تعكس عمليات التسليم الأخيرة للدبابات الغربية والصواريخ بعيدة المدى لكييف، الطريقة التي يتكيّف من خلالها الغرب مع احتياجات أوكرانيا وتطوّرات ساحة المعركة منذ بدء الغزو الروسي في فبراير 2022.
واستفاد الأوكرانيون بسرعة من شحنات الأسلحة القادمة من الغرب. بين فبراير ومارس، تلقّوا أكثر من 40 ألف سلاح خفيف، و17 ألف منصّة دفاع محمولة وأنظمة دفاع أرض-جو محمولة، بالإضافة إلى معدّات (25 ألف خوذة، 30 ألف سترة واقية من الرصاص)، وفقاً لبيانات معهد "كييل" الذي يعدّد الأسلحة الموعودة والمسلّمة إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب.
وفي الحالات الطارئة، يسهل تسليم هذه الأسلحة والمعدّات الخفيفة، ونقلها يدوياً عبر ساحة المعركة.
وفي مواجهة مقاومة شرسة في كييف وخاركوف ثاني أكبر مدينة في البلاد، انسحب الجيش الروسي في نهاية مارس 2022 لتركيز جهوده على أراضي دونباس والجنوب.
تسليح مكثف
وفي أبريل، بدأ تسليم أوكرانيا سلاح المدفعية (مدافع هاوتزر وقاذفات صواريخ وما إلى ذلك)، القادر على قصف "ما وراء خطوط العدو" للوصول إلى مخزون الذخيرة وعرقلة السلاسل اللوجستية الروسية.
وحتى الخريف، ستكون كييف قد تسلّمت 321 مدفع هاوتزر بما في ذلك 18 مدفعاً فرنسياً من طراز "قيصر"، و120 مركبة مشاة، و49 قاذفة صواريخ متعددة، و24 طائرة هليكوبتر قتالية، وأكثر من ألف طائرة بدون طيار أميركية، بالإضافة إلى 280 دبابة سوفياتية الصنع أرسلتها بشكل أساسي بولندا، وقد اعتاد الجيش الأوكراني استخدامها.
ورغم الانتكاسة التي واجهتها، شنّت روسيا سلسلة ضربات جوية (صواريخ وطائرات بدون طيار انتحارية) على البنى التحتية للطاقة والمراكز الحضرية وما وراء الجبهة.
في المقابل، سلّمت الدول الغربية، على رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أنظمة دفاع مضادة للصواريخ لأوكرانيا لمساعدتها على التعامل مع هذه التطورات.
وانتهى الأمر بموافقة واشنطن على تسليم كييف نظام صواريخ باتريوت "أرض-جو" الشهير.
وبدأت حرب الخنادق في الشرق منذ نهاية عام 2022، بينما كانت أوكرانيا تخشى هجوماً روسياً كبيراً مع انضمام المجنّدين إلى الجيش. في هذا السياق، حصلت كييف على دبابات غربية ثقيلة وحديثة كانت تطالب بها منذ فترة طويلة، في سبيل أخذ زمام المبادرة والخروج من حرب الاستنزاف.
ووعدت عدد من الدول في نهاية يناير بتسليم هذه الأسلحة. وأعلنت واشنطن تسليم دبابات أبرامز (غير متوفرة قبل خريف سنة 2023)، بينما وعدت لندن بدبابات "تشالنجر 2"، وبرلين بـ"ليوبارد 2"، المعروفة بأنّها من الأفضل في العالم. وسمح الضوء الأخضر الألماني لدول أخرى بتسليم "ليوبارد 2".
صواريخ بعيدة المدى
وحتى ذلك الوقت، لم يكن لدى كييف سوى دبابات سوفياتية الصنع أقلّ كفاءة من الناحية التكنولوجية، والتي كانت قد فقدت الكثير منها.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرج، في نهاية أبريل، إنّ "الأوكرانيين لديهم القدرات التي يحتاجون إليها لاستعادة المزيد من الأراضي"، مشيراً إلى تسليم 230 دبابة غربية.
كذلك، قدّمت الولايات المتحدة صواريخ "GLSDB" بعيدة المدى التي يصل مداها إلى 150 كيلومتراً، وفقاً لتأكيدات روسية لم تنكرها كييف.
وأعلنت المملكة المتحدة في 11 مايو عن تسليم صواريخ "ستورم شادو"، التي يمكن أن يصل مداها إلى 250 كيلومتراً. وتعتبر أوكرانيا هذه الذخيرة ضرورية لتنفيذ هجومها المضاد وتهديد المواقع الروسية بعيداً عن الخطوط الأمامية.
ومع تبلور هذا الهجوم المضاد، يقوم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتوسيع ترسانته، خلال جولة أوروبية يقوم بها. ووعدته لندن، التي زارها الاثنين، بمئات صواريخ المضادات الجوية وطائرات بدون طيار هجومية، كما وعدته باريس بعربات مدرّعة ودبابات خفيفة. وتعهّدت برلين بخطة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 2.7 مليار يورو (2.94 مليار دولار).
الطائرات
ومع ذلك، لم تتحرّك أيّ دولة لتسليم طائرات مقاتلة حديثة، طلبتها كييف بإلحاح للدفاع عن سماء أوكرانيا، لكن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أعلن، الاثنين، أنه "فتح الباب أمام تدريب طيارين" أوكرانيين "من الآن"، وذلك غداة لقائه نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في باريس.
وقال ماكرون خلال مقابلة عبر قناة "تي إف 1": "وهذا (الأمر) مع دول أوروبية عدة باتت مستعدة. اعتقد أن هناك مباحثات قائمة مع الاميركيين"، معتبراً في المقابل أن التطرق إلى احتمال تسليم كييف مقاتلات مستقبلاً "سيكون نقاشاً نظرياً".
وأضاف: "نحتاج اليوم إلى البدء بالتدريب. إنه اتفاق بين دول أوروبية عدة"، من دون أن يذكر تفاصيل اخرى عن موضوع التدريب. وتابع: "ليس هناك محرمات".
وسبق أن رفضت باريس إمكان تزويد كييف طائرات مقاتلة، موضحة خصوصاً أن تدريب الطيارين يتطلب أشهراً طويلة، لكن البدء بهذا التدريب قد يمهد في نهاية المطاف لتسليم مقاتلات.
ولم يشأ ماكرون أن يخوض في تفاصيل الوعود الجديدة، التي أطلقها امام نظيره الأوكراني على صعيد الأسلحة، مكتفياً بالقول: "قررنا تسليم ذخائر جديدة".
كذلك، تناول تدريب القوات الأوكرانية "التي ستتولى شن الهجوم المضاد والصمود"، خصوصاً بهدف "إصلاح الآليات والمدافع". وتابع: "هذا ما تحتاج إليه أوكرانيا أيضاً".
واعتبر ماكرون أن "استراتيجية فرنسا بسيطة: مساعدة أوكرانيا في الصمود وتنظيم هجوم مضاد، في الوقت الذي تختاره، للتمكن من إعادة الجميع إلى طاولة المفاوضات وضمن شروط تختارها هي، وبناء سلام دائم بالنسبة لها".