كثفت أوكرانيا خلال الأسابيع الأخيرة هجماتها بالطائرات المسيّرة في الداخل الروسي، فيما يبدو أنه محاولة من كييف لاستنزاف روسيا ونقل الحرب إلى أراضيها، بحسب ما أفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.
وألحق هجوم، مطلع أغسطس، أضراراً ببرج في حي الأعمال وسط العاصمة الواقعة على بعد نحو 500 كيلومتر من الحدود مع أوكرانيا. وقبل ذلك، تعرضت روسيا لهجمات أخرى بطائرات مسيّرة استهدفت مناطق من بينها موسكو أيضاً، وشبه جزيرة القرم ومصافي النفط في جنوب البلاد.
وفي مايو الماضي، أعلنت السلطات الروسية إسقاط مسيّرتين فوق الكرملين، قبل أيام من تعرّض مبانٍ مرتفعة في العاصمة لاعتداء مماثل.
ويوم الجمعة الماضي، فتحت أوكرانيا جبهة جديدة في هجماتها بالمسيرات، عندما ضربت طائرة بدون طيار سفينة بحرية روسية في ميناء "نوفوروسيسك" بالبحر الأسود، الذي يُصدر النفط الخام، وهو الهجوم الأول من نوعه الذي تستهدف فيه كييف البنية التحتية النفطية الروسية.
كما استهدفت ضربة بواسطة مسيّرة ناقلة نفط روسية أيضاً في مضيق كيرتش بالقرب من شبه جزيرة القرم.
الرسالة الأولى.. "تكذيب رواية بوتين"
تأتي هذه الهجمات ضمن جهود أوكرانيا لإنهاك موسكو وإحضار الحرب إلى أراضيها، حسبما نقلت "فاينانشيال تايمز" عن محللين.
وقال السفير الأميركي السابق لدى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، كورت فولكر، إن الغرض الرئيسي للهجمات هو دحض رواية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الحرب مجرد "عملية عسكرية خاصة" تهدف إلى تحرير أوكرانيا ولا تؤثر على روسيا.
وأوضح فولكر: "إنهم (أوكرانيا) يظهرون للشعب الروسي أنها حرب حقيقية وأن رواية بوتين كذبة".
الرسالة الثانية.. "لستم دولة لا تقهر"
من جانبه، اعتبر وزير الدفاع الأوكراني السابق، أندري زاجورودنيوك، أن الضربات تبعث رسالة إلى روسيا مفادها أنها "ليست دولة لا تقهر"، وأن العاصمة نفسها معرضة للخطر.
وأضاف: "هذا أمر مهم جداً، خصوصاً بالنسبة لأعضاء الحكومة الروسية في موسكو، حيث يعيشون حياتهم الخاصة. الآن يمكن الوصول إليهم هناك".
الرسالة الثالثة.. "قادرون على الوصول"
بحسب "فاينانشيال تايمز"، ظهرت مؤشرات على أن الضربات تحقق التأثير المرجو منها، لافتة إلى أن بعض وسائل الإعلام الروسية ذكرت أن "بعض المستأجرين في حي الأعمال (موسكو سيتي) بدأوا البحث عن استئجار مكاتب في أماكن أخرى بعد ضربة استهدفت المنطقة".
وقال موظف في شركة لتكنولوجيا المعلومات يدعى إيفان، متحدثاً عن ضربة استهدفت مبنى يضم وزارات التجارة والتنمية الرقمية والاقتصادية الروسية، إن الطائرت المسيرة هاجمت "برج آي كيو"، فيما أعمل في برج "يوراسيا" المجاور له، "صرت أخشى أن أصاب بأذى فقط عند الذهاب لمكتبي".
وأضاف: "الجميع يسألون الإدارة عما يجب فعله. كانت الوصية الوحيدة التي تلقيناها هي عدم البقاء في المكتب بعد الساعة 11 مساءً".
وأفادت صحيفة "كوميرسانت" الروسية هذا الأسبوع بأن شعبية "موسكو سيتي" قد تتأثر، وأن الشركات هناك، بالإضافة إلى وزارة التنمية الاقتصادية، طلبت من الموظفين العمل عن بعد.
في المقابل، يبدو أن بعض الأشخاص خارج حي الأعمال في موسكو غير مهتمين بالهجوم. إذ قالت كسينيا، التي تقطن في العاصمة، إن "هذه الهجمات لا تؤثر على حياتنا على الإطلاق، لا أحد حولي يتحدث عنها".
الرسالة الرابعة.. "مجال جوي غير آمن"
واعتبر محللون عسكريون أيضاً، أن هجمات المسيرات، محاولة أوكرانية للتشويش على حملة روسيا العسكرية، موضحين أن كييف تأمل في أن يؤدي ذلك إلى إحباط قيادة الجيش الروسي، ما قد يجبره على عملية إعادة انتشار ينتج عنها نقل بعض الموارد العسكرية من أوكرانيا إلى موسكو.
وبحسب الصحيفة البريطانية، لا توجد دلائل حتى الآن على أن روسيا أعادت توزيع أي موارد كرد فعل على الهجمات، باستثناء وضع أنظمة للدفاع الجوي على أسطح مباني الحكومة وأجهزة الأمن الحكومية في موسكو بعد الهجوم الذي استهدف الكرملين، مايو الماضي.
وقال مسؤول عسكري غربي كبير لـ"فاينانشيال تايمز"، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، إنه "على الرغم من أن الضربات الأخيرة لم يكن لها أي تأثير استراتيجي كبير، فإنها بيّنت فشل الجيش الروسي في الدفاع عن مجاله الجوي".
وأضاف المسؤول: "يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدهور معنويات القوات الروسية، ومساعدة الهجوم الأوكراني المضاد"، موضحاً أن "قدرة المسيرات على ضرب أهداف في قلب موسكو، يمكنه تقويض معنويات الجيش".
الرسالة الخامسة.. "لدينا خيار بعيد المدى"
غير أن بعض المحللين اعتبروا أن كييف تستخدم الطائرات المسيرة، نظراً لافتقارها خيارات أخرى قادرة على ضرب أهداف بعيدة المدى.
وقال كبير الباحثين في معهد "هدسون" الأميركي، كان كاسابوجلو، إن "الهجمات تبين مرونة أوكرانيا في تصميم وسيلة ردع طويلة المدى، لتعويض حاجة لا يلبيها الغرب"، في إشارة إلى رفض الغرب تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى.
ولفت كاسابوجلو إلى أن "المعلومات المتاحة للجميع تشير إلى استخدام أوكرانيا طائرة UJ-22 التي تصنعها شركة Ukrjet الأوكرانية في الضربات الأخيرة على موسكو".
ووفقاً لموقع الشركة المصنعة على الإنترنت، فإن طائرتها UJ-22 UAV يمكنها الطيران لمدة تصل إلى 6 ساعات، والوصول إلى مسافة تبلغ 800 كيلومتر"، وهو ما يكفي لاستهداف موسكو من الحدود الأوكرانية.
الرسالة السادسة.. "خطط أكبر"
وعلَّق كاسابوجلو على إعلان المدون الأوكراني، إيهور لاشينكوف، جمعه 500 ألف دولار من التبرعات لتمويل مشروع طائرة مسيرة Beaver، بقوله إنه "يهدف إلى بناء طائرات انتحارية بمدى 1000 كيلومتر".
وأكد عدد من المحللين، رصد طائرات Beaver في مقاطع الفيديو التي نُشرت على الإنترنت خلال ضربات موسكو، بحسب "فاينانشيال تايمز".
الممثل الأوكراني سيرهي بريتولا، الذي جمعت مؤسسته التي تحمل اسمه، حوالي 120 مليون دولار لدعم أوكرانيا عسكرياً وإنسانياً، نشر مؤخراً مقطع فيديو له بجانب عدة طائرات مسيرة، وهو يبتسم للكاميرا قائلاً: "ليس لديكم أي فكرة عما يمكن أن يطير إلى موسكو مستقبلاً".
ونبه وزير الدفاع الأوكراني السابق، أندري زاجورودنيوك، إلى أن تطوير أوكرانيا لطائرات بدون طيار طويلة المدى لا يزال في مراحله الأولى، مشيراً إلى أنه "في وقت ما، قد تطال الهجمات المرافق العسكرية الرئيسية في روسيا".
وتعمل أوكرانيا على بناء سلسلة مسيرات بحرية طويلة المدى من الجيل الثاني، تعرف باسم Magura V5، بمدى يبلغ 450 ميلاً بحرياً. وفي مايو الماضي، هاجمت إحدى المسيرات من هذا الطراز سفينة التجسس الروسية "إيفان خورس" في البحر الأسود، وفقاً لما أفادت به الصحيفة البريطانية.
وذكرت "فاينانشيال تايمز" أن أوكرانيا تعمل أيضاً على تطوير مسيرة توربيدو ، تعرف باسم Toloka.
وقال مسؤول عسكري غربي إن أوكرانيا عليها أن تقاتل في هجومها المضاد "ببطء لاستنزاف الروس"، مرجعاً السبب إلى أن كييف ليس لديها القدرات العسكرية الكافية لاتباع جدول زمني دقيق في الهجوم المضاد.
اقرأ أيضاً: