أجرى مدير الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ويليام بيرنز زيارة سرية إلى كييف الشهر الماضي، استمع خلالها إلى "استراتيجية طموحة" من المسؤولين الأوكرانيين لاستعادة الأراضي التي تسيطر عليها روسيا وفتح مفاوضات لوقف إطلاق النار مع موسكو بحلول نهاية العام الجاري، وفق ما ذكر مسؤولون مطلعون لصحيفة "واشنطن بوست".
وتضمنت الزيارة التي لم يعلن عنها مسبقاً وفق "واشنطن بوست" لقاءً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وكبار مسؤولي الاستخبارات في البلد.
وجاءت الزيارة خلال "لحظة حساسة" من النزاع وسط محاولة القوات الأوكرانية إحراز تقدم في الهجوم المضاد الذي طال انتظاره، ولم تنشر فيه كييف بعد أغلب فرقها القتالية التي حصلت على تدريب ومعدات غربية، وفق "واشنطن بوست".
وقال مسؤول أميركي للصحيفة اشترط عدم ذكر هويته إن "المدير بيرنز سافر مؤخراً إلى أوكرانيا، كما فعل بانتظام منذ بداية الغزو الروسي العام الماضي".
وذكر المسؤول أن الزيارة كانت تهدف إلى تأكيد التزام إدارة الرئيس جو بايدن بمشاركة المعلومات الاستخباراتية التي من شأنها مساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها.
"استراتيجية طموحة"
وأعلن المسؤولون الأوكرانيون عن إحباطهم علناً من الانتقادات التي طالت الوتيرة الحالية للهجوم المضاد ضد القوات الروسية، ولكن المخططين العسكريين الأوكرانيين أعربوا خلال لقائهم السري مع بيرنز عن ثقة "متفائلة للغاية" في هدفهم باستعادة السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي التي تسيطر عليها روسيا بحلول الخريف.
وذكروا لبيرنز خططهم بشأن تحريك الأسلحة المدفعية، والأنظمة الصاروخية بالقرب من الحدود مع القرم، ودفع قواتهم بشكل أعمق في شرق أوكرانيا، وفتح مفاوضات مع موسكو للمرة الأولى منذ انهيار المحادثات في مارس العام الماضي، وفق ما ذكره مسؤولون مطلعون على الزيارة.
وقال مسؤول أوكراني للصحيفة إن روسيا ستتفاوض فقط في حالة "إذا شعرت أنها مهددة".
وكان زيليسكي قد ذكر الأربعاء، إنه لن يقبل أي اقتراح سلام يحول الحرب الروسية في بلاده إلى صراع مجمّد.
ورفضت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التعليق على تقييم بيرنز لآفاق الهجوم المضاد في أوكرانيا.
زيارة سبقت التمرد
ووقعت زيارة بيرنز لأوكرانيا قبل التمرد الفاشل لقائد مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة يفجيني بريجوجين، الذي أعلن في 24 يونيو زحفه على موسكو متمرداً على قيادتها العسكرية، قبل أن يعلن في اليوم نفسه سحب قواته والانتقال إلى بيلاروس بعد اتفاق مع الكرملين بوساطة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
ورغم التقاط الاستخبارات الأميركية إشارات على خطة بريجوجين لشن تمرد مسلح على موسكو منذ منتصف يونيو، إلا أن بيرنز لم يناقش تلك المعلومات مع زيلينسكي والمسؤولين الأوكرانيين، وفقاً لما ذكرته مصادر الصحيفة.
وأكد مسؤولو الإدارة الأميركية مراراً أن واشنطن وكييف لا دور لهما في الزحف الفاشل على موسكو، والذي شكل تحدياً نادراً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي وصفته واشنطن بأنه "شأن روسي داخلي".
بيرنز يتواصل مع موسكو
ويأتي ذلك، فيما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن بيرنز تواصل سراً مع نظيره الروسي في أعقاب تمرد بريجوجين، لإيصال رسالة مفادها أنَّ الولايات المتحدة ليس لها أي دور في الفوضى الداخلية في روسيا.
وأضاف المسؤولون، الذين لم تكشف الصحيفة عن هويتهم، في تقرير نشرته الجمعة، أنَّ المكالمة الهاتفية التي أجراها بيرنز مع رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي سيرجي ناريشكين هي أعلى مستوى من التواصل بين الحكومتين منذ محاولة التمرد ضد الكرملين.
وقالت "وول ستريت جورنال" إنَّ المكالمة التي أجراها بيرنز، وهو دبلوماسي سابق غالباً ما يتم استخدامه لنقل الرسائل الحساسة إلى روسيا والدول أخرى، هي جزء من استراتيجية أوسع للبيت الأبيض للتأكيد لبوتين ودائرته الداخلية، أنَّ الولايات المتحدة ليس لها دور في الخطوة التي قام بها بريجوجين، وأنها لا تسعى إلى لتأجيج التوترات في روسيا.
ووفقاً للصحيفة، فإنَّ المسؤولين الأميركيين يقولون وراء الكواليس إنهم حريصون على تجنب إعطاء الكرملين أي فرصة لإلقاء اللوم في التمرد وعواقبه على أعداء روسيا الخارجيين.
"مسألة روسية داخلية"
ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين قوله إنَّ رسالة رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كانت أن "الولايات المتحدة لم تكن متورطة في الأمر، وأن ما حدث هو مسألة روسية داخلية"، لافتة إلى أنه لم يتم ذكر التفاصيل الأخرى التي تمَّ الحديث عنها في المكالمة التي جرت هذا الأسبوع.
من جانبه، رفض البيت الأبيض التعليق للصحيفة، وقال أحد المسؤولين: "لن ندخل في تفاصيل المناقشات الدبلوماسية الفردية".
ومنذ أن أمر بوتين جيشه بغزو أوكرانيا في فبراير 2022 لم يكن للولايات المتحدة وروسيا سوى بعض الاتصالات العرضية رفيعة المستوى.
وذكرت الصحيفة أنه كثيراً ما كان بيرنز، الذي تمتد مسيرته الدبلوماسية لمدة 32 عاماً، وتضمَّنت توليه منصب سفير واشنطن في موسكو، هو المحاور المفضل للرئيس الأميركي جو بايدن مع روسيا، إذ أرسله إلى هناك في نوفمبر 2021 للتحدث عبر خط هاتفي آمن مع بوتين أثناء وجوده في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود.