أثارت إدانة هيئة محلفين للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالاعتداء الجنسي على الكاتبة إي جين كارول جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية الأميركية، وسط تباينات في الآراء بشأن مدى تأثير ذلك على فرص ترمب السياسية وإمكانية فوزه بالانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2024.
وأقرت هيئة محلفين مؤلفة من 9 قضاة بإحدى محاكم مانهاتن الاتحادية، الثلاثاء، بأن ترمب اعتدى جنسياً على الكاتبة كارول في فترة التسعينيات، وشهّر بها، كما ألزمته بدفع 5 ملايين دولار تعويضاً عن الأضرار التي لحقت بها.
وتوقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ويبستر" ويليام هال ألا تتأثر فرصه خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، لكنه قال: "ربما ستضعف فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية العامة".
وذكر هال لـ"الشرق" أن "إدانة الرئيس السابق بالاعتداء الجنسي ستؤذيه حتماً في الانتخابات العامة للرئاسة، ولن يستطع تولي منصب الرئيس مرة أخرى".
وأيّد هال وجهة نظر تقول إن "القادة الجمهوريين يحاولون قدر الإمكان الحفاظ على قاعدة ترمب واستقطابها، وهو ما يمنعهم من مهاجمته بشكل واضح".
وأضاف: "هناك أقلية متحفظة على ما يفعله ترمب، لكن الغالبية غير مهتمة"، إذ أن "الناخبين الرئيسيين سيدعمونه بغض النظر عن كونه مداناً أم لا، فاهتمامهم ينصب أكثر على الاقتصاد ولا يعنيهم كونه مداناً باعتداء جنسي أو غير ذلك".
درع ترمب
واتفق أستاذ العلوم السياسية ودراسات الاتصال في جامعة "ميشيجن" مايكل تراوجوت مع هال في أن "مواصلة استخفاف ترمب بكارول حتى بعد إدانته في المحكمة لن يؤذيه ويؤثر عليه بين مؤيديه في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين".
وأعرب تراوجوت في حديث لـ"الشرق" عن اعتقاده أيضاً أن "الأمر لن يستمر على تلك الوتيرة، وبالتأكيد سينخفض الدعم له في الانتخابات العامة، خاصة بين النساء".
وقال إن "هناك بعض من مكامن الخلل التي بدأت تظهر في درع ترمب الحزبي"، مشيراً إلى أن "أي لوائح اتهام أو إدانات إضافية لترمب ستزيد من عدد القادة الجمهوريين والناخبين الذين يتحفظون وينتقدون ترشحه للانتخابات".
وأردف: "ربما تكون الإدانة مجرد شيء واحد يؤثر بشكل طفيف على دعم القاعدة الجمهورية له، لكن ظهور مرشحين بدلاء وأقوياء سيكون أكثر أهمية".
ورغم اتفاق تراجوت مع آخرين في الرأي، إلا أنه توقع أن تؤثر إدانة ترمب في القضية المتعلقة بالوثائق السرية، التي عثر عليها بمقر إقامته في منتجع مارالاجو في فلوريدا، على "أهليته للترشح".
وينتمي أستاذ السياسة والشؤون العامة في جامعة "برينستون" تشارلز كاميرون إلى الفريق الذي يتوقع ألا تؤثر نتيجة المحاكمة على مؤيدي ترمب المتشددين داخل الحزب الجمهوري"، وقال: "هم حقاً يحبون الرجل".
وأوضح كاميرون لـ"الشرق" أن "الربح والخسارة في الانتخابات الرئاسية يعتمد على الناخبين الذين يقبعون في منطقة الوسط، وليس على المتعصبين في أي اتجاه".
الناخب المعتدل
ورغم أن الرئيس السابق يواجه عدة ملاحقات مدنية وجنائية أخرى، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة "أوهايو" بول بيك إن إدانته بالاعتداء الجنسي هو "أول حكم يورطه بشكل مباشر، ورغم كونه حكماً مدنياً وليس جنائياً، سيكون له بعض التأثير السلبي على فرصه في الانتخابات".
ومع ذلك يستبعد بيك في حديث لـ"الشرق" أن يكون هناك تأثير على قاعدة ترمب، مؤكداً أنه "حتى الآن لم تؤثر أي من الاتهامات أو لوائح الاتهام أو الأحكام على دعم ترمب، باستثناء إقناع مؤيديه بزيادة التبرع المالي لقضاياه".
وقال إنه لم ير أنصار ترمب ينقلبون عليه حتى الآن، معتقداً أن "رد الفعل المتحفظ للسياسيين والقادة الجمهوريين بعد قرار الإدانة يرجع إلى خوفهم من تنفير قاعدة ترمب التي يحاولون استقطابها لدعمهم في الانتخابات".
وتابع: "لا يريدون فقد التأييد بين الناخبين الجمهوريين الذي يميلون ناحية ترمب، ولا يريدون إثارة عداوات معهم".
ولا يخفي الباحث السياسي ومستطلع الآراء الديمقراطي زاك مكيري تأثير الرئيس السابق ومكانته في الحزب الجمهوري وبين قاعدته، معتقداً أن تلك الإدانة "لا تضر بترمب بين الجمهوريين لكنها تزيد من نفور الناخبين المعتدلين والمتأرجحين، الذين يرون في ذلك دليلاً إضافياً على ضرورة الانتقال من ترمب إلى مرشح آخر".
وأضاف مكيري لـ"الشرق" أن "تلك الإدانة لا تضر ترمب بين الجمهوريين لكنها تجعل من الصعب عليه الفوز في الانتخابات وأن يصبح رئيساً مرة أخرى".
ويرى مكيري أن "الجمهوريين الذين كانوا بالفعل مع ترمب سيقفون إلى جانبه، وأولئك الذين كانوا ضده سيصبحون أكثر عداءً له وفي الغالب، سيعزز هذا دعم ترمب بين أولئك الذين يدعمونه بالفعل".
وتابع: "يعتقد هؤلاء الناخبون أن ترمب مستهدف بشكل غير عادل، لذا فهم ينظرون إلى هذه الإدانة كدليل إضافي على استهداف ترمب لأسباب سياسية".
من الدعم إلى الصمت
على النقيض من الدعم شبه الموحد الذي حصل عليه ترمب بعد توجيه لائحة اتهام له شملت 34 تهمة الشهر الماضي، تباينت ردود فعل الجمهوريين بعد إدانته مدنياً، الثلاثاء، في قضية الاعتداء الجنسي على الكاتبة إي. جين كارول.
وكانت كارول قد رفعت دعوى قضائية بمحكمة اتحادية في مانهاتن العام الماضي، زاعمةً أن ترمب اغتصبها في غرفة تبديل الملابس في متجر "بيرجدورف جودمان" في منتصف التسعينيات.
وأعلنت كارول لأول مرة عن ذلك الإدعاء في عام 2019 في كتابها "What Do We Need Men For" الذي وصفه ترمب بأنه "خيال قامت بتلفيقه لتعزيز مبيعات الكتب"، وقال إنها "ليست من نوعي المفضل".
وفور الإعلان عن قرار هيئة المحلفين بتحميل ترمب مسؤولية الاعتداء الجنسي على كارول، التزم الكثير من الجمهوريين الصمت، وقال نائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس لشبكة "NBC NEWS"، رداً على سؤال بشأن فرص ترمب خلال انتخابات 2024 بعد تلك الإدانة: "أعتقد أن هذا سؤال للشعب الأميركي".
ولفتت الشبكة إلى وجود شكوك بين بعض أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ من أن تلك الإدانة قد تشكل "تحدياً كبيراً" للرئيس السابق في سعيه لخوض الانتخابات الرئاسية العام المقبل، في حين تحفظ البعض منهم على تأييده.
اتهامات جنائية
وجاءت إدانة ترمب بالاعتداء الجنسي على الكاتبة الأميركية في سياق محاكمة مدنية وليست جنائية، لكن الرئيس السابق يواجه عدداً إضافياً من الملاحقات الجنائية، لاتهامه بالتورط في دفع مبالغ مالية لشراء صمت ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز قبل انتخابات 2016، كما تضم لائحة الاتهام، التي أصدرتها هيئة محلفين كبرى في نيويورك ضده في نهاية مارس الماضي، نحو 34 تهمة جنائية.
ولا يخفي أستاذ السياسة والشؤون العامة كاميرون أن "القانون الأميركي لا يجد غضاضة في ترشح ترمب للرئاسة، حتى لو أدين جنائياً ودخل السجن أيضاً، فلا يزال بإمكانه الترشح تقنياً والفوز أيضاً"، وقال: "ربما يكون ذلك جنون، لكن هذا هو القانون الأميركي".
واتفق أستاذ العلوم السياسية هال مع كاميرون في أن "توجيه الاتهام أو حتى إدانته مدنياً أو جنائياً لن يمنع ترمب من أن يصبح رئيساً، إذ لم يذكر الدستور ما يمنع الشخص من أن يصبح رئيساً إذا تم توجيه اتهام إليه".
وأشار هال إلى أن "الدستور والقانون تطرق فقط إلى عزل الرئيس من منصبه في حال إدانته، فإذا أدين أي رئيس خلال فترة توليه المنصب هنا فقط يتم عزله، لكن أي شخص آخر حتى لو أدين جنائياً، بإمكانه الترشح في الانتخابات والفوز بها أيضاً".