السودان.. مواجهة على مواقع التواصل الاجتماعي كما في الميدان

time reading iconدقائق القراءة - 8
أدخنة متصاعدة في سماء العاصمة السودانية الخرطوم جراء المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع. 19 أبريل 2023 - Getty Images
أدخنة متصاعدة في سماء العاصمة السودانية الخرطوم جراء المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع. 19 أبريل 2023 - Getty Images
القاهرة -أ ف ب

بالتوازي مع معاركهما في الميدان، تستعر الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على منصات التواصل الاجتماعي، وتستخدم فيها مختلف أسلحة التضليل والحسابات الوهمية وتكتيكات خبراء يعملون في الخفاء لترجيح كفّة طرف على آخر.

منذ اندلاع المعارك في 15 أبريل، لجأ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وغريمه محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، الى "إغراق وسائل الإعلام بمعلومات مضللة"، وفق رغدان أورسود، الشريكة في تأسيس مركز "بيم ريبورتس" الذي يحقق في المعلومات المضللة في السودان.

يخوض حليفا الأمس اللذان قادا انقلاباً أطاح بالمدنيين من الحكم عام 2021، صراعاً على السلطة أودى بالمئات خلال أسبوع، وفشلت معه كل مساعي التهدئة.

دفعت المعارك ملايين السودانيين للاحتماء في منازلهم حيث أصبحت منصات مثل فيسبوك وتويتر مصادر أساسية للمعلومات.

وكما يصعب التحقق من المعطيات الميدانية جراء خطر التنقّل، فالتدقيق في المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليس أقل تعقيداً، خصوصاً وأن جزءاً كبيراً يبثّ عمداً خدمة لأحد طرفي النزاع.

 "حقائق ملتوية"

ويقول محمد سليمان، الباحث في ملف التضليل بجامعة نورث إيسترن في مدينة بوسطن الأميركية، إن الجانبين نشرا "حقائق ملتوية" في حملة إعلامية لخلق "حالة من الخوف" تسيطر على الناس.

وبينما لم يحقق أي طرف تقدماً ميدانياً كبيراً، يرى خبراء أن لقوات الدعم ودقلو، يد طولى في المعركة الإعلامية.

فبعيد اندلاع القتال، بدأت حسابات مرتبطة بدقلو وقواته تبث بلغة إنجليزية متقنة، منشورات تؤكد فيها أنها تقاتل "الإسلاميين المتطرفين" الذين "يشنون حملة وحشية ضد الأبرياء"، وتقوم بالدفاع عن "الديمقراطية".

ويرى متخصص في شؤون الشرق الأوسط طلب عدم كشف اسمه، أن ذلك يؤشر على أن قوات الدعم "تستفيد من خدمات خبراء في مجال الصورة والتواصل الإلكتروني".

من جهته، يرى سليمان أنّ قوات الدعم "تتفوق" في الحرب الكلامية على الجيش الذي يعتمد "التكتيكات القديمة".

حسابات وهمية

وبحسب "بيم ريبورتس"، يستخدم الجيش حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت بالكاد ناشطة قبل المعارك.

وقامت هذه الحسابات "غير الموثقة" بنشر بيانات للبرهان والجيش، "أقرب ما تكون إلى دعاية مضللة"، وفق خدمة تقصّي صحة الأخبار لوكالة "فرانس برس".

وتداولت الحسابات على منصات مختلفة، مقاطع فيديو تشيد بالجيش لشنّه ضربات جوية على مقرات لقوات الدعم السريع، والاستيلاء على كميات ضخمة من النقود من منزل دقلو، وشنّ غارات جوية في شمال البلاد، واتضح أن اللقطات قديمة وتعود إلى اليمن وليبيا، وحتى أن بعضها كان من ألعاب الفيديو.

والأربعاء، اتهمت قوات الدعم السريع، الجيش، بإغلاق موقعها على الإنترنت الذي كان يستخدم نطاقاً حكومياً رسمياً.

وما زاد من خطر التضليل في المعركة الإلكترونية، تزامنها مع قيام إدارة تويتر بتجريد الحسابات من علامات التوثيق الزرقاء المجانية، ومنها تلك العائدة رسمياً للبرهان وقوات الدعم السريع.

وظهرت تبعات هذا الإجراء، الجمعة، اذ أعلن حساب باسم قوات الدعم يحمل علامة التوثيق التي باتت متوافرة عبر خدمة الدفع، أن دقلو انتقل "إلى رحمة الله متأثراً بجراح أصيب بها" خلال المعارك.

عقد بـ6 ملايين دولار

ولكل من طرفي النزاع، تاريخ في استخدام مواقع التواصل لتلميع صورته.

ورصدت شركة "بيم ريبورتس" وجود "حملة ممنهجة لتلميع صورة قوات الدعم السريع" على فيسبوك بدأت منذ مايو 2019 بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.

وتؤكد تيسا نايت من مختبر "دي أف آر لاب" للتدقيق الرقمي الأميركي، أن قوات الدعم تلاعبت سابقاً بمنصات التواصل.

ووفق المختبر، استخدمت القوات "ما لا يقل عن 900 حساب على تويتر يُحتمل أنها مقرصنة"، منذ ديسمبر 2022، لنشر معلومات عنها وعن دقلو وتضخيم شعبيتهم "بشكل مصطنع".

وتشير نايت إلى أن هذه الحسابات تصوّر دقلو على أنه "عسكري إصلاحي يدعم الديمقراطية، وقائد كفؤ"، ووصفته مع اندلاع المعارك بـ"بطل يقاتل لحماية السودان وتطهير البلاد من الخونة".

لم يترك دقلو صورته رهينة الصدفة، إذ وقع في مايو 2019 عقداً بلغت قيمته 6 ملايين دولار مع شركة العلاقات العامة والاستشارات "ديكنز أند مادسون" في مونتريال، بإدارة رجل الأعمال الإسرائيلي-الكندي آري بن ميناشي.

والعقد الذي اطلعت "فرانس برس" على نسخة منه، مدته سنة قابلة للتجديد، وينصّ على أن تقوم الشركة بـ"حملات ضغط (لوبي) مع قادة في السلطات التنفيذية و/أو التشريعية" في دول منها الولايات المتحدة وروسيا إضافة الى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ومنظمات أخرى.

وجاء الاتفاق قبل أسابيع من اتهام مسلّحين تابعين لقوات الدعم السريع، بفضّ احتجاجات مؤيدة للديمقراطية في الخرطوم في يونيو 2019، والتي لقي مصرعه فيها 128 شخصاً.

وعلى امتداد السنتين اللاحقتين، أغلقت شبكة فيسبوك مئات الحسابات التابعة لقوات الدعم السريع على منصتي فيسبوك وإنستجرام بسبب "سلوك زائف منسق".

كما أغلقت حسابات "تم إنشاؤها في روسيا" كانت تروّج لمضامين "وسائل إعلام تسيطر عليها الدولة الروسية" أو السلطات السودانية.

اتهامات بشأن العلاقات مع روسيا

في عامي 2019 و2021، أغلقت فيسبوك حسابات سودانية تدعم وسائل إعلام حكومية وروسية متصلة بـ"وكالة أبحاث الإنترنت" الروسية، وهي مجموعة اتهمتها الولايات المتحدة بالسعي للتأثير في انتخابات الرئاسة 2016.

وفي مارس 2022، أكد مسؤول أمني سوداني لـ"فرانس برس" أن "خبراء روس يشاركون في تأمين الاتصالات ومراقبة شبكات التواصل الاجتماعية لصالح مؤسسات مرتبطة بالدولة" في السودان.

وفي الشهر ذاته، قالت دول مجموعة "الترويكا" (بريطانيا والولايات المتحدة والنرويج)، إن مجموعة "فاجنر" الروسية التي يرأسها رجل الأعمال المرتبط بالكرملين يفجيني بريجوجين، "تنشر معلومات مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي" في السودان.

وتنفي الخرطوم وجود أي نشاط للمجموعة في السودان.

وعلى الرغم من تعدد الجهات في هذه الحملات، ترى أورسود بأنه في الإمكان "مواجهة أي حملة تضليل مهما بلغ تعقيدها".

وفي الظروف الراهنة، عمد السودانيون الى إغراق مواقع التواصل بالمعلومات حول تقديم الإغاثات والمساعدات لمن هم في أمس الحاجة إليها.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات