"الولايات المتحدة وأوروبا تمددان أجل الحرب من خلال استمرار إرسال أسلحة إلى كييف".. لم يكن هذا التصريح الذي أدلى به الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا من قلب العاصمة الصينية بكين سوى تعبير عن نار تحت الرماد في العلاقات الأميركية البرازيلية.
نار أججتها "خيبة أمل" عاد بها دا سيلفا من واشنطن في أول زيارة خارجية له بعد تنصيبه رئيساً، إذ اكتفت الولايات المتحدة بإعلان دعم صندوق الأمازون، أكبر صندوق لحماية الغابات بمبلغ 50 مليون دولار فقط، بينما كان من المفترض تقديمها أضعاف هذا المبلغ، بحسب صحيفة "O Globo".
بعد شهرين من هذه الزيارة، أعرب لولا عن نيته السفر إلى الصين، المنافس التجاري الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة والعالم، وذلك لعقد مجموعة من الاتفاقات الاقتصادية بالإضافة لمناقشة مبادرة السلام، التي يسعى لولا لطرحها على الأطراف المتنازعة في الغزو الروسي لأوكرانيا.
زيارة سبقتها تحركات سياسية قامت بها البرازيل في مارس الماضي، إذ أرسلت المستشار الرئاسي الخاص للسياسة الخارجية سيلسو أموريم إلى روسيا، للتحدث عن إمكانية قبول موسكو بالوساطة التي تقودها البرازيل، بهدف إيقاف الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية، لكن المستشار عاد إلى البرازيل ولم يزر أوكرانيا أو يتواصل مع قادتها.
انزعاج أميركي
وبحسب السفير البرازيلي السابق لدى الولايات المتحدة روبينز بربوسا، فإن "ما أثار حفيظة الأميركيين ليس التقارب الاقتصادي البرازيلي الصيني، بل محاولة البرازيل طرح مبادرة سلام من بوابة الصين، إذ تعتبر الولايات المتحدة الصين الحليف الأول لخصمها الروسي، ومن الصعب على واشنطن قبول دور صيني كوسيط في عملية السلام".
وقال بربوسا لـ"الشرق" إن أطراف النزاع ليست مستعدة للجلوس والتفاوض، فلا توجد نقاط تفاهم بينهم يمكن أن تبنى عليها المفاوضات.
ويقول مسؤولون أميركيون إنهم فوجئوا وخاب أملهم من التحركات الدبلوماسية الأخيرة التي قامت بها البرازيل، باعتبار أنها لا تعطي انطباعاً جاداً بإمكانية لعب دور الوسيط في إيقاف الحرب الروسية في أوكرانيا.
وكانت أكثر التصريحات التي استفزت الإدارة الأميركية هي تلك التي أدلى بها الرئيس لولا دا سيلفا، الأحد الماضي، قبل عودته إلى البرازيل من جولته في الصين، حيث قال إن "الولايات المتحدة وأوروبا تمددان أجل الحرب من خلال استمرار إرسال أسلحة إلى كييف".
وأضاف سيلفا: "(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين لا يأخذ زمام المبادرة للتوقف، و(الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينكسي لا يبادر بالتوقف، وأوروبا والولايات المتحدة تواصلان المساهمة في استمرار هذه الحرب".
على إثر هذه التصريحات تعرض الرئيس البرازيلي، الاثنين، لانتقاد شديد من قبل واشنطن. وقال المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي للصحافيين: "فيما يخصّ هذه الحالة، تردد البرازيل الدعاية الروسية والصينية بشكل ببغائي من دون أن تنظر بتاتاً إلى الحقائق".
محاولة تهدئة
محاولاً التهدئة، وبالأخص بعد حملة ضغوط أوروبية وأميركية، غيّر لولا نبرته، الثلاثاء، وتحدث بطريقة أكثر رسمية، خلال مأدبة غداء في القصر الرئاسي مع الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس، قائلاً: "في نفس الوقت الذي تدين فيه حكومتي انتهاك سلامة أراضي أوكرانيا، فإننا ندافع عن حل سياسي تفاوضي للصراع".
وأضاف أيضاً أنه قلق بشأن العواقب العالمية للمواجهة بين أطراف الصراع، مثل نقص الطاقة والغذاء، وشدد على ضرورة تشكيل مجموعة من الدول التي من شأنها أن تجلب روسيا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى السلام.
ويزور لولا كلاً من البرتغال وإسبانيا بين 21 إلى 25 أبريل الجاري، بهدف بحث مستقبل التعاون الاقتصادي، بالإضافة لتهدئة الأجواء مع الدول الأوروبية المرتبطة بشكل مباشر بالنزاع الروسي الأوكراني، محاولاً إقناعهم بإمكانية نجاح دور الوساطة الذي ستلعبه البرازيل لوقف الحرب.
مع ذلك، يرى عدد من المحللين السياسيين البرازيليين أن هذه الوساطة لن تكلل بالنجاح في ظل ارتفاع وتيرة الخلافات بين الأطراف والتصعيد العسكري المتزايد بينهم.
ليست الهزة الأولى
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "ريو جرادي"، برونو بلكيني، يقول لـ"الشرق" إن "العلاقة بين البلدين تأسست على قواعد متينة قائمة على فكرة تبادل المصالح طويلة الأمد، والحفاظ على مسافة أمان لعدم تعارض البلدين سياسياً أو حتى اقتصادياً".
وأضاف: "تعرضت هذه العلاقة تاريخياً لعدة هزات أهمها تلك التي حصلت في السنوات الماضية، وتحديداً خلال فترة حكم الرئيس اليميني جايير بولسونارو، إذ يعتبر الأخير من أشد المعجبين والمقربين من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب".
وتابع: "بعد هزيمة ترمب وعودة الديمقراطيين لسدة الحكم، ظهرت الخلافات بشكل علني، وبالأخص حول قضايا البيئة وحماية الغابات وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى التوترات الدبلوماسية التي نجمت عن تصريحات بولسونارو العلنية، والتي أثارت انتقادات واسعة حول إدارته لأزمة كورونا".
تاريخياً، كانت الولايات المتحدة أول من اعترف باستقلال البرازيل عن البرتغال في عام 1822 من خلال فتح قنصلية في مدينة ريسيفي التابعة لولاية بيرنامبوكو، وذلك في استراتيجية أميركية للحد من النفوذ الأوروبي في القارة الجنوبية التي تعتبرها واشنطن أمناً قومياً يخص الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.
في مقابل ذلك، قدمت البرازيل أثناء الحرب العالمية الثانية مابين عامي 1939 إلى 1945 لدول الحلفاء فرقة مشاة بإشراف مباشر من جيش الولايات المتحدة، ومنحت مطاراتها وموانئها وقواعدها العسكرية بشكل مؤقت للجيش الأميركي، لحماية معابر ومسارات السفن الحربية والتجارية.
اقرأ أيضاً: