جاء انقلاب النيجر تتويجاً لأشهر من الخلاف بين الرئيس محمد بازوم وكبير حرَّاسه الجنرال عبد الرحمن تياني، إثر محاولات زعيم البلاد الخروج عن نهج سلفه محمد إيسوفو، حسبما نقلت وكالة "رويترز" عن أشخاص مطلعين على الأمر لم تكشف عن هويتهم.
وأضافت الوكالة في تقرير نشرته، الأحد، أنه منذ توليه السلطة بعد عرَّابه السياسي محمد إيسوفو في عام 2021، سعى بازوم إلى فرض سلطته على الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، من خلال "تهميش عدد من كبار المسؤولين في كل من الجيش والإدارة العامة، وعندما خشي قائد حرسه الرئاسي القوي تياني أن يكون هو التالي، انقلب على رئيسه"، وفق المصادر المطلعة على الأمر.
وأشارت "رويترز" إلى أن هذه الشهادات تستند إلى 15 مقابلة أجرتها مع مسؤولين أمنيين وسياسيين في النيجر، بالإضافة إلى مسؤولين حكوميين غربيين حاليين وسابقين، ولكن لم يتسن لها الوصول إلى تياني أو بازوم للحصول على تعليق.
ومنذ وصوله إلى السلطة، عزز بازوم التعاون العسكري مع فرنسا والولايات المتحدة، وكبح الاستقلال الذاتي لقادة الجيش في البلاد، وأطلق برامج لمكافحة الفساد استهدفت بعض حلفاء إيسوفو، لا سيما في قطاع النفط، مما خلق أعداءً له.
ولفتت الوكالة إلى أن تياني الذي كان قائد حرس إيسوفو لعقد من الزمن، وساعد في إحباط انقلاب قبل أيام من تولي بازوم السلطة، ظل بمنصبه في عهد الرئيس الجديد، ولكن في الأشهر الأخيرة، قلص بازوم حجم الحرس الرئاسي، الذي كان قوامه حوالي 700 فرد فقط وقت الانقلاب، وبدأ في التدقيق في ميزانيته.
وحفاظاً على ماء وجهه، قام تياني باستطلاع بعض القادة المختارين بشأن خططه الانقلابية لضمان عدم معارضة أفرع الجيش الأخرى للأمر، حسبما نقلت الوكالة عن شخصين على دراية بفكر مدبر الانقلاب، ولكن لم يتسن لها تحديد القادة الذين أطلعهم تياني على خططه.
وانتظر تياني حتى إرسال أعداد كبيرة من القوات من نيامي إلى ديفا التي تقع على بُعد 20 ساعة بالسيارة على الأطراف الجنوبية الشرقية من النيجر، للمشاركة في احتفالات يوم الاستقلال التي كان مقرر عقدها في 3 أغسطس الجاري، حسبما قال الشخصان.
وفي 27 يوليو الماضي، بعد يوم من احتجاز رجال تياني في حرس الرئاسة لبازوم بمقر إقامته، قالت قيادة جيش النيجر إنها احتشدت وراء الانقلاب لتجنب حدوث مواجهة دامية بين القوى المختلفة في البلاد.
ولم يرد المتحدثون باسم المجلس العسكري أو قيادة الجيش على طلبات الوكالة الحصول على تعليق.
وعلى الرغم من عدم وجود أي مقاومة داخلية لتولي تياني رئاسة الدولة بدلاً من بازوم، فإن الإدارة الجديدة للبلاد لا تزال في مسار تصادمي مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" المكونة من 15 دولة.
ولم يتضح من المقابلات التي أجرتها "رويترز"، ما إذا كان تياني قد ناقش خططه مع إيسوفو، وهو شخصية سياسية بارزة في غرب إفريقيا يحتفظ بنفوذ هائل في النيجر.
موقف إيسوفو
ولفتت الوكالة إلى وجود تكهنات بأن إيسوفو كان على عِلم بنوايا تياني لأنه ظل صامتاً لعدة أيام، ناقلة عن العديد من الأشخاص المطلعين قولهم إن إيسوفو أصبح محبطاً بشكل متزايد من جهود بازوم لرسم مساره الخاص، إذ يتذكر اثنان من حلفائه سماع الرئيس السابق وهو يشكو من عدم رغبة بازوم في قبول اقتراحاته لإدارة البلاد، وقطاع النفط على وجه الخصوص.
ولم يتسن لـ"رويترز"، التواصل مع إيسوفو للحصول على تعليق، ولكنها نقلت عن شخص مقرب من الرئيس السابق قوله إنه امتنع في البداية عن الحديث علناً عن الانقلاب لأنه كان يحاول التوسط بين تياني وبازوم.
ونفى الشخص الذي طلب عدم الكشف عن هويته، علاقة إيسوفو بالانقلاب، وأشار إلى قرار المجلس العسكري باعتقال نجله وزير النفط والطاقة في 31 يوليو الماضي، كدليل على أن الرئيس السابق لم يتواطأ مع تياني.
وفي 30 يوليو الماضي، بعد 4 أيام من الانقلاب، كسر إيسوفو صمته، قائلاً في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي إنه منخرط في جهود وساطة، ودعا إلى إعادة بازوم إلى منصبه، ولكنه لم يقدم أي معلومات عن جهوده منذ ذلك الحين.
وبالنسبة إلى بازوم، فقد بدأ 26 يوليو كأي يوم عادي، إذ تناول الفطور في مقر إقامته، الذي يقع داخل مجمع الحرس الرئاسي في وسط نيامي، وفقاً لأحد المسؤولين الغربيين الحاليين والسابقين الذين تحدثوا إلى الرئيس عبر الهاتف بعد ذلك.
وكان بازوم على وشك التوجه إلى مكتبه القريب عندما لاحظ أن شيئاً غريباً يجري، إذ حاصر جنود تياني منزله، وقال الشخص الذي تحدث إلى الوكالة إن الرئيس سارع إلى الذهاب إلى غرفة مجهزة باتصالات آمنة في منزله، وبعد عدة ساعات، عندما اتضح أنه لن يأتي أحد لإنقاذه، عاد بازوم إلى عائلته في الجزء الرئيسي من المنزل، الذي كان لا يزال محاصراً.
وبعد فترة وجيزة من اعتقال بازوم، أصدر تياني تعليمات إلى ساليفو مودي، وهو الجنرال الذي كان الرئيس قد جرده من منصبه كرئيس أركان القوات المسلحة في أبريل الماضي، بالتنسيق مع الفروع الأخرى للأجهزة الأمنية وتأمين دعمهم، حسبما نقلت الوكالة عن 4 أشخاص على دراية بالأمر.
ولم يتضح ما إذا كان مودي، المدرج كنائب لتياني في الهيكل التنظيمي للمجلس العسكري، من بين العدد القليل جداً من القادة الذين تم اطلاعهم على الانقلاب بشكل مسبق، ولم يتسن لـ"رويترز" الوصول إليه للحصول على تعليق.
وفي نفس الصباح، ومع انتشار أنباء الانقلاب في جميع أنحاء نيامي، اتصل الرئيس السابق إيسوفو بتياني وعرض عليه الوساطة، حسبما قال شخصان مطلعان على الأمر، ثم التقى بازوم وشاركه انطباعه بأن تياني قد استسلم "لتقلبات مزاجية"، وهو أمر يمكنه المساعدة في حله، حسبما قال الشخص المقرب من الرئيس السابق.
وفي غضون ذلك، وفي ظل كون رئيس وزراء النيجر خارج البلاد، تولى وزير الخارجية حسومي مسعودو زمام المبادرة في محاولة تحرير بازوم.
وفي ظهر يوم 26 يوليو، قال منشور على حساب رئاسة النيجر على وسائل التواصل الاجتماعي إن بازوم وعائلته بخير، وإن الجيش والحرس الوطني مستعدان لمهاجمة الجنود المتمردين في حال لم يتراجعوا.
أفرع الأمن
وبعد فترة وجيزة، تجمع عدة مئات من أنصار بازوم في ميدان بوسط نيامي ثم ساروا في وقت لاحق نحو القصر الرئاسي، وطالب المتظاهرون، المتمردين بالإفراج عن الرئيس والعودة إلى ثكناتهم، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، اتخذت قوات الحرس الوطني مواقعها حول المجمع الذي احتجزت فيه بازوم.
ولكن في حوالي الساعة 9 مساء، نشر المتمردون مقطع فيديو على التلفزيون الحكومي، وقال فيه العقيد غير المعروف أمادو عبد الرحمن، الذي كان يرتدي سترة عسكرية زرقاء ويحيط به 9 ضباط، إنه تمت الإطاحة ببازوم من السلطة، كما تم تعليق جميع مؤسسات الجمهورية وإغلاق حدود النيجر.
وكان لجميع الفروع المختلفة لأجهزة الأمن في النيجر أفراد في هذه المجموعة، بما في ذلك الشرطة والجيش والقوات الجوية والحرس الرئاسي، كما كان أحمد سيديان، الرجل الثاني في الحرس الوطني، حاضراً أيضاً.
وفي اليوم التالي، أعلنت القيادة العسكرية النيجرية أنها تقف إلى جانب المجلس العسكري، وأسقط الحرس الوطني حصاره لمجمع الحرس الرئاسي، كما كان يأمل تياني أن يحدث.
وظهر تياني الذي اختار البقاء في الخلفية حتى يحصل على الدعم العام من القادة الآخرين، وفقاً للشخصين المطلعين على تفاصيل الانقلاب، على شاشة التلفزيون في 28 يوليو، وقال في خطاب قصير إن دافع المجلس العسكري كان حماية الوطن، وألقى باللوم على حكومة النيجر لفشلها في معالجة المشاكل الأمنية.