"إقليم البصرة" على غرار كردستان العراق.. مطالب تواجه رفضاً حكومياً

time reading iconدقائق القراءة - 10
مدينة البصرة في جنوب العراق. 27 مارس 2023 - AFP
مدينة البصرة في جنوب العراق. 27 مارس 2023 - AFP
بغداد - حيدر الربيعيالشرق

يتجدد الحديث بين الحين والآخر عن تحويل محافظة البصرة جنوبي العراق إلى إقليم على غرار إقليم كردستان في الشمال، والذي يتمتع بحكم ذاتي، لكن هذه الأحاديث لا تتحول إلى خطوة على طريق التنفيذ.

ولم تكن فكرة "إقليم البصرة" المحافظة البصرة الغنية بالنفط، وليدة مرحلة ما بعد عام 2003 (الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين)، وإنما يمتد تاريخها إلى بدايات نشأة الدولة عام 1921، عبر مطالبات شعبية تكررت طوال السنوات الماضية من أبناء البصرة لإعلان "الإقليم المستقل".

وأيد الكثيرون من أبناء المحافظة المطلة على الخليج العربي، الفكرة، ودعا إلى تنفيذها نشطاء كثيرون في مناسبات عدة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف إنهاء المشكلات الاقتصادية والخدمية في المحافظة، وسط تباين في مواقف القوى السياسية، فبعض الأحزاب والقوى تعارض الفكرة، فيما تؤيدها أخرى بنسب متفاوتة.

5 محاولات فاشلة

كانت أولى محاولات البصرة للتحول إلى إقليم في عام 2008، على يد محافظها الأسبق وائل عبد اللطيف، بدعم من حزب الفضيلة الإسلامي الذي كان مسيطراً على مجلس المحافظة حينها، إلا أنه فشل في حشد النسبة الكافية من الناخبين لتأييد الفكرة قانوناً، ووجه اتهامات لمفوضية الانتخابات بعرقلة إجراء الاستفتاء.

وعام 2010 قدم 16 عضواً من مجلس البصرة طلباً إلى مجلس الوزراء لإجراء استفتاء شعبي كمرحلة أولى لإعلان الإقليم، غير أن الطلب قوبل بالتجاهل وعدم الرد عليه من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتكررت الدعوة بعد عام واحد في 2011، إلا أنها صنفت على أنها مزايدات سياسية بين الأطراف المتصارعة في البصرة.

 وتجددت المحاولة أواخر عام 2014، حين ظهرت حملة شعبية للمطالبة بإعلان الإقليم، مدعومة بحراك ميداني وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وشهدت ظهور علم للإقليم.

ونجحت الحملة بعد فترة في تحركاتها حين تلقت رداً رسمياً على طلبها من مفوضية الانتخابات بإجراء الاستفتاء، لكن الحكومة الاتحادية أهملت الرد على الطلب مستغلة حالة الانقسام السياسي بين معارضي ومؤيدي المشروع، ما أصاب الحملة بالفتور خاصة في ظل التصعيد بين بغداد وأربيل بعد قرار الأخيرة إجراء استفتاء للانفصال عن العراق في 2017، لكن حكومة بغداد رفضت الاعتراف به.

وشهد عام 2019 آخر تحرك قانوني لإعلان الإقليم حين وقع 20 عضواً من مجلس البصرة في جلسة استثنائية على طلب تحويل المحافظة إلى إقليم، إلا أن الأمر واجه رفضاً من جهات سياسية ودينية أبرزها التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وائتلاف الوطنية بقيادة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، محذرين من أخطار تشكيل الأقاليم وعدم القدرة على حل مشكلات البصرة إذا تحولت إلى إقليم مستقل، فرفضت حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، الطلب وخصصت للمحافظة موازنة ضخمة من أجل نسيان فكرة الإقليم وإنهائها بشكل كامل.

حركة "ناشطون"

ومع الفشل المستمر في المحاولات، شهدت المحافظة في 24 يونيو الجاري، الإعلان عن تأسيس حركة سياسية مستقلة تضم عدد من النشطاء في المحافظة، تحمل اسم "ناشطون" وتضع مشروع إعلان إقليم البصرة على رأس أولوياتها، وتهدف إلى استيعاب كافة مؤيدي المشروع، وقررت خوض انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها نهاية العام الجاري.

"دستور بعين واحدة"

المحافظ الأسبق للبصرة وأحد اكثر المطالبين بإعلان الإقليم، القاضي وائل عبد اللطيف، قال إن "(الأقلمة) تأتي ضمن مفهوم الحكومة الاتحادية بالعاصمة بغداد والإدارة اللامركزية التي تطبق على المحافظة أو غير المنتظمة بإقليم، واللامركزية المصلحية أو المرفقية التي تطبق على الهيئات المستقلة، واللامركزية السياسية التي تطبق على بغداد التي يراد لها أن تكون عاصمة لكل العراق لا تمثل إقليماً ولا تنضم إلى إقليم، لذلك فان الدستور مفصل فيدرالياً، صحيح أنه أصبح بعين واحدة بأن يكون إقليم كردستان فيدرالياً وباقي المحافظات غير مسموح لها أن تكون أقاليم، ولكن الدستور يسمح بأن تتحول أي محافظة الى إقليم إذا أراد سكانها ذلك".

وأضاف لـ"الشرق": "كانت هناك مبادرات من البصرة والأنبار ونينوى ولكن الأجواء لم تكن تسمح بذلك بسبب جدلية المواقف السياسية بين مؤيد ومعارض".

مخاوف من فقدان السيطرة وتكرار الأقاليم

مراقبون للشأن السياسي يرجعون رفض الحكومة المركزية الفكرة، إلى خوفها من أن يتسبب المشروع في فقدان السيطرة على المحافظة التي تمثل ركيزة أساسية في إمداد خزينة البلاد بالأموال الناتجة عن عائدات النفط المستخرج من حقولها والموانئ والمنافذ الحدودية فيها، وكذلك الخوف من أن تسير محافظات أخرى على خطى البصرة في حال نجاح مشروع الإقليم، إلى جانب تحكم جهات سياسية معينة في مقدرات المحافظة واستمرار حالة الفساد وسوء الإدارة.

رفض حكومي

الحكومة الاتحادية في العاصمة بغداد رفضت المشروع مرات عدة، على الرغم من أن الدستور العراقي الجديد الصادر عام 2005، يمنح الحق لكل محافظة أو أكثر، في تكوين إقليم بناءً على طلب يتم الاستفتاء عليه، ويجرى الاستفتاء بطلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تؤيد إعلان الإقليم، أو طلب من 10% الناخبين في كل محافظة من المحافظات ذاتها.

"دعوات نشطاء"

المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء العراقي، ضياء الناصري، اعتبر في تصريحات لـ"الشرق"، أن "مشروع إقليم البصرة لا يتعدى كونه دعوات من نشطاء وجهات حزبية غير فاعلة في المشهد العراقي، في حين أن القوى السياسية الكبرى المشاركة في الحكومة والعملية السياسية بشكل عام، لا تتبنى مشروع التقسيم".

تحذير برلماني من مخططات التقسيم

عضو مجلس النواب عن محافظة البصرة، عامر الفايز، اعتبر أن "أي مشروع للتقسيم يؤدي إلى اضعاف العراق وحدوث صراعات داخل المحافظة الواحدة أو مع المحافظات الأخرى في حالة الاستمرار فيه، ومشروع إعلان الإقليم يؤسس إلى التجزئة وتشظي منظومة الحكم في البلاد".

وأضاف لـ"الشرق" أن "معاودة إحياء المشروع وتجدد المطالبات به غير مجدية في الوقت الراهن - على الرغم من أن النظام في العراق الذي نص عليه الدستور عام 2005 نظام فيدرالي اتحادي - بسبب الظرف السياسي الحالي غير المناسب لإعلان أقاليم في ظل وجود مخططات تهدف إلى تقسيم العراق وتفرقة الشعب، لذا من المهم إيقاف المشروع أو تأجيله إلى إشعار آخر".

العاصمة الاقتصادية

وأشار الفايز إلى أنه "لا يخفى على أحد أن إعلان إقليم البصرة سيعود بالنفع على أبناء المحافظة، إذ ستحصل الحكومة المحلية على صلاحيات واسعة وموازنة كبرى وتستطيع تشكيل الوزارات والهيئات، لكن إقرار قانون (البصرة عاصمة العراق الاقتصادية)، أنهى الآمال بإتمام المشروع حتى لا تنحصر العاصمة في إقليم، لأنها باتت ملكاً لجميع العراقيين".

حق دستوري

وقال الخبير القانوني علي التميمي، لـ"الشرق"، إن المادة 119 من الدستور تنص على أنه يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين الأقاليم بناءً على طلب يقدم إلى مجلس الوزراء الذي يكلف مفوضية الانتخابات خلال 15 يوماً باتخاذ ما يلزم نحو الاستفتاء عليه، بعدها تصادق المحكمة الاتحادية على نتيجة الاستفتاء ثم يصدر قرار من رئيس الوزراء بإعلان الإقليم.

وأضاف: "في حال فشل الاستفتاء على إعلان الإقليم يمكن إعادة المحاولة بعد سنة، أما في حالة الرفض غير المبرر من مجلس الوزراء فيمكن الطعن على رفضها أمام المحكمة الاتحادية".

تردي اقتصادي

تردي الواقع الاقتصادي وتفشي البطالة والفقر وسوء الخدمات وغياب الحلول الجذرية للمشكلات التي يعاني منها أبناء المحافظة، فضلاً عن سيطرة مسلحين على الموانئ وتجارة المخدرات، أسباب دفعت أهالي المحافظة التي تشكل صادراتها النفطية نحو 85% من إيرادات الدولة، للمطالبة بتحويلها إلى إقليم لتفادي الرجوع إلى الحكومة المركزية في كل صغيرة وكبيرة.

الخبير الاقتصادي نبيل التميمي، اعتبر أن "إعلان إقليم البصرة محاولة لإنجاح الإدارة في المحافظة، إذ يعتقد أهالي البصرة والعديد من المحافظات أن فشل الحكومة المحلية في إدارة المشروعات الاقتصادية والخدمات مرتبط بمشكلات الحكومة المركزية، لذا يرى المؤيدون أن فكرة إعلان الإقليم ستساهم في وضع الحلول لمشكلاتهم من خلال إدارة منفصلة تشبه تجربة إقليم كردستان".

وأضاف لـ"الشرق": "ينظر البعض إلى إعلان الإقليم على أنه خطوة نحو تصحيح المسار في إدارة المحافظة بعيداً عن الحكومة المركزية".

وقال الناشط في البصرة شريف البطاط، إن "المحافظة تعتبر العاصمة الاقتصادية للعراق من خلال صادرات البترول وإيرادات الموانئ والمنافذ الحدودية وغيرها، لكنها تعاني التهميش من الحكومة المركزية ويفتقر سكانها إلى أبسط الحقوق ما دفع مواطنيها للتفكير في الإقليم، لكن الفكرة حالياً ليست في صالح المحافظة، لعدم وجود إدارة سياسية تقود الإقليم بروح وطنية وتعطي للبصرة شخصية قوية أمام الحكومة المركزية".

  اقرأ أيضاً:

تصنيفات