على مدى أكثر من 120 عاماً من علاقات إيران مع دول أميركا اللاتينية، تراوحت العلاقات بين تطور وتوتر كان دائماً ما يكون مدفوعاً بسياسات وتحالفات عالمية وأخرى إقليمية. ومنذ بداية القرن الجاري شهدت تلك العلاقات تحولات جديدة، متأثرة برغبة طهران في توسيع نفوذها وتحقيق تعاونٍ أكبر مع بعض الدول اللاتينية، بينما تتابع الولايات المتحدة هذا التوسع بحذر.
من جانبها، دائما ما كانت دول أميركا اللاتينية داعمة لهذا التقارب خاصة الدول الاشتراكية ذات التوجه اليساري، التي ترزح تحت ضغوط العقوبات الأميركية، فقد زار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، إيران في عام 2022، ووقع خلال تلك الزيارة اتفاقيات تعاون تمتد لأكثر من 20 عاماً، تستهدف قطاعات عدة من أهمها المحروقات والمشتقات النفطية والتعاون في المجالات العلمية والصحية بين البلدين.
بدوره، بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الاثنين، جولة تمتد 5 أيام وتشمل زيارة فنزويلا ونيكاراجوا وكوبا، على رأس وفد رفيع المستوى يتألف من وزراء الدفاع والخارجية والنفط والصحة.
النفط والملف الاقتصادي
ووقع البلدان خلال الزيارة مذكرة تفاهم، لتعزيز تعاونهما في مجال البتروكيماويات بهدف تنفيذ مشاريع مشتركة، وتوسيع تعاونهما الوثيق بالفعل في مجال النفط.
وقال رئيسي في بيان له، مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، بعد توقيع اتفاق البتروكيماويات، والعشرات من اتفاقيات التعاون الأخرى: "هدفنا للتعاون التجاري والاقتصادي، الخطوة الأولى هي رفع مستوى التعاون إلى 10 مليارات دولار.. والخطوة الثانية نتطلع إلى أن نصل إلى 20 مليار دولار".
وستكون كوبا هي المحطة الثانية في جولة الرئيس الإيراني التي يختتمها في نيكاراجوا.
الأستاذ في العلاقات الدولية في جامعة Unifin البرازيلية البروفسور برونو بيكليني، اعتبر في تصريحاته لـ"الشرق"، أن أهمية الزيارة تأتي بسبب توقيتها، "إذ تشهد الساحة الدولية تحركات كبيرة مدفوعة بصراعات سياسية واقتصادية مختلفة من أهمها الحرب في أوكرانيا ومواجهة الدول الغربية مع روسيا، بالإضافة الى التنافس الاقتصادي المحتدم بين الصين والولايات المتحدة".
وأكد بيكليني، أن كل هذه العوامل "تدفع الكثير من الدول حول العالم الى إعادة إحياء تحالفات قديمة، أو حتى بناء تحالفت جديدة من شأنها دعم مصالحها"، مضيفاً أنه على الرغم من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وفنزويلا وبعض الدول الأخرى في المنطقة "إلا أنهم قادرون على زيادة التبادل التجاري، من خلال الدفع بالعملات المحلية لكل بلد أو حتى باستخدام اليوان الصيني".
وسيركز الوفد الإيراني خلال الزيارة على توقيع المزيد من الاتفاقيات المتعلقة باستيراد السكر والبروتين الحيواني من نيكاراجوا، بالإضافة لمشاريع التبادل العلمي في مجال الصحة مع كوبا.
تعاون عسكري وأمني
في بداية العام الجاري رست سفينتان حربيتان إيرانيتان، إحداهما مجهزة بصواريخ كروز مضادة للسفن ومدافع بحرية في الموانئ البرازيلية، ما اعتبره عدد من خبراء الأمن في أميركا اللاتينية تطوراً مهماً وإعلاناً إيرانياً رسمياً عن توسع نفوذهم العسكري، ليصل الى النصف الغربي من الكرة الأرضية.
روبينس فالديس، مستشار العلاقات السياسة لمركز الدراسات الأميركية اللاتينية FEE، قال لـ"الشرق"، إن فنزويلا تبدي اهتماماً كبيراً بتقنيات الطائرات المسيرة الحربية الإيرانية، وإنه "من المحتمل أن تكون هناك اتفاقيات مستقبلية بين البلدين بهدف تطوير هذه الصناعة العسكرية".
وأضاف أن مثل هذه الاتفاقيات والتقارب العسكري سيزيد مخاوف الولايات المتحدة، من "توسع محتمل لمحور يضم كل من الصين وروسيا وإيران في جنوب القارة الأميركية، والتي تعتبرها واشنطن الحديقة الخلفية للأمن القومي الأميركي".
وتأتي الجولة الرئاسية الإيرانية بعد جولة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للدول الثلاث في فبراير الماضي، اعتبرت تمهيداً لزيارة رئيسي ولرفع مستوى التعاون مع الدول اللاتينية الثلاث المتأثرة بعقوبات أميركية مثل إيران.
ووقعت إيران وفنزويلا خطة تعاون مدتها 20 عاماً في طهران العام الماضي، وتعهدتا بالشراكة فيما يتعلق بشؤون النفط والدفاع وغير ذلك.
وتضمنت تلك الخطة إصلاحات لمصافٍ نفطيةٍ في فنزويلا، التي تملك أكبر احتياطيات خام في العالم، لكنها تجد صعوبة في إنتاج ما يكفي من البنزين والديزل، ما أدى إلى عدم انتظام للإمدادات أجبر السائقين على الوقوف في طوابير لساعات عند محطات الوقود.
وتمد إيران فنزويلا بالوقود والمواد المخففة، لتحويل خام فنزويلا الثقيل جداً إلى أصناف قابلة للتصدير، ومنذ 2020 تزودها بقطع الغيار اللازمة لعمليات الصيانة في مرافق التكرير.
اقرأ أيضاً: