تفحص تحقيقات ألمانية أدلة تشير إلى استخدام بولندا كـ"قاعدة عمليات" لتفجير خطي أنابيب "نورد ستريم"، سبتمبر الماضي، بواسطة يخت استأجرته وكالة سفر يبدو أنها على صلة بالاستخبارات الأوكرانية، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
وأوضحت الصحيفة الأميركية إنه "بينما يبدو أن النتائج الأخيرة عززت وجهة نظر المحققين بأن الأوكرانيين هم من دبروا المخطط، فإنهم يدرسون أيضاً ما إذا كانت الأراضي البولندية قد استُخدمت للهجوم".
وقالت المتحدثة باسم الادعاء في ألمانيا إن التحقيق "يعمل على الحصول على أدلة كافية لإصدار مذكرات اعتقال دولية"، فيما قال سياسي ألماني مطلع على التحقيق: "الدول الديمقراطية لا تستطيع التستر على أي شيء، وستظهر النتائج الكاملة للتحقيق والحقيقة حول ما حدث في نهاية المطاف. محققونا دقيقون، وعلينا أن ندعهم يقومون بعملهم".
ومن بين أحدث النتائج التي توصل إليها التحقيق الألماني أن اليخت المحمل بمتفجرات من الدرجة العسكرية، أبحر جنوباً إلى المياه البولندية من جزيرة كريستيانسو في الدنمارك.
وعثرت السلطات الألمانية، التي فتشت اليخت، في يناير، على آثار لمادة HMX المتفجرة، إذ تقول الصحيفة إن الكمية الصغيرة نسبياً المطلوبة لتفجير خطوط الأنابيب كانت ستتناسب بسهولة مع يخت "أندروميدا".
ويدرس التحقيق، الذي يجريه مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية في ألمانيا، سبب وصول يخت إلى المياه البولندية، يعتقد أنه استخدم لتنفيذ العملية، إذ تشير النتائج إلى أن بولندا كانت مركزاً للخدمات اللوجستية والتمويل للهجوم التخريبي الذي قطع أقوى خط ربط لنقل الغاز من موسكو إلى برلين.
وأضافت الصحيفة أن المحققين الألمان وضعوا تصوراً كاملاً لرحلة استغرقت أسبوعين ليخت "أندروميدا" من طراز "بافاريا 50 كروزر" Bavaria 50 Cruiser، يبلغ طوله 15 متراً ولونه أبيض، وانحرف عن وجهته لدخول المياه البولندية.
وذكرت الصحيفة أن النتائج، التي لم يتم الإبلاغ عنها سابقاً، استندت إلى بيانات أجهزة الإرسال والملاحة في اليخت، وهواتف الأقمار الاصطناعية والهواتف المحمولة، وحسابات Gmail يستخدمها المشتبه بهم، وعينات حمض نووي DNA كانت على اليخت حاولت ألمانيا مطابقتها مع جندي أوكراني.
وتُظهر التفاصيل مجتمعة أن اليخت أبحر حول كل موقع من المواقع التي وقعت فيها الانفجارات في وقت لاحق، وهو دليل عزز اعتقاد المحققين بأن "أندروميدا" كان له دور فعال في تفجير خطي الأنابيب العام الماضي.
تورط أوكراني
الصحيفة أوضحت أن المحققين الألمان يبحثون أيضاً في سبب استئجار اليخت بمساعدة وكالة سفر مقرها العاصمة البولندية وارسو، إذ يبدو أنها جزء من شبكة شركات وهمية مملوكة لأوكرانيا ويشتبه في صلتها بالاستخبارات الأوكرانية.
ووجد التحقيق أن شاحنة بيضاء، شوهدت في ميناء ألماني من قبل كاميرات أمنية وشهود عيان، كانت تحمل لوحات ترخيص بولندية واستخدمت لتوصيل طاقم اليخت، وفقاً لأشخاص مطلعين على التحقيق.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست"، ذكرت الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة "علمت بخطة أوكرانية لمهاجمة خطوط الأنابيب قبل ثلاثة أشهر من وقوع الانفجارات".
ووقعت الانفجارات في المنطقتين الاقتصاديتين للسويد والدنمارك، إذ يقول البلدان إن التفجيرات كانت "متعمدة"، لكن لم يحددا المسؤولين عنها بعد، فيما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأربعاء، إن أوكرانيا "لم تهاجم خطوط أنابيب نورد ستريم".
آلية التحقيق
وللتحقيق في القضية دون مساعدة فورية من بولندا أو أوكرانيا، اضطر المحققون الألمان إلى الاعتماد على الاتصالات الإلكترونية المستردة وتقارير الاستخبارات الغربية.
ولعبت الصدفة دوراً في بعض الأمور، إذ أعاد المستأجرون القارب دون غسله، ما سمح للمحققين باستعادة آثار المتفجرات والحمض النووي وبصمات الأصابع.
ويفحص المحققون ما إذا كان بعض هذا الحمض النووي على الأقل يخص جندياً أوكرانياً حددوه، بناءً على فرضية مفادها أن بعض الجناة على الأقل مرتبطون بوحدات القوات المسلحة الأوكرانية.
والشهر الماضي، أخذ المحققون الألمان عينة من الحمض النووي من ابن الجندي، الذي يعيش مع صديقة الجندي السابقة كلاجئيْن في مدينة فرانكفورت آن دير أودر، شرق ألمانيا، ويأملون في تحديد ما إذا كان والد الفتى جزءاً من الطاقم.
وفتش المحققون شقة المرأة للحصول على أدلة بما في ذلك بيانات الهاتف المحمول، ما ساعد ألمانيا على توسيع تحقيقها عبر الحدود.
وسهل تواصل المشتبه بهم باستخدام حسابات "Gmail" العادية على المحققين الحصول على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم من خلال إجراءات قانونية.
"وضع غير معتاد"
وقال مسؤولون من ألمانيا وبولندا إن الحكومة البولندية ظلت من دون علم بالتحقيق في تحركات يخت "أندروميدا" وطاقمه، واكتشفت ذلك من تقارير وسائل الإعلام، وهو وضع "غير معتاد"، بالنسبة لعضوين في الاتحاد الأوروبي، يتشاركان الأدوات القانونية لإجراء تحقيقات عبر الحدود.
وبعد انتشار الأخبار حول اليخت، طلبت السلطات البولندية من ألمانيا تقديم مزيد من المعلومات. وفي منتصف مايو الماضي، وبعد 5 أشهر من تحديد برلين لـ"أندروميدا"، عقد الجانبان ما وصفه مسؤول في وزارة العدل البولندية بأنه "اجتماع عمل".
وقالت الصحيفة إن المحققين عثروا على اليخت لأول مرة بعد معلومات من جهاز استخبارات غربي، لم يتم تحديده، في أكتوبر. وجاءت المعلومات من شخص في أوكرانيا يجمع معلومات استخباراتية لدولة أوروبية صغيرة.
ورفضت متحدثة باسم المدعي العام الاتحادي الألماني، الذي يقود التحقيق، التعليق على ما إذا كان التحقيق قد توسع إلى بولندا أو ما إذا كان قد طلب من السلطات البولندية المساعدة، لكن مسؤولين ألمان آخرون مطلعون على التحقيق قالوا إنه "ليس لديهم دليل على تورط الحكومة البولندية في المؤامرة حتى الآن".
توتر محتمل
ورأت الصحيفة أن التحقيق قد يؤدي إلى تفاقم التوترات داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ما يزيد من توتر العلاقة بين بولندا وألمانيا.
وعارضت بولندا، مثل العديد من جيرانها وكذلك الولايات المتحدة، بشدة خطي أنابيب "نورد ستريم"، معتبرين أنها "السلاح الجيوسياسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجعل أوروبا تعتمد على الطاقة الروسية".
واعترف مسؤولون بولنديون بأن ساحل البلاد الطويل المطل على بحر البلطيق، وحدودها التي يبلغ طولها 320 ميلاً مع أوكرانيا، وعدد سكانها الكبير من الأوكرانيين، هي أمور توفر مزايا واضحة للأفراد الذين يقومون بمثل هذه العملية، لكن هؤلاء المسؤولين قالوا إن الحكومة "لم تلعب أي دور في هجوم نورد ستريم".
وقال مسؤول كبير في الأمن القومي البولندي: "يمكنني أن أؤكد لكم أنه لا توجد مؤسسة بولندية متورطة في هذه القصة، وهذه ليست قضية دولة، لا يمكنني استبعاد تورط بعض الشركات البولندية أو أي شيء في هذه القضية".
وقال مسؤول بولندي آخر إن التحقيق الأكثر محدودية في وارسو "لم يحدد بعد مشتبهاً بهم"، مضيفاً: "من الناحية السياسية، لا تزال جميع الخيارات قيد الدراسة". وشكك مسؤولون بولنديون في تورط "أندروميدا" في العملية وما زالوا يقولون إن روسيا ربما تكون قد شنت الهجوم.
وأحدثت سلسلة الانفجارات القوية تحت الماء في 26 سبتمبر، أضراراً بثلاثة من أنابيب نورد ستريم الرئيسية الأربعة، ومنذ ذلك الحين، سعى محققون من ألمانيا والسويد والدنمارك وحلفاء غربيون آخرون لمعرفة من يقف وراء الهجوم وكيف تم تنفيذه.
وعلى عكس بولندا، تعاونت ألمانيا بشكل وثيق مع تلك الدول وغيرها أثناء إجراء التحقيق، وقد صنفوا تحقيقاتهم على أنها "سرية"، مع تذكير المسؤولين الألمان بأنه بموجب القانون قد يواجهون عقوبة السجن لتسريب التفاصيل.