بدأ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأحد، زيارة إلى الصين، وسط تصاعد التوتر بين البلدين، خصوصاً بعد تأجيل الزيارة في فبراير الماضي في أعقاب إسقاط القوات الأميركية منطاداً صينياً قالت واشنطن إنه دخل المجال الجوي لـ"أغراض التجسس".
وعبر بلينكن في واشنطن قبل مغادرته، عن تفاؤله بشأن تلك الزيارة التي تستغرق يومين، إذ قال إنها يجب أن "تفتح خطوط اتصال مباشرة حتى يتمكن البلدين من إدارة العلاقات بينهما بمسؤولية، بما في ذلك من خلال معالجة بعض التحديات، والتصورات السيئة، ومن أجل تجنب الحسابات الخاطئة"، بحسب وكالة "فرانس برس".
وتعتبر هذه الزيارة الأعلى مستوى لمسؤول أميركي منذ عام 2018، ومن المفترض أن تستمر يومين، ومن غير المتوقع أن تحقق انفراجة في القائمة الطويلة من الملفات الخلافية بين البلدين، ولكنها قد تكون مقدمة لفتح باب التواصل الفعلي بين أكبر اقتصادين في العالم.
وبين تعدد وجهات النظر وتشعب القضايا، تسببت ملفات عدة في توتر العلاقات بين واشنطن وبكين، ما ألقى بظلاله على العالم بأسره سياسياً واقتصادياً.
معضلة تايوان
جزيرة تايوان التي تعتبرها بكين جزءاً لا يتجزّأ من أراضيها، تأتي كأبرز القضايا الخلافية بين الولايات المتحدة والصين، إذ تدعم واشنطن تايبيه عسكرياً وسياسياً، وسط تزايد التكهنات الغربية بشأن خطط عسكرية صينية لاستعادة الجزيرة بالقوة، وتصاعد المناورات العسكرية في المنطقة بشكل عام.
وكانت آخر المواقف الأميركية التي اعتبرتها بكين استفزازاً واضحاً، عندما وافقت الولايات المتحدة على صفقة أسلحة بقيمة 619 مليون دولار إلى تايوان في مارس الماضي، تشمل صواريخ لأسطولها من مقاتلات F 16، فيما أعلنت الخارجية الصينية معارضتها الصارمة للصفقة، ودعت واشنطن لوقف مبيعات الأسلحة والاتصالات العسكرية مع الجزيرة.
كما يشهد مضيق تايوان، توترات عسكرية، إذ زادت مؤخراً وتيرة المناورات، ومرور قطع بحرية عسكرية صينية في معظم الأوقات، الأمر الذي تقوم به الولايات المتحدة أيضاً، إذ تعبر مدمرات وغواصات وبوارج أميركية تابعة إلى أسطول المحيط الهادئ "السابع".
وتتبنى واشنطن مبدأ "الصين الواحدة"، وهو ما يعني أنها تعترف رسمياً بالحكومة الصينية فقط، لكنها في الوقت ذاته لا تؤيد موقف بكين القائل إن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، وستضمه مجدداً إليها.
وحوّلت الولايات المتحدة اعترافها رسمياً من تايبيه إلى بكين عام 1979، لكن الكونجرس الأميركي اشترط على الولايات المتحدة تقديم أسلحة لتايوان تمكنها من الدفاع عن نفسها.
وفي مناسبات عدة، لمح الرئيس الأميركي جو بايدن إلى احتمال التدخل عسكرياً في حال غزت الصين تايوان، وهو ما يثير غضب بكين الشديد، ولكن سرعان ما يخرج البيت الأبيض أو المسؤولين فيه ببيانات تؤكد على التزام الولايات المتحدة بمبدأ "الصين الواحدة".
وساءت العلاقات بدرجة أكبر هذا العام، خصوصاً بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان. ولجأت الصين إلى الرد من خلال إطلاق أكبر مناورات عسكرية في محيط الجزيرة.
غزو أوكرانيا
ومن بين القضايا الشائكة التي تؤثر على علاقات البلدين، الاتهامات الأميركية بدعم الصين لموسكو في غزو أوكرانيا، إذ قالت مصادر أميركية مطلعة في مطلع 2023، إن "إدارة بايدن واجهت الصين بأدلة، ربما تشير إلى تورط بعض شركاتها الحكومية في دعم جهود موسكو لغزو أوكرانيا".
ونقلت "بلومبرغ" آنذاك عن المصادر التي طلبت عدم كشف هوياتها، قولها إن المساعدة المقدمة "عسكرية واقتصادية غير مميتة، ولا تصل إلى حد التهرب من نظام العقوبات الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا".
كما ندّدت الولايات المتحدة في الفترة نفسها، بدعوة الصين إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا وذلك في إطار مبادرة السلام التي اقترحتها بكين. واعتبرت واشنطن أن المبادرة تهدف إلى "تعزيز التقدّم الروسي وإعطاء الكرملين فرصة للتحضير لهجوم جديد".
وتعتبر واشنطن التي تقود تحالفاً غربياً لدعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، أن وقف إطلاق النار "سيخفف الضغط على القوات الروسية ويمنح الكرملين فرصة لتعزيز سيطرته على مساحات شاسعة من الأراضي".
وتُعتبر الصين أهم حلفاء روسيا، إذ تشتري النفط الروسي وبضائع أخرى تمتنع دول الغرب عن شرائها، كما أنها أيضاً من كبار مشتري الحبوب الأوكرانية، حسبما ذكرت "رويترز".
منطاد التجسس
وضمن أهم الأحداث التي تسببت في توتر العلاقات، قضية المنطاد الصيني، والذي تصفه واشنطن بأنه حلّق فوق ولايات عدة بغرض التجسس على قواعد عسكرية أميركية.
واعتبر مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركية، أن تحليق المنطاد "منح الصين قدرة على تحديد مواقع صواريخ باليستية أميركية عابرة للقارات لاستهدافها لاحقاً، وقياس رد فعل الولايات المتحدة".
وفي فبراير الماضي، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إن الجيش أسقط "منطاد التجسس الصيني" فوق المياه بأمر منه، فيما أعربت الصين في المقابل، عن استيائها الشديد لاستعمال القوة ضد المنطاد.
وقالت وزارة الخارجية الصينية إنها تأسف لأن "مركبة جوية مدنية" دخلت المجال الجوي الأميركي "عن غير قصد" بسبب "ظروف خارجه عن سيطرتها"، مشددةً على أن المنطاد كان يجري "أبحاثاً مناخية".
قيود أشباه الموصلات
ويعتبر ملف أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، من الملفات التي تشهد حرباً ضارية بين البلدين. واتخذ الجانبان إجراءات عدة على مدار الفترة الماضية.
ومنذ الأيام الأولى لتولي جو بايدن إدارة البلاد، حظرت الإدارة الأميركية على الشركات البيع المباشر لبعض التقنيات المتقدمة إلى الصين، وذلك بحجة أن بعض هذه الرقائق تستخدمها الصين في المجالات العسكرية، وهو أمر اعتبرته "خطراً على الأمن القومي".
كما فرضت قيوداً صارمة على العمليات الجديدة لشركات تصنيع أشباه الموصلات.
في المقابل، حذّرت الحكومة الصينية مقدمي خدمات البنية التحتية المعلوماتية، من شراء أي شرائح إلكترونية من شركة Micron الأميركية، على خلفية عدم التزام الأخيرة بمعايير الأمان الرقمي المتعامل بها داخل الحدود الصينية.
وفي مارس الماضي، أقرت واشنطن قانوناً يهدف إلى إحياء صناعة أشباه الموصلات المحليّة، عبر خطة مساعدات بقيمة 40 مليار دولار. لكن يتعيّن على الشركات الراغبة بالاستفادة من الخطة الأميركية، الالتزام على مدى عقد بعدم القيام باستثمارات جديدة في مجال التكنولوجيا المتقدمة في "دول تثير مخاوف" ومن بينها الصين.
من جانبها، أنفقت بكين خلال العقد الماضي، مليارات الدولارات على صناعة أشباه الموصلات المحليّة بهدف إنهاء اعتمادها على الواردات الأجنبية من الرقائق الإلكترونية.
ومنذ توقيع إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب اتفاق تجاري مع الصين في عام 2020، أصبحت المواقف الأميركية تجاه بكين أكثر سلبية وحذراً.
مخاوف بشأن "تيك توك"
ومن بين أبرز الاتهامات الأميركية التي توجهها واشنطن إلى الصين، ما يتعلق بتطبيق "تيك توك" والمملوك لشركة "بايت دانس" الصينية، إذ تنامت في الفترة الأخيرة المخاوف الأميركية تجاه التطبيق، حتى وصل الأمر إلى فرض قيود على استخدامه في الولايات المتحدة.
وفي مارس الماضي، طلبت الحكومة الأميركية من شركة "بايت دانس"، بيع أسهمها في "تيك توك" أو مواجهة حظره في البلاد، فيما قالت الخارجية الصينية، إن الولايات المتحدة لم تقدم دليلاً على أن المنصة تشكل تهديداً لأمنها القومي.
وينفى "تيك توك" باستمرار مشاركة بياناته مع الحكومة الصينية، ويقول إنه يتعاون مع الولايات المتحدة منذ نحو عامين لمعالجة مخاوف الأمن القومي لديها.
عزل "هواوي"
في إطار المخاوف الأميركية، والصراع التجاري بين البلدين، بحثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في يناير الماضي، عزل شركة "هواوي" عن كافة شركات التوريد الأميركية، ومن بينها شركتي "إنتل" و"كوالكوم".
ووفقاً لوكالة "رويترز"، يشتبه منذ فترة طويلة في ارتباط الشركة بحكومة بكين والجيش الصيني، إذ خلص تحقيق أميركي بشأن عمل أبراج تابعة لشركة "هواوي" الصينية قرب قواعد عسكرية ومنصات صواريخ داخل الولايات المتحدة.
وكانت عملاق التكنولوجيا الصينية "هواوي"، أحد أكبر مشتري المكونات التكنولوجية في العالم، كما كانت "حلقة بالغة الأهمية في سلسلة التوريد" نظراً للمكانة التي تحتلها في صناعات معدات الاتصالات والشبكات، خاصة ما يتعلق بشبكات الجيل الخامس 5G وفقاً لـ"بلومبرغ".
واتسمت مبيعات الشركات الأميركية إلى شركة "هواوي" الصينية، بالمحدودية منذ 4 سنوات، عندما أضافها ترمب، إلى ما يُعرف بـ"قائمة الكيانات" على خلفية مخاوف تتعلق بالأمن القومي الأميركي.
والحظر الذي فرضه ترمب على بعض المبيعات أدى إلى "تكبيل الشركة الصينية"، كما أدى إلى "ضياع إيرادات طائلة على الموردين الأميركيين"، مثل شركة "برودكوم".
تراجع حجم الاتصال بين الصين وأميركا بشكل شبه كامل. فبين عامي 2019 و2022، انخفضت الرحلات الجوية بين البلدين، وتراجعت التبادلات العلمية، وانخفض تبادل الطلاب بين الولايات المتحدة والصين، وهجر موظفون أميركيون الشركات الصينية بأعداد كبيرة، وفق تقديرات.
وفي حين قال الرئيس الصيني شي جين بينج، إن هدف واشنطن هو "احتواء ومحاصرة الصين"، فإن واشنطن ترى أن بكين تريد "تفكيك النظام الدولي الذي تولد بعد الحرب العالمية الثانية". كما تعتبر أن بكين تدعم الشركات الصينية بشكل غير عادل، وتقيد نشاط المؤسسات الأميركية، بالإضافة إلى اتهامات بسرقة الملكية الفكرية، وتقييد حقوق الإنسان، والقيام بتحركات عسكرية عدوانية في بحر الصين الجنوبي وأماكن أخرى.
اقرأ أيضاً: