"الاتفاق الثلاثي".. هل حقق المغرب أهدافه من التطبيع؟

time reading iconدقائق القراءة - 19
وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة يصافح وزير الخارجية الإسرائيلي (آنذاك) يائير لبيد أثناء قمة النقب في إسرائيل. 28 مارس 2022 - REUTERS
وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة يصافح وزير الخارجية الإسرائيلي (آنذاك) يائير لبيد أثناء قمة النقب في إسرائيل. 28 مارس 2022 - REUTERS
الرباط-عبد الكريم العفاني

بعد أسابيع قليلة من تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، نقل مراسل موقع "أكسيوس" في تل أبيب خبراً يقول إن الإدارة الأميركية الجديدة "لن تتراجع عن قرار الرئيس السابق دونالد ترمب بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء"، والذي كان جزءاً من الالتزامات المفروضة بموجب الاتفاق الثلاثي مع واشنطن وتل أبيب في 2020، والذي طبع علاقات المغرب مع إسرائيل.

ونقل صحافي إسرائيلي عن مصادر في البيت الأبيض قولها إن واشنطن "ستعمل مع المغاربة من أجل تعيين مبعوث أممي جديد للصحراء، لاستئناف المحادثات بشأن حكم ذاتي محتمل لهذه المنطقة القليلة السكان".

وتم تأكيد هذا الموقف لاحقاً، بعد عدة أيام، على لسان مسؤولين أميركيين بشكل رسمي، ما اعتبره مراقبون حينها، "التزاماً أميركياً" بمواصلة العمل بالاتفاق الثلاثي الذي جرى توقيعه بالعاصمة المغربية الرباط في 22 ديسمبر 2020، بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل لتطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب.

والصحراء مستعمرة إسبانية سابقة، وهي موضع خلاف بين المغرب وجبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر والتي تطالب بـ "استقلال" الصحراء.

ويقترح المغرب منح الإقليم حكماً ذاتياً تحت سيادته، فيما تدعو جبهة البوليساريو إلى إجراء استفتاء لـ"تقرير المصير" تحت رعاية الأمم المتحدة.

ماذا تحقق من الاتفاق؟

استأنف المغرب علاقاته مع إسرائيل في سياق إقليمي شهد إقامة عدد من البلدان العربية اتفاقيات لـ"تطبيع" العلاقات، وشكل الإعلان عن هذه الخطوة محطة هامة ضمن خطة طرحها ترمب، بهدف توسيع قاعدة الدول العربية الموقعة على "اتفاقيات سلام" مع إسرائيل.

وبخلاف المحطات الأخرى، جاء الاتفاق مع الرباط ثلاثياً، إذ ضم بالإضافة إلى المغرب، إسرائيل والولايات المتحدة، ونصّ على تبادل للالتزامات بين الأطراف، وعلى رأسها اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء، ودعم "مقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والواقعي وذي المصداقية"، واعتباره "الأساس الوحيد لحلّ عادل ودائم للنزاع حول جهة الصحراء".

في المقابل، تضمن الاتفاق "الاستئناف الفوري للاتصالات الرسمية" بين المغرب وإسرائيل و"إعادة فتح مكتبي الاتصال في الرباط وتل أبيب".

كما تعهدت الولايات المتحدة بالمساهمة في تنمية أقاليم الصحراء باستثمارات تقدر بــ3 مليارات دولار، فضلاً عن افتتاح قنصلية في مدينة الداخلة "من أجل تعزيز الفرص الاقتصادية والاستثمارية لفائدة المنطقة".

ورغم رسائل الطمأنة، ألقى وصول الإدارة الديمقراطية للبيت الأبيض بظلال الشك على مصير هذا الاتفاق، خاصة أن فريق بايدن تبنى منذ البداية نهج "مسح الطاولة"، في تعامله مع إرث الرئيس السابق دونالد ترمب، لا سيما ذاك المرتبط بالسياسة الخارجية.

ورأى محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، في حديث مع "الشرق"، أن منطلقات الديمقراطيين غير تلك التي يتبناها الجمهوريون عادة، ومن ثم فإن "من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في التعاطي مع عدد من القضايا، علماً بأنه من حيث المبدأ لم يكن هناك اختلاف بين الرئيسين - الجمهوري والديمقراطي - في التعامل مع قضية الصحراء". 

ورغم تأكيدها عدم إحداث أي تغيير في موقف الاعتراف بـ"مغربية الصحراء"، إلا أن الإدارة الديمقراطية دعت إلى أن تلعب الأمم المتحدة "دوراً محورياً" في مساعي التوصل إلى حل نهائي، عبر إطلاق مشاورات بين الأطراف المعنية، وبإشراف مبعوث أممي جديد.

واعتبر الغالي أن "الأكيد أنه لم يكن هناك تراجع في الموقف الأميركي، والدليل هو أن الولايات المتحدة صوتت بالإيجاب على قراري مجلس الأمن 2602 و6254 اللذين أكدا على وجاهة ومصداقية المقترح المغربي للحكم الذاتي".

تغير الخطاب الأميركي

وإذا كان التوصل لحل سياسي عنصراً ثابتاً في تعاطي الإدارات الأميركية المتعاقبة مع ملف الصحراء، فقد كان التغيير الذي طال عناصر خطاب إدارة بايدن في وصف طبيعة النزاع والحلول المقترحة أمراً لافتاً.

ورأت الخبيرة في شمال إفريقيا بـ"معهد واشنطن" سابينا هينبرج، في مقابلة مع "الشرق"، أنه من خلال الإصرار على الدعم الكامل للمبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا وعملية السلام للأمم المتحدة بشأن نزاع الصحراء الغربية، تحاول إدارة بايدن أن تنأى بنفسها عن موقف سلفها الذي يعترف بالسيادة المغربية على الإقليم".

لكنها أوضحت أن إدارة بايدن "لم تتراجع صراحةً عن موقف سلفها أبداً، لكنها استخدمت لغة أكثر توازناً، آملة في إعطاء انطباع بالرغبة في إيجاد حل وسط يمكن أن يرضي جميع الأطراف".

وانتقل خطاب إدارة بايدن من اعتبار مقترح الحكم الذاتي "الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع بشأن جهة الصحراء"، كما جاء في نص الاتفاق الثلاثي، إلى خطاب يضع المفاوضات سبيلاً رئيسياً للوصول إلى مخرج.

وظهر ذلك جلياً في المحادثة الهاتفية، التي أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، في مايو الماضي، والتي أكد فيها بلينكن "دعم الولايات المتحدة الكامل للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا فيما يكثف عملية الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية بغية التوصل إلى حل سياسي دائم وكريم لسكان الصحراء الغربية والمنطقة".

اعتراف إسرائيلي

في يوليو الماضي، أعلن الديوان الملكي المغربي اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء ونيتها فتح قنصلية بمدينة الداخلة.

وجاء القرار الإسرائيلي ليُنهي جدلاً تصاعد في الآونة الأخيرة حول "مقايضة" إسرائيلية محتملة، تربط الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء باستضافة "منتدى النقب"، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن وزير الخارجية الإسرائيلية الذي قال إن تل أبيب "تعمل على هذه القضية، وخطتنا هي اتخاذ قرارنا النهائي في منتدى النقب". 

 وقالت وزارة الخارجية الأميركية في تصريح لــ"الشرق" إن "المشاورات لا تزال مستمرة مع الشركاء بشأن انعقاد المنتدى هذه السنة".

وتأسس منتدى النقب في مارس في اجتماع غير مسبوق في إسرائيل، حضره وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزراء خارجية إسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب.

كانت الفكرة أن يكون المنتدى منصة للتعاون متعدد الأطراف في المنطقة في مجالات الصحة والاقتصاد وتغير المناخ والمياه والأمن. وتأجل عقد الاجتماع 4 مرات هذا العام، وسط توقعات بتغيير اسمه.

وجاء في رسالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الملك محمد السادس أن "إسرائيل قررت الاعتراف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء"، مضيفاً أن "موقف بلاده هذا سيتجسد في كافة أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة".

وتابع: "كما سيجري إبلاغ الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية التي تُعتبر إسرائيل عضواً فيها، وكذلك كل البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية"، بهذا القرار.

وأفاد نتنياهو، في الرسالة، بأن إسرائيل تدرس إيجابياً "فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة".

وسبق هذا القرار الرسمي تصريحات من مسؤولين إسرائيليين تدعم الاعتراف بمغربية الصحراء، ففي أعقاب مباحثات أجرتها وزيرة الداخلية الإسرائيلية السابقة أيليت شاكيد مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في يونيو 2022، أعلنت "دعم إسرائيل سيادة المغرب على إقليم الصحراء".

كما دعا رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا، خلال زيارة قام بها للرباط في يونيو 2022، حكومته إلى دعم مغربية الصحراء "بشكل واضح".

صفقات تسلح وتعاون أمني

شكل التعاون في المجال العسكري أكثر الجوانب نشاطاً بين أطراف الاتفاق الثلاثي.

ورغم الأخبار المتواترة عن صفقات عسكرية إلا أن هناك تعتيماً رسمياً على نوعيتها وحجمها، حيث رفضت وزارة الدفاع الإسرائيلية الإجابة على أسئلة "الشرق" بشأن التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل، قائلة إنها "لا تُعلق على سياسات تصدير الدفاع إلى دول معينة"، وعزت ذلك إلى "اعتبارات أمنية وسياسية واستراتيجية".

وعقد المغرب العديد من الصفقات العسكرية لشراء أسلحة ومعدات متطورة من إسرائيل حيث وقع في فبراير 2022 اتفاقاً مع شركة "إيرو سبيس إندستريز" بقيمة 500 مليون دولار، تحصل بموجبه الرباط على منظومة "باراك إم إكس" المضادة للصواريخ، مُدشنة بذلك سلسلة من المفاوضات كشفت عنها وسائل إعلام إسرائيلية لاقتناء أسلحة نوعية، عبارة عن أنظمة دفاع جوية وطائرات مسيرة وأجهزة معلوماتية إسرائيلية الصنع. 

وأورد موقع "ديفانسا" الإسباني المتخصص في الشؤون العسكرية، في مارس 2023، اهتمام المغرب بالحصول على نظام "سبايدر" الذي تطوره شركة رافاييل الإسرائيلية للصناعات العسكرية.

كما أبدى المغرب، في فبراير 2022، اهتماماً براجمة الصواريخ "بولس" التي تصنعها شركة "إلبيت سيستمز"، والتي يمكنها قذف الصواريخ لمسافة 300 كيلومتر، ولم تؤكد الشركة توقيع الصفقة، في الوقت الذي أكد فيه موقع "إسرائيل ديفينس"، أن المغرب وشركة إلبيت وقعتا بالفعل اتفاقاً بقيمة 70 مليون دولار يتعلق بمنظومة "ألينت" الاستخباراتية.

وحصل المغرب على شحنة من المسيرة الانتحارية "سباي إكس"، لدعم قدرات قواته البرية، بحسب ما أعلنت عنه شركة "بلو بورد سيستمز" على موقعها في سبتمبر من العام الماضي.

كما نقلت صحيفة "لوديسك" المغربية عن القائم بأعمال مكتب الاتصال الإسرائيلي حينها بالرباط شاي كوهين قوله إن شركة "إلبيت سيستمز" تعتزم فتح فرعين لها في المغرب لإنتاج الأنظمة الدفاعية، مضيفاً أن أحد الموقعين سيقام بضواحي الدار البيضاء.

وخلال مناورات الأسد الإفريقي في نسختها الـ19، شاركت ولأول مرة مجموعة تتكون من 12 عنصراً من لواء جولاني الإسرائيلي، إلى جانب جنود ينتمون لـ18 دولة من ضمنها الولايات المتحدة الأميركية.

وقال أوفير جندلمان، الناطق السابق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لـ"الشرق"، إنه "بنظر إسرائيل، يشكل امتلاك المغرب لقدرات عسكرية كبيرة مقوماً هاماً في تعزيز الاستقرار في المنطقة"، معتبراً أن البلدين "يواجهان نفس التهديدات الأمنية، وعلى رأسها إيران وأتباعها والتنظيمات الجهادية العالمية". 

وزار المغرب منذ 2020، مسؤولون عسكريون وأمنيون من إسرائيل، كما قام المفتش العام للقوات المسلحة الملكية السابق الفاروق بلخير بزيارة غير مسبوقة لإسرائيل في سبتمبر 2022، وهي أول زيارة يقوم مسؤول عسكري مغربي بهذه الرتبة لتلك الدولة.

قبل ذلك وفي نوفمبر 2021، قام وزير الدفاع الإسرائيلي (حينها) بيني جانتس بزيارة للرباط تم خلالها التوقيع على اتفاق للتعاون الأمني، يتيح للرباط الحصول على معدات أمنية عالية التكنولوجيا، كما زار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حينها أفيف كوخافي الرباط في يوليو 2022 والتقى المفتش العام للقوات المسلحة الملكية ومدير المكتب الثاني (الاستخبارات العسكرية).

وفي مطلع 2023، انعقد الاجتماع الأول للجنة التوجيه المشتركة المغربية الإسرائيلية في مجال الأمن، بحضور مدير مكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الأمن الإسرائيلية درور شالوم.

وكان لافتاً زيارة رئيس الأركان الأميركي مارك ميلي للمغرب في مارس 2023 قادماً من إسرائيل، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها مسؤول أميركي أمني من هذا المستوى للمغرب.

"حليف خارج الناتو"

وبعد شهر من زيارة رئيس الأركان الأميركي للمغرب ولقائه عدداً من المسؤولين العسكريين المغاربة، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، في أبريل، موافقتها على بيع أنظمة هيمارس للمغرب، في صفقة تُقدر قيمتها بــ524 مليون دولار، بالإضافة إلى أسلحة المواجهة المشتركة والمعدات ذات الصلة "Jsow"، بقيمة 250 مليون دولار، في صفقة تعد الأكبر خلال العقد الأخير بين الولايات المتحدة والمغرب.

وتشمل الصفقة 18 منظومة إطلاق الصواريخ عالية الحركة (هيمارس) و36 من أنظمة قاذفات الصواريخ الموجهة "gmlrs"، و40 صاروخاً بالستياً من نوع "ATACMS"، و40 من أسلحة "Jsow" و9 مركبات Humvee متعددة الاستخدامات.

وفي تعليلها لهذه الصفقة، قالت وكالة التعاون الأمني والدفاعي الأميركية، في بيان، إن الصفقة "ستدعم السياسة الخارجية للولايات المتحدة من خلال المساعدة في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لا يزال يمثل قوة مهمة للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في شمال إفريقيا".

وفي أغسطس 2022، أعلن البنتاجون موافقته على صفقة بقيمة 141.1 مليون دولار، تتضمن شراء 6 أنظمة لاسلكية تكتيكية وقطع غيار وبرامج تحديث عسكرية، بالإضافة إلى الدعم الفني من خلال الإشراف على تدريب القوات المغربية على استخدام هذه المعدات.

التبادل التجاري

بالموازاة مع التعاون في المجال العسكري، كشفت إحصائيات قاعدة الأمم المتحدة الإحصائية لتجارة السلع الأساسية أن صادرات المغرب لإسرائيل ارتفعت خلال سنة 2022، لتصل إلى 140 مليون دولار، فيما بلغت صادرات إسرائيل للمغرب في السنة نفسها أكثر من 38 مليون دولار.

وتشمل الصادرات المغربية لإسرائيل النسيج والملابس والمواد الغذائية والمعادن والمواد الكيماوية، فيما تصدر إسرائيل مكونات تدخل في صناعة الطائرات والمركبات والمعدات الكهربائية والإلكترونية والبلاستيك والأجهزة الطبية.

وتُظهر البيانات أن المبادلات التجارية بين البلدين لم تنقطع خلال العقود الأخيرة، بل وصلت إلى معدلات تفوق في حجمها الأرقام المسجلة بعد التوقيع على الاتفاق الثلاثي، كما هو الشأن في 2013، حيث فاقت الصادرات الإسرائيلية للمغرب 50 مليون دولار.

ووقع المغرب وإسرائيل، خلال الزيارة التي قامت بها وزيرة الاقتصاد الإسرائيلية حينها أورنا باربفاي للمغرب، في فبراير 2022، اتفاقاً يلتزم فيه الطرفان بتسهيل التبادل التجاري بينهما بهدف الوصول إلى نصف مليار دولار من المبادلات سنوياً، في مسعى إلى الرفع من حجم تعاونهما الاقتصادي وتوسيع مجالات التنسيق، خاصة في قطاعات الزراعة والطاقة.

وأعلنت شركة "نيوميد إنرجي" الإسرائيلية، نهاية سنة 2022، عن توقيع اتفاق مع السلطات المغربية للتنقيب عن الغاز الطبيعي في بوجدور الموجودة في منطقة الصحراء.

كما وقعت شركة "راتيو بتروليوم" الإسرائيلية والمتخصصة في التنقيب عن النفط، في أكتوبر 2021، اتفاقاً حصلت بموجبه على ترخيص حصري للدراسة والتنقيب عن النفط والغاز في كتلة "أتلانتيك الداخلة".

ولم تطرأ تغييرات في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والمغرب منذ التوقيع على الاتفاق الثلاثي، حيث واصلت المبادلات بين الجانبين نموها بشكل عادي، وبلغت صادرات الولايات المتحدة للمغرب في 2022 ما يزيد على 3.5 مليار دولار فيما صدر المغرب سلعاً بما يقرب من 1.8 مليار دولار.

ويرتبط المغرب والولايات المتحدة باتفاق للتجارة الحرة تم توقيعه في 15 يونيو 2004، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في يناير 2005، وتنشط في المغرب حوالي 120 شركة أميركية.

انزعاج إقليمي

على الصعيد الإقليمي، أثار الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء والتقارب بين الرباط وتل أبيب انزعاج العديد من الأطراف التي رأت في هذا "التحالف الثلاثي" تغييراً للخارطة الجيوسياسية للمنطقة بما قد لا يخدم مصالحها.

وكان ذلك موقف إسبانيا، التي عبرت وزيرة خارجيتها حينها أرانثا جونزاليس، عقب الإعلان الأميركي، عن رفضها الخطوة الاميركية للاعتراف بسيادة الرباط على الصحراء، وهو ما اعتبره المغرب "موقفاً عدائياً"، أصبح مقدمة لأزمة دبلوماسية لاحقة بين الطرفين، على خلفية استقبال مدريد لزعيم جبهة البوليساريو بغرض العلاج من فيروس كورونا.

وفي الوقت الذي استعادت فيه العلاقات بين الرباط ومدريد زخمها بعد الموقف الإسباني الداعم للرباط في نزاعها بشأن الصحراء، لم تخف العديد من الأوساط المحافظة، خاصة داخل الجيش الإسباني، انزعاجها من التعاون العسكري بين الرباط وتل أبيب.

وعكس ذلك الانزعاج التغطية الإعلامية لصفقات التسلح المغربية في الصحف الاسبانية، خاصة صحيفة "لاراثون" المقربة من الدوائر العسكرية الإسبانية.

وقالت الصحافية الإسبانية المهتمة بالشأن المغاربي كارلوتا بيرز لــ"الشرق": "إنها مسألة ذات أهمية كبيرة، إن القرب الجغرافي مع إسبانيا يعني أن جزءاً كبيراً من المشاكل، التي تحدث في الرباط، يتم النظر إليها بعدسة مكبرة هنا". 

وتتخوف مدريد من اختلال قد يصيب التوزان العسكري في المنطقة المتوسطية بشكل قد يؤثر على أمنها القومي، وتقول كارلوتا بيرز إن "التسلح المغربي متدرج ومهم، وإن كان لا يزال (الجيش المغربي) بعيداً عن قدرات الجيش الإسباني، لكن تحركات الرباط يجب أن تكون مصدر قلق دون الوقوع في الرُهاب".

وإذا كانت مدريد الرسمية تعتبر المغرب شريكاً أمنياً واقتصادياً مهماً، فإن مساحة التنازع الاستراتيجي بينهما تظل كبيرة بحسب مراقبين، باعتبار تداخل المصالح وتعارضها في العديد من الملفات، خاصة ما يتعلق بسبتة ومليلية، الواقعتين تحت السيادة الإسبانية، والجزر الجعفرية ومسألة الصحراء.

وقال مسؤول عسكري إسباني لجريدة "El Confidencial" إن إسبانيا تخلت عن الغموض الاستراتيجي بشأن الصحراء، وهو الأمر الذي "سلبنا ميزة تكتيكية ودبلوماسية في مواجهة أي سيناريو لأزمة مستقبلية.. ودخول إسرائيل هو مؤشر مقلق بالنسبة لنا".

العلاقات مع فرنسا

وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين الرباط ومدريد نزوعاً نحو التنسيق والتعاون بعد فترة الأزمة، التي عرفتها خلال مايو 2022 والأشهر التي تلتها، تعيش العلاقات المغربية الفرنسية أسوأ فتراتها منذ عقود، وكان أبرز تجلياتها عدم تعيين سفير للمغرب في باريس منذ أكتوبر 2022.

وتزامنت هذه الأزمة مع التقارب الحثيث بين المغرب وإسرائيل، في مؤشر على رغبة الرباط في تنويع شركائها وعدم الارتهان للحلفاء التقليديين.

ويرى شارل سان برو، مدير مرصد الدراسات الجيوسياسية الفرنسي بباريس، في مقابلة مع "الشرق"، أن إسرائيل والولايات المتحدة اعتمدتا خطة "للاستفادة من نقاط الضعف في السياسة الخارجية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون"، معتبراً أنه ورغم مرحلة التوتر الحالية، التي يعيشها البلدان، "لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل بمقدورهما الحلول مكان فرنسا في العلاقة مع المغرب". 

وشهدت العلاقات بين الرباط وباريس فتوراً غير مسبوق على خلفية عدد من الملفات الخلافية، من ضمنها ملف برنامج التجسس "بيجاسوس"، ورغبة الرباط في إصدار باريس موقفاً صريحاً يدعم مغربية الصحراء على غرار الموقف الأميركي.

وقالت سابينا هينبرج، الخبيرة في شمال إفريقيا بمعهد واشنطن، لـ"الشرق"، إن المغرب كان يأمل في أن تحذو فرنسا حذو الولايات المتحدة في الاعتراف بالسيادة المغربية أو على الأقل تغيير الصياغة في موقفها لتكون أكثر ملاءمة بالنسبة للرباط، لكن - على الأقل في عهد ماكرون الذي سعى إلى تعزيز العلاقات مع الجزائر - هذا أمر غير مرجح".

وترى هينبرج أن باريس تحاول أن تحافظ على توازن في علاقاتها مع البلدان المغاربية، لكنها تعتبر أن ذلك "سيصبح أكثر صعوبة الآن بعد أن اعترفت إسرائيل بالسيادة المغربية على الصحراء، كما يأمل المغرب حقاً وسيواصل الضغط على باريس لفعل الشيء نفسه".

ولم يبدِ المسؤولون الفرنسيون حماساً كبيراً تجاه التحركات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة لعقد اتفاقيات سلام بين إسرائيل وعدد من البلدان العربية، في غياب أي دور لباريس في العملية.

وعبر الإليزيه عن ذلك عند استقبال الرئيس ماكرون لنتنياهو، في فبراير الماضي، حيث دعا إلى ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات بالرغم من ترحيبه باتفاقيات التطبيع قائلاً: "نرحب بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول مما يساهم في الاستقرار والأمن، وستظل هذه الديناميكية غير مكتملة، حتى يصاحبها استئناف عملية سياسية نحو حل يُلبي التطلعات المشروعة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين".

وأعرب ماكرون عن استعداد باريس "للمساهمة في استئناف الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات