يتوقع مجتمع الأعمال في مصر أن يؤدي التقارب في العلاقات السياسية مع تركيا إلى تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، بعدما أعلنت الحكومتان عزمهما زيادة حجم التجارة بنسبة 50% في غضون 5 سنوات.
وفي الأول من أغسطس، زار وزير التجارة والصناعة المصري أحمد سمير أنقرة، في أول زيارة منذ عقد من الزمان، وجرى الإعلان عن خارطة طريق لزيادة التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى 15 مليار دولار بدلاً من 10 مليارات حالياً، إلى جانب الاتفاق على عقد اجتماع اللجنة المشتركة في المستقبل القريب، لتوسيع تغطية اتفاقية التجارة الحرة القائمة بين البلدين.
وقال نائب رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك المصريين "تومياد"، حمادة العجواني، إن الظروف الحالية ممهدة لعودة الاستثمارات المشتركة في أكثر من مجال، وإنها قد ترتفع لما هو أكبر من الأرقام المعلنة، لافتاً إلى وجود رغبة كبيرة لدى الجانب التركي للتوسع في مصر.
ومرت العلاقات بين البلدين على الصعيد السياسي والدبلوماسي بأزمة حقيقية منذ يوليو 2013، إلّا أن العامين الماضيين شهدا تطوراً إيجابياً في إطار المسارات السياسية والدبلوماسية، وكان من أبرز ملامحها المصافحة بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان خلال افتتاح نهائيات كأس العالم لكرة القدم "قطر 2022".
ومؤخراً، تبادل وزيرا خارجية مصر وتركيا الزيارات الرسمية، ومن المتوقع أن تعود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى عودة السفراء قريباً، وصاحب ذلك نشاط تجاري واقتصادي ملحوظ.
مجالات الاستثمار
وأشار العجواني إلى أن عودة العلاقات السياسية بين البلدين إلى طبيعتها سيساهم بشكل كبير في تدفق الاستثمارات التركية إلى مصر، خاصة أن السوق المصري ضخم ويقبل المنتجات التركية ذات الجودة العالية.
وقال العجواني لـ"الشرق": "كان هناك العديد من المستثمرين الأتراك الذين لديهم رغبة قوية في دخول السوق المصري، لكن كانت لديهم مخاوف ضخمة من توتر العلاقات السياسية، والآن بعد عودة العلاقات السياسية ستكون الأرض ممهدة لهم".
وأضاف: "أتوقع أن تشهد الأيام المقبلة زيادة في حجم الاستثمارات التركية في مصر، بما يساهم في رفع معادل التبادل التجاري بين مصر وتركيا إلي أكثر من 15 مليار دولار".
وأوضح أن أبرز المجالات التي يتم حالياً العمل عليها بين مصر وتركيا هي صناعة الغزل والنسيج وبالتحديد صناعة الملابس، وكذلك صناعة خطوط ومعدات الإنتاج، وهو المجال الأهم حالياً حسبما يرى العجواني.
وأضاف أن مصر شهدت طفرة كبيرة في المناطق الصناعية وتسهيلات الإنتاج، إضافة إلى منح الرخصة الذهبية، ما يوفر الكثير من الإجراءات لاستخراج التصاريح والأوراق اللازمة لإنشاء المشروعات والمصانع.
وبجانب تلك المجالات، هناك صناعة الأجهزة المنزلية، وهو مجال تتفوق فيه تركيا، ويجري العمل حالياً على إنشاء مصنع تركي لتصنيع الأجهزة المنزلية مثل الغسالات والثلاجات المنزلية.
التجارة والغاز
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ حجم التجارة البينية بين مصر وتركيا، السلعية غير النفطية، 7.6 مليار دولار العام الماضي.
وبلغت واردات مصر السلعية غير النفطية من تركيا خلال عام 2022 نحو 3.72 مليار دولار، فيما بلغت صادرات مصر السلعية غير النفطية إلى تركيا لنفس العام إلى 3.96 مليار دولار.
وعن الشهور الخمسة الأولى من العام 2023، وصلت واردات مصر السلعية غير النفطية من تركيا لنحو 866,56 مليون دولار، فيما بلغت الصادرات عن نفس الفترة نحو 1.74 مليار دولار.
وبشأن القطاع النفطي بين مصر وتركيا، أفاد مجلس الوزراء المصري بأن تركيا على رأس الدول المستقبلة لصادرات الغاز المصري، بنسبة 22% من إجمالي الصادرات، وحسب المجلس فقد وصلت صادرات مصر من الغاز المسال، خلال أول 9 أشهر من عام 2022، إلى 4.86 مليون طن، مقابل 4.35 مليون طن خلال الفترة ذاتها من عام 2021.
وبحسب بيان لوزارة التجارة والصناعة المصرية، يبلغ حجم الاستثمارات التركية العاملة بالسوق المصري حالياً ملياري دولار، وتبلغ قيمة المشروعات التي ينفذها المقاولون الأتراك في مصر نحو 1.2 مليار دولار.
أموال قطرية وأفكار تركية
ومؤخراً، أعلن السفير التركي لدى القاهرة صالح موطلو شن أنه عقد اجتماعاً مع سفير قطر بالقاهرة السفير سالم بن مبارك الشافي لتقييم فرص الاستثمار المشترك في مصر، مشيراً إلى أنه سيتم عقد اجتماع تشاوري داخلي مع مستثمرين من البلدين خلال أكتوبر المقبل.
وتقول عالية المهدي، الخبيرة الاقتصادية والعميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن التقارب السياسي المصري التركي والمصري القطري أعطى إشارات جيدة لضخ مزيد من الاستثمارات في مصر.
وأضافت المهدي، لـ"الشرق"، أن "العلاقات السياسية ستعزز العلاقات الاقتصادية إلّا أن عدم وجود علاقات سياسية لا يمنع العلاقات الاقتصادية، فحتى أثناء المقاطعة كان هناك تبادل تجاري بين مصر وتركيا".
وتعتبر المهدي أن الميزان التجاري الحالي متوازن ويميل بالمكسب للجانب المصري، لكن يجب إعطاء نظرة مستقبلية نحو خطط الاستثمار المشترك، لافتة إلى ضرورة التركيز على القطاعات الصناعية والتجارية أكثر من القطاعات النفطية.
وتنصح المهدي بأن تضع الحكومة المصرية خطة لزيادة الصادرات إلى تركيا بنسبة 30% إلى 50% خلال السنوات الثلاثة، خاصة مع الحماس الشديد من جانب المستثمرين الأتراك، ويجب أيضاً وضع خطة زمنية خلال السنوات الثلاثة المقبلة لتحقيق ذلك، بهدف الوصول إلى 8 مليار دولار صادرات مصرية.