رغم الضغوط.. واشنطن "لا تستعجل" تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى

time reading iconدقائق القراءة - 10
صواريخ ATACMS الأميركية خلال إطلاقها في مناورات بكوريا الجنوبية. 5 أكتوبر 2022 - AFP
صواريخ ATACMS الأميركية خلال إطلاقها في مناورات بكوريا الجنوبية. 5 أكتوبر 2022 - AFP
دبي -الشرق

أفاد مسؤولون أميركيون بأن إدارة الرئيس جو بايدن "لا تزال متمسكة، في الوقت الحالي على الأقل"، برفض إرسال صواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا، وذلك بحسب ما نقلت عنهم صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، على الرغم من الضغوط المتزايدة من مشرعي الكونجرس في الولايات المتحدة ونداءات حكومة كييف.

وأشارت الصحيفة، السبت، إلى أن "الوتيرة البطيئة للهجوم الأوكراني المضاد ضد القوات الروسية وتبنّي بايدن نبرة مبهمة مؤخراً أدى إلى تكهنات واسعة النطاق بأن هذه الصواريخ ستتبع قريباً نفس المسار الذي سلكته الأسلحة الأميركية الأخرى خلال 17 شهراً من الحرب، والذي تمثل في رفض إرسالها في البداية ثم الموافقة على الأمر في نهاية المطاف".

في أواخر مايو الماضي، بدا أن الرئيس الأميركي بات يتراجع عن رفضه السابق لإرسال نظام الصواريخ التكتيكية "أتاكمز" ATACMS، لافتاً لأول مرة إلى أن "الأمر لا يزال مطروحاً"، وبعد أسبوعين، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه تحدث مع بايدن عن هذه الصواريخ في قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، "لكن لم يتم اتخاذ أي قرار حيال الأمر".

صراعات أخرى محتملة

ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤولي الدفاع والإدارة الأميركيين المطلعين على الأمر، والذين رفضوا الكشف عن هوياتهم، أنه "على الرغم من التصور العام المتزايد للميل البطيء نحو الموافقة على إرسال الصواريخ، فإنه لم يكن هناك أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة ولا مناقشة حقيقية لهذه القضية منذ شهور".

ويعتقد البنتاجون، وفقاً للصحيفة، أن كييف "لديها احتياجات أخرى أكثر إلحاحاً من هذه الأسلحة التكتيكية"، فضلاً عن خشيته من أن إرسال أعداد كافية من الأسلحة إلى كييف لإحداث فرق في ساحة المعركة "سيقوض بشدة استعداد واشنطن للصراعات المحتملة الأخرى".

وأشار المسؤولون إلى أن عدد الأسلحة التكتيكية ATACMS الموجودة لدى الولايات المتحدة ثابت، إذ أنهم في انتظار استبدالها بالجيل التالي المتمثل في صواريخ الضربات الدقيقة بعيدة المدى "بريزم"، والتي من المتوقع أن تدخل الخدمة بحلول نهاية العام الجاري، قائلين إن شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية لاتزال تصنع 500 صاروخ تكتيكي كل عام، لكن كل هذا الإنتاج مخصص للبيع إلى دول أخرى.

وتقول أوكرانيا إن نظام الصواريخ التكتيكية هذا، والذي يبلغ مداه 190 ميلاً، يُعد ضرورياً لتدمير مواقع القيادة والمناطق اللوجستية التي تقع بعيداً عن الخطوط الأمامية الروسية، إذ أكد زيلينسكي، في مؤتمر صحافي هذا الشهر أنه "بدون وجود أسلحة بعيدة المدى، لن يكون من الصعب تنفيذ المهمة الهجومية فحسب، ولكن أيضاً إجراء المهمات الدفاعية".

مخاوف من تصعيد الصراع

خلال مشاركته في "منتدى أسبن الأمني" الذي عُقد، الخميس، في ولاية كولورادو الأميركية، قال أندريه يرماك، مدير مكتب زيلينسكي، رداً على سؤال عن الأسلحة الموجودة على رأس قائمة الاحتياجات الأمنية في أوكرانيا "ستكون إجابتي بسيطة للغاية، ففي هذه المرحلة يبدو الأمر واضحاً للغاية ومفهوماً. نحن بحاجة إلى قرارات بشأن الأسلحة التكتيكية وننتظر صدور هذه القرارات".

وتطلب كييف الحصول على المئات من هذه الصواريخ، وناشدت أنصارها في الكونجرس الأميركي، الذين زار العديد منهم أوكرانيا، أو التقوا بزيلينسكي ومسؤولين حكوميين في أماكن أخرى، بذلك، كما طالب المشرعون الأميركيون إدارة بايدن بالموافقة على إرسال الصواريخ.

وكانت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي خصصت، الشهر الماضي، أموالاً في مسودة ميزانية الدفاع لإرسال أسلحة تكتيكية إلى أوكرانيا، كما أقرت لجنة الشؤون الخارجية في المجلس قراراً، بتأييد من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري)، يدعو الولايات المتحدة إلى إرسال الصواريخ إلى كييف بشكل فوري.

وقال رئيس اللجنة النائب الجمهوري مايكل ماكول "لا يوجد سبب لمنح أوكرانيا عدداً من الأسلحة غير كافي لتحقيق النصر، فإذا كنا سنقوم بمساعدتهم، إما أن نرسل كل ما يحتاجونه أو لا".

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، انضم السيناتور الجمهوري البارز في لجنة العلاقات الخارجية، جيمس إي. ريش، والسيناتور البارز في لجنة القوات المسلحة، روجر ويكر، إلى ماكول في كتابة بيان قالوا فيه إن إرسال الأسلحة التكتيكية ATACMS، إلى جانب الذخائر العنقودية ومقاتلات F-16 "يعد حاسماً لنجاح أوكرانيا".

وتعتبر الإدارة الأميركية أن تراجعها عن إرسال هذه الأسلحة إلى أوكرانيا، يعود إلى أسباب عديدة، إذ تركز رفضها في البداية على المخاوف من أن "أوكرانيا قد تُطلق صواريخ بعيدة المدى على الأراضي الروسية، مما يؤدي إلى تصعيد الصراع إلى مواجهة بين الولايات المتحدة وموسكو، إذ كانت الأخيرة قد أكدت علناً أن إمداد كييف بهذه الأسلحة يُمثل تجاوزاً لأحد خطوطها الحمراء".

وأوضحت إدارة بايدن أنها مطمئنة للتصريحات العامة والتعهدات المكتوبة من كييف بعدم استخدام الأسلحة الأميركية لاستهداف الروس خارج حدودها، وعلى الرغم من أن المسؤولين اعترفوا بشكل خاص بوقوع بعض الانتهاكات، فإنهم يؤكدون أن أوكرانيا امتثلت إلى حد كبير بتلك التعهدات.

وفي الفترة الأخيرة، زوّدت بريطانيا وفرنسا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، أوكرانيا بصواريخ "كروز" يصل مداها إلى حوالي 140 ميلاً، وهو ما يُمثل ما يقرب من 3 أضعاف ما كان متاحاً سابقاً لكييف، لكنها تقل بحوالي 50 ميلاً من مدى الأسلحة التكتيكية ATACMS.

وقال مسؤول أوروبي كبير لم تكشف الصحيفة هويته: "نحن على ثقة من أن أوكرانيا ستستخدم هذه الأسلحة وفقاً للاتفاقيات التي تمت بعدم مهاجمة الأراضي الروسية".

ورأى كولين كال، وهو وكيل وزارة الدفاع الأميركية السابق للسياسات الخارجية، أن وصول صواريخ "شادو ستورم" البريطانية مؤخراً وصواريخ "سكالب" الفرنسية يعني أن أوكرانيا باتت بحاجة أقل إلى الأسلحة التكتيكية الأميركية.

وأضاف "المشكلة الآن ليست متعلقة بقدرتهم على الضرب بعمق في الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا، إذ أن لديهم تلك القدرة بالفعل، وهم يقومون بذلك الآن، فقد تعطلت القيادة والسيطرة الروسية واللوجستيات الخاصة بموسكو بشكل عميق".

تعطل الهجوم الأوكراني

"واشنطن بوست" نقلت عن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي، قوله إن حقول الألغام هي السبب الرئيسي لتعطل الهجوم الأوكراني المضاد، موضحاً: "في الوقت الحالي، يحافظ الأوكرانيون على قوتهم القتالية وهم يشقون طريقهم ببطء وثبات عبر كل حقول الألغام هذه، ولكنها معركة صعبة للغاية".

وأضاف ميلي "لقد توقعت المناورات الحربية المختلفة التي تم إجراؤها مسبقاً مستويات معينة من التقدم، لكن ما ظهر في الواقع كان أبطأ، وهذا هو الفرق بين الحرب على الورق والحرب الحقيقية، فهؤلاء أناس حقيقيون يستخدمون آلات حقيقية، ويطهرون حقول ألغام، حقيقية ويموتون بالفعل".

وقال مسؤول دفاعي أميركي لم تذكر الصحيفة اسمه أيضاً "من وجهة نظر إدارة بايدن فإن نظام الأسلحة التكتيكية ATACMS لن يؤدي لتغيير قواعد اللعبة في أوكرانيا فحسب، لكنه أيضاً سيحد من استخدام صواريخ (هيمارس) أو الصواريخ (GMLRs)"، في إشارة إلى الأنظمة الأميركية القادرة على إطلاق 6 صواريخ في وقت واحد بمدى يقارب 50 ميلاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي أن هناك عدد محدود جداً من الأسلحة التكتيكية المتاحة للتصدير، ومن أجل المسافات الأبعد التي تحتاج لصواريخ تفوق GMLRs، فقد تم منح الأوكرانيين صواريخ "ستورم شادو" و"سكالب"، كما أنها ستحصل خلال الخريف أو الشتاء المقبلين على قنابل "جي إل إس دي بي" فائقة الدقة وبعيدة المدى الأميركية، التي يصل مداها إلى 93 ميلاً وقادرة على إطلاق النار في مسار 360 درجة.

وصواريخ ATACMS التكتيكية هي صواريخ موجهة يصل وزنها لقرابة الطنين، كما يبلغ طول كل منها 13 قدماً وقُطرها قدمين، وتبلغ تكلفتها حوالي 1.5 مليون دولار، كان قد تم تصميمها لأول مرة في الثمانينيات، واستخدمها الجيش الأميركي في حرب الخليج عام 1991 وغزو العراق عام 2003.

وفي حين أن العدد الدقيق من هذه الأسلحة التكتيكية الموجود في ترسانة الولايات المتحدة يُعد أمراً سرياً، إلا أن شركة "لوكهيد مارتن" صنعت حوالي 4 آلاف منها فقط منذ بدء الإنتاج، ويتم استخدام الكثير منها من قبل الجيش الأميركي في القتال والتمارين والاختبارات الدورية، وفقاً للصحيفة.

وتٌشير قائمة المبيعات العسكرية الخارجية لوزارة الخارجية الأميركية، إلى أنه تم بيع ما يقرب من 900 صاروخ منها لحلفاء وشركاء في الخارج خلال العقد الماضي، بما في ذلك 211 منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، والذين ذهبوا إلى حلفاء الناتو ودول الخليج ودول أخرى مثل تايوان وأستراليا، وذلك بالتزامن مع صفقات بيع صواريخ "هيمارس".

كما أخطرت الإدارة الأميركية الكونجرس خلال أبريل الماضي ببيع 40 صاروخاً إلى المغرب، وهي الصفقة التي لاتزال مُعَلَقَة، كما تقول الصحيفة.

ووفقاً لمتحدث باسم "لوكهيد مارتن"، والذي رفض الكشف عن هويته، فإنه من أجل الوفاء بهذه الطلبات وكذلك الطلبات المستقبلية الأجنبية، فقد وقَع الجيش الأميركي 3 عقود على الأقل مع الشركة منذ عام 2018، بإجمالي حوالي مليار دولار، من أجل التصنيع المستمر للصواريخ التكتيكية ATACMS، والتي يتم حالياً إنتاج حوالي 500 منها سنوياً، كلها موجهة للمبيعات الخارجية.

اقرأ أيضاً:

 

تصنيفات