تواصلت الاحتجاجات المناهضة للحكومة السورية لليوم الخامس على التوالي في محافظة السويداء جنوب غربي البلاد، إذ خرجت الخميس، تظاهرات في مركز المحافظة وعدد من البلدات، بالتزامن مع إضراب عدد كبير المحال والموظفين بحسب ناشطين ومنصات محلية.
وأفاد موقع "السويداء 24"، وهو منصة تُوفر تغطية إعلامية للمحافظة، أن المتظاهرين تجمعوا منذ الصباح في ساحة "الكرامة" وسط المدينة، رافعين شعارات تُطالب برحيل الرئيس السوري بشار الأسد وتُحمل حكومته مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمعيشي.
كما شهدت احتجاجات الخميس، مشاركة وفد من عشائر البدو في السويداء، وأظهرت مقاطع مصورة هتافات تدعو إلى الوحدة الوطنية بين السوريين. وأشار الموقع إلى أن الاحتجاجات شهدت أيضاً مشاركة واسعة من النساء.
وفي بعض المناطق قطع المتظاهرون عدداً من الطرق بشكل جزئي. والأربعاء، أحرق محتجون صوراً للرئيس السوري بشار الأسد في مناطق عديدة.
وفي مدينة دير الزور شرقي سوريا، خرج مجموعة من الناس في وقفة احتجاجية للتضامن مع الحراك الذي تشهده السويداء.
أوضاع صعبة
وعلى غرار باقي المناطق السورية، يُعاني سكان السويداء أوضاعاً اقتصادية صعبة، وتراجعاً كبيراً في مستوى الخدمات، وبشكل خاص الكهرباء التي لا تصل المنازل لأكثر من ساعات قليلة في اليوم.
ونتيجة لذلك، اضطر الكثيرون خلال العقد الفائت إلى مغادرة البلاد، لاسيما اتخاذ طرق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وهذه ليست المرة الأولى التي تخرج فيها احتجاجات شعبية مناهضة للحكومة في السويداء، إلا أنه لم يحدث سابقاً أن وصل حجم الاحتجاجات إلى هذا المستوى الذي يتزامن مع إضراب عام وتأييد من الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية.
منذ بدء الأزمة السورية في مارس 2011، اتخذت السويداء التي تُشكل الطائفة الدرزية غالبية سكانها، موقفاً أقرب إلى الحياد، فرغم أن المحافظة شهدت في وقت مبكر حراكاً نخبوياً وتظاهرات محدودة وبرزت فيها شخصيات مدنية وعسكرية معارضة، إلا أن غالبية سكانها أبدوا عزوفاً عن الانخراط في الصراع.
ومنذ سنوات تعيش السويداء حالة من الفوضى والانفلات الأمني، إذ تنتشر الكثير من العصابات التي تقوم بأعمال السلب والنهب والخطف، إلى جانب تجارة المخدرات والمحروقات المهربة. وكثيراً ما أدى السلاح العشوائي إلى سقوط ضحايا مدنيين.
ورغم وجود مؤسسات الدولة كافة في السويداء، إلا أن سلطة أجهزتها الأمنية تراجعت إلى حد كبير، وذلك بفعل الضغط الذي شكّلته الفصائل المحلية المسلحة التي تتهم السلطات بالتراخي في ضبط الوضع الأمني والارتباط مع عصابات في المحافظة.
وكان من الواضح أن دمشق تُحاول تفادي أي تصعيد قد يؤدي إلى تفجر الصراع في هذه المنطقة التي تعيش فيها أقلية لا تشكّل أكثر من 3% من سكان سوريا.
رجال الدين يؤيدون الحراك
وشكّل موقف السلطة الدينية الدرزية من الحراك مؤشراً على واقع جديد في محافظة السويداء، إذ لأول مرة منذ العام 2011 يؤيد الرؤساء الثلاثة لهذه الطائفة التي لا تتعدى نسبتها 3% في سوريا احتجاجات مناهضة للحكومة بشكل صريح وعلني.
وفي وقت سابق الخميس، أصدرت "دار طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا" بياناً أكدت فيه على "مطالب المحتجين المحقة في إعطاء الحقوق لأصحابها ونيل العيش الكريم، التي فقدت جل مقوماته بسبب الفساد المتفشي والإدارة الفاشلة، وترحيل المسؤوليات، واعتماد اللامبالاة منهجاً، وهو ما أهلك البلاد والعباد".
وجاء البيان ممهوراً بتوقيت شيخي العقل حمود الحناوي ويوسف جربوع، محدداً 6 مطالب من الحكومة، وهي: إجراء تغيير حكومي وتشكيل حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة وتحسين الواقع وإيجاد الحلول وعدم ترحيل المسؤوليات، والتراجع عن كل القرارات الاقتصادية الأخيرة، والعمل على تحسين الواقع المعيشي للمواطنين، ومحاربة الفساد.
ومن بين المطالب "إعداد دراسة تشغيل معبر حدودي لمحافظة السويداء لإنعاشها اقتصادياً، في إشارة غير مباشرة إلى فتح معبر جنوباً مع الأردن.
وكان الشيخ حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز التي تُشكل الغالبية في محافظة السويداء، أصدر بياناً قبل أيام أعلن خلاله تأييد التحركات الاحتجاجية، معبّراً في الوقت نفسه، عن قلقه إزاء الأوضاع الحالية. ودعا إلى التحرك من أجل تحقيق التغيير والعدالة.
كما حمّل الهجري الحكومة السورية مسؤولية تردي الأوضاع، قائلاً: "ما هكذا يُعامل شعب من قبل حكومته، ولا هكذا تكون القرارات ولا التصرفات، والحجة حرب كونية، وأي حرب كونية وأنتم تدمرون شعبكم وتحبسون مقدراته عنه، وتسقطون اقتصاده الوطني إلى الحضيض بقرارات بخسة، وتعاملات لا تهمها سوى الجباية القسرية وتدمير البنى التحتية".
"رد شبه رسمي"
في افتتاحيتها التي جاءت بعنوان "ليست قيامة.. مجرد كَذَبة ودجالين"، اعتبرت صحيفة "البعث" السورية الحكومية في إشارة إلى احتجاجات السويداء أن "كل ما في الأمر أن الميليشيات ارتدت الزي المدني، وبدأت التهديد والوعيد نياية عما نصبت نفسها عنوة متحدثاً باسمهم، دون أي تفويض، وأنها تستطيع السيطرة على الشارع لبعض الوقت، مثل أي عصابات إجرامية يتحاشاها الأهالي، أو يلتم العابرون حولها بدافع من الفضول".
كما اتهمت الصحيفة التي تُمثل حزب البعث الحاكم في سوريا منذ 1963 المحتجين بأنهم "يتواصلون مع إسرائيل، ويتقاضون أجوراً تصل إلى 2000 دولار أميركي"، لكنها لم تُقدم ما يدعم أو يُثبت هذه المزاعم.
وكتبت "إذا كان هناك من مدافع عن حقوق السوريين فهو الدولة السورية وحدها، أي النظام بلغتهم العميلة، والشهداء الذين يرتقون في كل البقاع السورية، حتى اليوم، هم شهداء الجيش العربي السوري، بمجنديه ومتطوعيه، وليس بالهاربين من الخدمة الإلزامية الذي يتواصلون مع المحتل".
وهناك آلاف الشبان في السويداء يرفضون الخدمة العسكرية الإلزامية، منهم من امتنع أساساً عن الالتحاق بالجيش السوري وآخرون غادروا ثكناتهم العسكرية ولم يعودوا إليها، ورغم أنه لا يوجد إحصاء دقيق لأعداد هؤلاء، لكن تُشير بعض التقديرات إلى ما لا يقل عن 20 ألف شاب.
وأسهم تراجع سلطة الأجهزة الأمنية الرسمية في المحافظة خلال السنوات الأخيرة في دفع الكثيرين إلى رفض التجنيد الإجباري، إذ تنتشر العديد من الفصائل المحلية في السويداء، ويقول بعضها إن الفراغ الأمني وانتشار العصابات والسلاح كان سبباً رئيسياً في تأسيسها، وعادة ما يلجأ المطلوبون للخدمة العسكرية إلى تلك الفصائل لحمايتهم.
وفي لقاء مع مختطفين محررين كان قد أسرهم تنظيم "داعش" عام 2018 في السويداء، طالب الرئيس السوري بشار الأسد أهالي المحافظة بدفع أبنائهم إلى الانخراط في القوات المسلحة والالتحاق بثكناتهم العسكرية، إلا أن الرافضين لذلك يعتبرون أن "الصراع في سوريا دخل مسارات غير وطنية وأصبح يخدم أجندات ومصالح جهات محلية وإقليمية".
أزمة اقتصادية
وتعيش سوريا أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى انخفاض قيمة عملتها إلى مستوى قياسي بلغ 15 ألف و500 ليرة للدولار الأسبوع الماضي في انهيار متسارع. وكانت العملة تُتداول بسعر 47 ليرة للدولار في بداية الصراع قبل 12 عاماً.
كما رفع متظاهرون لافتات تُطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254) الذي اتُخذ بالإجماع في 18 ديسمبر 2015، وينص على عملية انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة في غضون 6 أشهر، تشمل إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة، وصياغة دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال 18 شهراً بإشراف الأمم المتحدة.
وتشهد سوريا نزاعاً دامياً منذ العام 2011، أودى بحياة نحو نصف مليون شخص، وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتيّة، وأدّى إلى تهجير ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
ومنذ العام ذاته، فرضت الولايات المتحدة حزمة عقوبات على دمشق، منها حظر السفر وتجميد الأصول المالية، مروراً بحظر الصادرات والقيود المفروضة على قطاع النفط، وغيرها.
وأصدر الرئيس السوري بشار الأسد الثلاثاء الماضي، مرسوماً تشريعياً يقضي بزيادة رواتب العاملين في مؤسسات الدولة بنسبة 100% ليصبح الحد الأدنى للأجور 185 ألفاً و940 ليرة، شهرياً (13 دولاراً).
وجاء مرسوم الأسد بعد قرار أصدرته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك برفع أسعار البنزين والمازوت في البلاد إلى مستويات غير مسبوقة.
اقرأ أيضاً: