تركيا.. المعارضة ترى في نتائج الانتخابات نافذة لفرص قادمة

time reading iconدقائق القراءة - 9
كمال كيليجدار أوغلو مرشح تحالف "الأمة" لانتخابات الرئاسة التركية خلال اجتماع مع قادة المعارضة في أنقرة- 17 مايو 2023 - via REUTERS
كمال كيليجدار أوغلو مرشح تحالف "الأمة" لانتخابات الرئاسة التركية خلال اجتماع مع قادة المعارضة في أنقرة- 17 مايو 2023 - via REUTERS
إسطنبول-محمد دراغمة

لا تخفي المعارضة في تركيا حزنها على خسارة الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس رجب طيب أردوغان، لكنها ترى في التقدم الذي حققته فيها نافذة لفرص سياسية قادمة. 

وقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أحد قادة حزب الشعب الجمهوري الذي يرأسه مرشح الرئاسة الخاسر كمال كيليجدار أوغلو في كلمة أمام أنصار الحزب، مساء الاثنين، إن تصويت أكثر من 25 مليون ناخب لصالح مرشح المعارضة "يعكس قوة الرغبة في التغيير بهذه البلاد".

ودعا أكرم إمام أوغلو أنصار المعارضة إلى الاستعداد للانتخابات البلدية في مارس المقبل، مذكراً بالنجاح الذي حققته في الانتخابات البلدية التي أعقبت خسارة انتخابات الرئاسة عام 2018، وفوزها في المدن الرئيسية، وخصوصاً العاصمتين السياسية والاقتصادية أنقره وإسطنبول. 

وعقد أعضاء "الطاولة السياسية"، وهي تحالف ضم 6 أحزاب تركية معارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري، الذي يحمل بصمات وفكر مؤسسه ومؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، اجتماعاً لتقييم نتائج الانتخابات واقترح خلاله عدد من قادتها على كيليجدار أوغلو الاستقالة من منصبه، لفتح الطريق أمام قادة أكثر قدرة على القيادة، لكنه رد بأن هذا من السابق لأوانه. 

وتنوعت أحزاب المعارضة هذه بين اليسار واليمين والقومي والإسلامي، وضمت 3 أحزاب خرجت من عباءة حزب العدالة والتنمية وهي حزب "المستقبل" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، وحزب "الديمقراطية والتقدم" بقيادة وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان، وحزب "السعادة" المنبثق عن حزب الرفاه الذي أسسه الأب الروحي والفكري للإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان.

وانضم حزب "الشعوب الديمقراطي الكردي" الذي خاض الانتخابات تحت اسم جديد هو اليسار الأخضر، إلى أحزاب الطاولة السداسية من الخارج، داعياً ناخبيه الأكراد إلى دعم كيليجدار أوغلو.

ويعد الأكراد مكوناً أساسياً من المكونات السياسية في تركيا ويشكلون بين 15 و20 %من السكان، وقد حصل حزب "اليسار الأخضر" على 61 مقعداً في البرلمان.

برنامج المعارضة

واستعان مرشح المعارضة كيليجدار أوغلو في هذه الانتخابات برزمة من المشاكل المتفاقمة في تركيا في مقدمتها الأزمة الاقتصادية، وتداعيات الزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير الماضي، وسقط فيه، بحسب الاحصاءات الرسمية، أكثر من 50 ألف مواطن، ودمرت فيه مدن وقرى في 11 ولاية في الجنوب.

وقدم أوغلو برنامجاً ركز فيه في الجولة الأولى، على الأزمة الاقتصادية، فيما دأب على مخاطبة الجمهور عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، من مطبخ بيته المتواضع، متحدثاً عن سلة مشتريات العائلة، والأسعار المرتفعة للسلع، والدخول المنخفضة للمواطنين، مطلقاً الوعود باتباع سياسات اقتصادية مختلفة تؤدي إلى وقف التضخم، الذي وصل العام الماضي إلى 85%، ويبلغ اليوم أكثر من 40%.

وتركزت أيضاً على إعادة نظام الحكم البرلماني، والتراجع عن النظام الرئاسي، ووقف ما أسماه بـ"استبداد" السلطة التنفيذية وسيطرتها على باقي السلطات وبخاصة القضائية، ووقف سيطرة الحزب الحاكم على أكثر من 90% من وسائل الإعلام. 

ووجه الكثير من النقد في حملته لما أسماه بـ "فساد الحاكم"، متهماً أردوغان بالاستفادة هو وعائلته من وجوده في الحكم وتكوين ثروات شخصية، كما اتهمه بإنشاء نخبة اقتصادية جديدة تهيمن على قطاع الأعمال المرتبط بمشاريع الدولة، مشيراً إلى أن هذه الشريحة احدى المكونات الأساسية لحزب العدالة والتنمية حالياً.

حرب على اللاجئين

وفي الجولة الثانية من حملته الانتخابية، أعلن أوغلو حرباً على اللاجئين، محاولاً بذلك جذب دعم التيارات القومية المتصاعدة المعادية للاجئين والتي حصلت على حوالي ربع أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية.

وانقلبت لغته من التعهد بتحسين الاقتصاد وتعزيز الديمقراطية والحريات إلى لغة حادة تجاه اللاجئين، خصوصاً السوريين.

حملة أردوغان

أما حملة أردوغان الانتخابية، فقد اتخذت مساراً مضاداً، حيث تمحورت حول قوة صناعات تركيا الدفاعية والعسكرية، وانجازاتها التكنولوجية في عهده.

وعرضت الحكومة في سياق حملة أردوغان عدداً من المنتجات الصناعية والدفاعية، منها حاملة الطائرات المسيرة التي جابت شواطئ البلاد، وسمح للمواطنين بالدخول إليها، والتقاط الصور فيها مع الطائرات المسيرة الشهيرة "بيرقدار" التي أثبتت الحروب في الدول المجاورة مثل أذربيجان وأوكرانيا كفاءتها القتالية العالية.

وافتتح أردوغان أثناء حملته مشاريع استراتيجية، منها الكشف عن حقول للغاز والنفط في البحر الأسود، كما قرر عقب الاعلان عن اكتشاف حقل الغاز، تقديم الغاز المنزلي مجاناً لعموم المواطنين في تركيا لمدة عام، ما اعتبرته المعارضة "رشوة انتخابية" للناخبين.

واتبع أردوغان خلال حملته سياسة هدفت فيما يقول مراقبون إلى "سحب البساط من تحت أقدام المعارضة"، فعمل على رفع رواتب الموظفين، وعرض خطة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. 

وركزت حملته على قدرته على معالجة آثار الزلزال من خلال إعادة البناء والإسكان ضمن برنامج زمني محدد وسريع، ونقل النقاش من المسؤولية عن التقصير إلى من هو قادر على التعمير.

وأبرز أردوغان في حملته "قوة ومكانة تركيا في الساحة الدولية إلى جانب الأقطاب الدولية الكبرى، وعدم تبعيتها للغرب"، متهماً خصومه بأنهم "يعملون على إعادة تركيا إلى مكانة الدولة التابعة للولايات المتحدة وأوروبا".

"سحر شخصي"

ويعترف أنصار وخصوم أردوغان بأنه يمتلك شخصية جذابة للكثيرين في تركيا، خاصة الفئات المتدينة والمحافظة وبعض أصحاب الاتجاهات القومية.

وأنعشت خطابات أردوغان، التي تمحورت حول قوة تركيا ومكانتها، المشاعر القومية للكثيرين في تركيا.

وقال الكاتب سعيد الحاج: "الشعب التركي يعتبر نفسه وريث إمبراطورية كبرى، وهو يحب القادة والرموز الوطنية والقومية، وأردوغان كرس نفسه زعيماً وطنياً تاريخياً في هذه البلاد".

ويواجه أردوغان تحديات كبيرة في فترة حكمه للسنوات الخمس المقبلة في مقدمتها وقف التضخم المالي وإنعاش الاقتصاد وإعادة إعمار ما دمره الزلزال وتحسين العلاقات مع الدول العربية، خصوصاً مصر وسوريا والخليج.

ولا تخفي المعارضة مخاوفها من قيام أردوغان بتضييق الخناق على الحريات في المرحلة المقبلة، إذ يتوقع العديد من المراقبين تراجع وحدة المعارضة في المرحلة المقبلة بعد فشلها في الوصول إلى الرئاسة، خاصة بسبب تباينها السياسي والفكري.

وقال الكاتب محمد زاهد غول: "المتوقع أن تتراجع الوحدة بين قوى المعارضة، وأن يواصل الرئيس أردوغان نهجه القديم المعروف".

المعارضة "تستخلص العبر"

وعقب ظهور النتائج التي بينت فوز أردوغان، بدأت أقطاب المعارضة في استخلاص العبر، والإعداد للبناء على ما حققه مرشحهم من تقدم في هذه المعركة الانتخابية الطويلة والمضنية، إذ تعهد كيليجدار أوغلو بمواصلة معركة الديمقراطية في تركيا، داعياً ناخبية إلى "البقاء واقفين على أقدامهم لمواصلة المسيرة".

وفاز أردوغان في انتخابات وصفت بأنها "الأصعب" في مسيرته السياسية، وحققت المعارضة تقدماً يجعل من الصعب على الرئيس تجاوزها في سياساته القادمة، حال حافظت على وحدتها.

ووصفت هذه الانتخابات بأنها "الأصعب" بالنسبة لأردوغان، نظراً لحجم التحديات التي واجهها والتي حالت دون فوزه من الجولة الأولى. 

نتائج الجولة الثانية

وبينت النتائج النهائية للجولة الثانية من الانتخابات تفوق أردوغان على كيليجدار أوغلو بأكثر من 4% من أصوات الناخبين، حيث حصل على 52.16 %، فيما حصل منافسه على 47.84 %.

وفاز حزب "العدالة والتنمية" بزعامة أردوغان بـ 35.6% من مقاعد البرلمان (268 مقعداً)، متراجعاً بسبع نقاط عن الانتخابات السابقة في العام 2018 والتي حصل فيها على 42.6 % (295 مقعداً).

وحصل منافسه الرئيسي حزب "الشعب الجمهوري" على 25.3% من المقاعد (169 مقعداً)، متقدماً عن النسبة التي حصل عليها في الانتخابات السابقة (22.6% بـ 146 مقعداً).

ويبلغ عدد أعضاء البرلمان التركي 600 عضو، وتوزعت باقي المقاعد على عدد من الأحزاب والتجمعات أخرى.

انتخابات بلدية قادمة

وتستعد تركيا لانتخابات حزبية وبلدية مطلع العام المقبل والتي يتوقع أن يصعد فيها قادة جدد في الأحزاب، خاصة المعارضة، ورؤساء بلديات يشكلون تحدياً لـ "العدالة والتنمية" ومرشحيه، خاصة في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة التي خسرها الحزب في الانتخابات السابقة.

وتعهد رئيس بلدية إسطنبول بتمكن الجيل الجديد من قادة المعارضة من النجاح في الانتخابات القادمة.

وأظهرت نتائج الانتخابات تفوق مرشح المعارضة كيليجدار أوغلو على أردوغان في المدن الكبرى الرئيسية مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير وأضنه، لكن أردوغان تقدم على منافسه في قلب الأناضول وفي الولايات الجنوبية.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات