراً. فالأسباب تكمن في وجود خلايا نائمة إلى جانب وجود فئات غير راضية عن الوضع بشكل عام. ولدى الفئات النائمة مهماتها الخاصة بعيداً عن الحرب في أوكرانيا، وعبر تنفيذ هجمات على عناصر الأمن يقومون بتنفيذ تلك المهمات".
وأضاف يارليكابوف لـ"الشرق": "هناك أسباب كثيرة لعدم الرضا، إذ أن الكثيرين يرغبون بأن يكون الحكم إسلامياً، فيما آخرون يعتبرون أن ما حدث أخيراً مرتبط بتدخلات من أطراف ثالثة. وقد يربطون ذلك بأحداث يناير، حين أحبط جهاز الأمن الفيدرالي الروسي محاولة قام بها أحد مؤيدي الأيديولوجية النازية، ومواطن روسي لارتكاب جريمة متصلة بالإرهاب في شمال القوقاز، والتي تآمر عليها بتكليف من أجهزة المخابرات الأوكرانية"، بحسب الأمن الروسي.
العوامل الخارجية
بدوره، رأى الخبير السياسي الروسي أندريه كوشكين، أن "وراء ما يجري دول ثالثة تحاول زعزعة الاستقرار في تلك المنطقة، على خلفية الأزمة الأوكرانية، إلى جانب محاولات لجعل حدودها الجنوبية وبالأخص جورجيا جبهة ثانية موجهة ضد موسكو".
وأوضح كوشكين لـ"الشرق" أن "ما جرى أخيراً مرتبط مع قيام الدول الغربية بتفعيل نشاط الخلايا النائمة، وبالأخص المسلحين في شمال القوقاز"، معتبراً أن "تلك التحركات خطيرة حين يتعرض عناصر الأمن لهجمات ويخسرون عناصرهم. وبالتوازي ينفذ جهاز الأمن الفيدرالي إلى جانب الحرس الوطني الروسي عمليات بحث ومكافحة للإرهاب".
وأضاف: "يتضح هذا عبر محاولات الدول الغربية إضعاف الأمن الروسي، وتصعيد الوضع في القوقاز لزعزعة الوضع في روسيا ككل، مع تواصل سير العملية العسكرية الخاصة، ومن الممكن أيضاً أن يتم هذا خلال استعداد القوات الأوكرانية لشن هجوم مضاد ضد روسيا".
الوضع الاقتصادي
التململ الداخلي والعوامل الخارجية ليست وحدها ما يفسر الأمر، إذ أن هناك حالة من عدم الاستقرار بسبب الوضع الاقتصادي. وفقاً لبيانات رسمية صدرت بحلول نهاية العام الماضي، كان مستوى البطالة مرتفعاً، فيما قالت سلطات المنطقة، إنها تريد خلق نحو 80 ألف فرصة عمل في مختلف الصناعات، لكن بحلول عام 2030.
ورأى يارليكابوف أن الحد من التوترات في المنطقة يكون عبر تطويرها، خاصة على المستوى الاقتصادي.
وقال لـ"الشرق" إن "الوضع الاقتصادي بما في ذلك البطالة كان أحد أسباب التوتر، إضافة إلى حالة البنية التحتية، والبطالة بشكل عام في هذه الجمهوريات. ومن الضروري إيجاد حلول لتهدئة الوضع وتسوية المشاكل الموجودة، ومن بين ذلك إيجاد فرص عمل لجيل الشباب وتطوير البنية التحتية".
ورغم تأكيد الخبراء على انخفاض نسبة نشاط المسلحين خلال أكثر من عقد من جهة، واستخدام سياسة القوة لاحتواء التحركات الراديكالية من جهة أخرى، يرى كثيرون أنه ما زال هناك الكثير لفعله لتهدئة الأوضاع المتوترة في شمال القوقاز، للحيلولة دون تدهور الوضع مجدداً نحو ما شهدته المنطقة في الماضي من مواجهات دامية استمرت لفترة طويلة، خاصة في ظل الحرب والتهديد الخارجي المتزايد على حدود روسيا الغربية.
اقرأ أيضاً: