كيف حصل الغرب على أسرار إيران النووية من مسؤول أعدمته طهران؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
نائب وزير الدفاع الإيراني السابق علي أكبري خلال مقابلة صحافية في طهران في هذه الصورة غير المؤرخة التي نشرت في 12 يناير 2023 - REUTERS
نائب وزير الدفاع الإيراني السابق علي أكبري خلال مقابلة صحافية في طهران في هذه الصورة غير المؤرخة التي نشرت في 12 يناير 2023 - REUTERS
دبي-الشرق

قال مسؤولون استخباراتيون حاليون وسابقون لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إنَّ المسؤول الإيراني السابق، علي أكبري، الذي أعدمته إيران في يناير الماضي، بتهمة التجسس، كان بالفعل "جاسوساً لبريطانيا".

وبحسب تقرير نشرته الصحيفة، الاثنين، سافر مسؤول استخبارات بريطاني رفيع المستوى إلى تل أبيب في أبريل 2008، لإبلاغ نظرائه الإسرائيليين بمفاجأة مدوية، وهي أنَّ "بريطانيا لديها جاسوس في طهران يتمتع بإمكانية الوصول إلى الأسرار النووية والدفاعية للبلاد".

وأدَّى إعدام نائب وزير الدفاع السابق في إيران بتهمة التجسس في 11 يناير الماضي، إلى كشف سر كان مخفياً لمدة 15 عاماً، "فقد كان أكبري هو ذلك الجاسوس البريطاني" بحسب "نيويورك تايمز".

ووفقاً لمصادر الصحيفة، فإن أكبري قدَّم معلومات "استخباراتية قيّمة" على مدار سنوات، مضطلعاً بدور حاسم في "القضاء على أي شك لدى العواصم الغربية بأن إيران كانت تسعى للحصول على أسلحة نووية، إلى جانب إقناع العالم بفرض عقوبات ضد طهران".

"حياة مزدوجة"

وعاش أكبري "حياة مزدوجة لفترة طويلة"، وفقاً للصحيفة. فبالنسبة للجمهور، كان أكبري قائداً عسكرياً متعصباً في الحرس الثوري، كما شغل منصب نائب وزير الدفاع الإيراني، قبل أن ينتقل لاحقاً إلى لندن، ورغم ذلك لم يفقد ثقة قادة إيران.

لكن في عام 2004، "بدأ أكبري في مشاركة أسرار إيران النووية مع الاستخبارات البريطانية"، وفقاً للمسؤولين.

وقالت "نيويورك تايمز" إنه بدا أن أكبري "أفلت من العقاب حتى عام 2019، عندما اكتشفت إيران بمساعدة مسؤولي الاستخبارات الروسية، أن أكبري أفصح عن وجود برنامج سري للأسلحة النووية الإيرانية في عمق الجبال بالقرب من طهران"، بحسب مصدرين إيرانيين على صلة بالحرس الثوري الإيراني.

وبالإضافة إلى اتهام أكبري بالكشف عن أسرار إيران النووية والعسكرية، قالت طهران أيضاً إنه كشف عن هوية وأنشطة أكثر من 100 مسؤول، أبرزهم محسن فخري زاده، كبير العلماء النوويين الإيرانيين الذي اغتالته إسرائيل في عام 2020.

ولم تعترف بريطانيا علناً بأنَّ أكبري، الذي أصبح مواطناً بريطانياً في 2012، كان جاسوساً لها. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية، طلب عدم كشف هويته، إنَّ السياسة المتبعة منذ فترة طويلة هي عدم التعليق على "الأمور المتعلقة بالاستخبارات".

"جاسوس غير متوقع"

وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن أكبري (62 عاماً) كان "جاسوساً غير متوقع"، فقد عرف بولائه المتعصب لمُثل طهران، ودعمه الذي لا يتزعزع لقادتها، وفقاً لمقابلات مع شقيقه مهدي أكبري وأشخاص كانوا على معرفة به.

كما كانت لدى أكبري آراء سياسية متطرفة، تم التعبير عنها في كتابات نارية وخطب ومقابلات. ووفقاً لدبلوماسي إيراني كبير ومستشار للحكومة، نادى أكبري في الاجتماعات الرسمية بأنه يجب على إيران أن تحصل على سلاح نووي.

وقال مهدي شقيق أكبري: "كان أخي مراهقاً عندما أطاحت الثورة في عام 1979 بالنظام الملكي، وما تبع ذلك من الحرب مع العراق. وقد تم تجنيده مع شقيقنا الأكبر خلال تلك الفترة، وبحلول الوقت الذي غادر فيه الخطوط الأمامية بعد 6 سنوات تقريباً، كان قائداً في الحرس الثوري".

بالعودة إلى الحياة المدنية، ارتقى أكبري، الذي ولد في عائلة محافظة من الطبقة الوسطى في شيراز، في المراتب، ووصل إلى منصب نائب وزير الدفاع وشغل مناصب استشارية في المجلس الأعلى للأمن القومي والهيئات الحكومية الأخرى.

كما أقام علاقات وثيقة مع رجلين قويين هما العالم النووي فخري زاده، والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني.  

وفي عام 2004، وسط شكوك متزايدة في إسرائيل والغرب بأنَّ إيران كانت تسعى سراً إلى برنامج أسلحة نووية، كان أكبري مسؤولاً عن إقناع السفارات الرئيسية في طهران بأن الأمر لم يكن كذلك، وكان يجتمع بانتظام مع سفراء بريطانيا، والصين، وفرنسا، وألمانيا وروسيا.

قصة التجنيد والتجسس

وفي 8 مقاطع مصورة بثتها وسائل إعلام إيرانية بعد إعدامه، تحدَّث أكبري عن أنشطته التجسسية، وتجنيد بريطانيا له خلال مناسبة في السفارة البريطانية في طهران. لكن لاحقاً، وفي رسالة صوتية بثتها "بي بي سي الفارسية" تم الحصول عليها من عائلته، قال أكبري إن "الاعترافات انتُزعت بالإكراه".

ولا يزال الدافع وراء تصرفات أكبري غير واضح. وقال في الفيديو إنه كان مدفوعاً بـ"الجشع والسلطة"، على الرغم من نفيه أيضاً وجود مشاكل مالية.

وقالت إيران إنَّ "أكبري خان البلاد وقايض المال بأسرار الدولة". وتنفي أسرته أنه كان "جاسوساً"، وتقول إنَّ "العديد من التأكيدات الواردة في مقاطع الفيديو ملفقة من قبل الحكومة الإيرانية".

وفي أحد المقاطع، قال أكبري إنه "تم تجنيده في 2004، وقيل له إنه وعائلته سيحصلون على تأشيرات دخول إلى بريطانيا". وفي العام التالي، سافر إلى المملكة المتحدة، والتقى بشخص من جهاز الاستخبارات البريطاني "MI6"، على حد قوله.  

وقال أكبري في الاعترافات إنه أنشأ على مدار السنوات التالية، "شركات واجهة" في النمسا، وإسبانيا، وبريطانيا لتوفير غطاء للاجتماعات مع مشغليه.

وقالت إيران إن جهاز الاستخبارات البريطاني دفع لأكبري ما يقرب من مليوني جنيه إسترليني، وهو ما يعادل حالياً حوالي 2.4 مليون دولار.

كشف "فوردو"

وألقي القبض على أكبري في عام 2008، واحتجز لمدة 4 أشهر بتهمة التجسس لصالح بريطانيا، وفقاً لشقيقه واثنين من أصدقاء العائلة.

وقالوا إن الاستجوابات لم تسفر عن اعتراف، وشهد العديد من أصدقاء أكبري الأقوياء له. وأطلق سراحه بكفالة، على حد قول شقيقه، وأغلقت القضية وسمح له بالسفر بحرية.

وفي العام ذاته، تلقَّت بريطانيا معلومات استخباراتية بشأن "فوردو"، وتبادلتها مع إسرائيل ووكالات غربية.

ووصفت الصحيفة المعلومات عن "فوردو" آنذاك بأنها غيَّرت فهم الغرب لبرنامج إيران النووي وأعادت رسم خططه العسكرية والسيبرانية لمواجهة هذا البرنامج، بحسب 3 مسؤولين غربيين في الاستخبارات والأمن القومي.

وفي سبتمبر 2009، خلال قمة مجموعة السبع في بيتسبرج بالولايات المتحدة، كشف الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، إلى جانب قادة بريطانيا وفرنسا، أن "فوردو" كانت منشأة تخصيب نووي.

وكانت وكالات الاستخبارات الغربية تدرك منذ فترة طويلة من خلال صور الأقمار الاصطناعية أن إيران تبني منشأة في عمق الجبال بمنطقة فوردو. لكنها اعتقدت أنَّ الموقع كان منشأة تخزين عسكرية ولم تكن على علم بتحوله إلى موقع سري لتخصيب اليورانيوم.

التردد على لندن

وكان أكبري يسافر بانتظام إلى لندن. وفي عام 2010، أصيب بنوبة قلبية هناك، على حد قول شقيقه، وظل هناك. وسريعاً ما انضمت إليه زوجته وابنتاه، وحصل في النهاية على الجنسية البريطانية، وعاش من دخل محفظة استثمارية، وتردد على طهران للحفاظ على اتصالات مع كبار المسؤولين.  

وفي أحد مقاطع الفيديو، قال أكبري إنه "زيّف إصابته بالنوبة القلبية من أجل البقاء في بريطانيا". ومع ذلك، سافر ذهاباً وإياباً من لندن إلى طهران 3 مرات على الأقل من 2010 إلى 2019، وأقام في منزل العائلة الذي احتفظ به في طهران، على حد قول شقيقه.  

وفي عام 2019، توجه أكبري إلى إيران للمرة الأخيرة بعد أن أخبره شمخاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، أنَّ البلاد بحاجة إليه في مسألة نووية ودفاعية عاجلة، حسبما قال شقيقه.

وبعد أيام قليلة من عودته إلى طهران، تم استدعاؤه إلى وزارة الاستخبارات. وقال شقيقه إنه شعر بالقلق واتصل بشمخاني الذي أخبره أنَّ "السلطات سمعت أنه على اتصال بجهاز (MI6) وحثه على التعاون لإثبات براءته. وبعد عدة استجوابات، ألقي القبض عليه".

وفي عام 2020، بعد عام من اعتقال أكبري، قامت إسرائيل بتصفية العالم النووي فخري زاده، بروبوت يتم التحكم فيه عن بعد بينما كان يقود سيارته إلى منزله في عطلة نهاية الأسبوع في قرية جبلية بالقرب من طهران.

واحتجزت الاستخبارات الإيرانية، أكبري في الحبس الانفرادي لعدة أشهر في معتقل تحت الأرض ثم في سجن "إيفين" سيئ السمعة في طهران، على حد قول شقيقه. 

وطلب من الأسرة إبقاء الاعتقال طي الكتمان. وقال مسؤولون إيرانيون لوسائل إعلام رسمية بعد إعدامه، إنهم جعلوه يسجل الدخول بانتظام إلى جهاز كمبيوتر يوفره البريطانيون له ليتواصل مع الأجهزة البريطانية وتضليلها.

إعدام أكبري

في يناير الماضي، بعد حوالى 3 سنوات من اعتقال أكبري، بينما كانت إيران تعاني من أشهر من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وجولة جديدة من العقوبات الدولية، أعلنت السلطات الإيرانية أن أكبري "جاسوس".

وقالت الصحيفة إن إعدام كبار المسؤولين نادر للغاية في إيران. وكانت آخر مرة أعدم فيها مسؤول كبير هي في عام 1982.

ودفن أكبري في مقبرة واسعة في ضواحي طهران دون علم أو حضور أقاربه، وفقاً للصحيفة. وقالت عائلته إن السلطات أطلعتهم فقط على شريط فيديو يُظهر مرحلة ما قبل الدفن.

وأدانت بريطانيا طهران لإعدامها أكبري، واستدعت لفترة وجيزة سفيرها وفرضت عقوبات جديدة على إيران.

اقرأ أيضاً: 

تصنيفات