"جاسوس روسي" في السويد.. "مداهمة مثيرة" واتهام بالعمل ضد واشنطن

time reading iconدقائق القراءة - 12
قوات الشرطة السويدية تلقي القبض على سيرجي سكفورتسوف في ستوكهولم (صورة غير مؤرخة) - ..
قوات الشرطة السويدية تلقي القبض على سيرجي سكفورتسوف في ستوكهولم (صورة غير مؤرخة) - ..
دبي/ ستوكهولم -وكالاتالشرق

الضغوط الدولية، والعقوبات المفروضة على قطاعي الدفاع والتكنولوجيا تدفع روسيا لحشد مجموعات من عملائها في أوروبا، ومع الكشف عن جواسيس روس تحت غطاء دبلوماسي، سقط عدد كبير من العملاء السريين منذ بداية 2022، والذين زرعتهم موسكو في القارة العجوز، أواخر ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

وتشير تحليلات إلى أن ثمة واسعة من عملاء الاستخبارات السريين في أوروبا، تابعون لكل من المخابرات العسكرية والسياسية الروسية، بحسب تقرير لـ"معهد روبرت لانسينج" الأميركي للأبحاث.

كثيرون من هؤلاء العملاء فروا من روسيا مع أسرهم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ومعظمهم لديهم خلفية تقنية، ويمتلكون شركات تكنولوجية صغيرة، أما الغطاء الثاني فهو قطاع الخدمات، لأنه يسمح بالاتصال بمن لديهم إمكانية الوصول إلى معلومات سرية.

ووفقاً للمعهد المعني بالتهديدات العالمية والدراسات والديمقراطيات، يمكن التوصل إلى مثل هذه الاستنتاجات على أساس اعتقال وبدء محاكمة زوجين سويديين من أصل روسي في السويد بتهم "تجسس".

بدء المحاكمة

والاثنين، اتهمت هيئة الادعاء السويدية، سيرجي نيكولايفيتش سكفورتسوف، وهو سويدي من أصل روسي بـ"جمع معلومات" لحساب جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية (GRU)، وممارسة "أنشطة استخباراتية غير قانونية" ضد السويد والولايات المتحدة لأكثر من عقد، بحسب وكالة "أسوشيتدبرس" الأميركية.

وقالت أولريكا بورج، محامية الدفاع عن المتهم، إن موكلها يقبع في محبسه منذ إلقاء القبض عليه، وأنه "ينفى ارتكاب أي مخالفات"، فيما أطلقت السلطات سراح زوجته، دون توجيه اتهامات إليها، بعد التحقيق الذي أجرته وكالة الأمن السويدية.

وبحسب لائحة الاتهام التي حصلت عليها "أسوشيتد برس"، قام سكفورتسوف، في الفترة من 1 يوليو 2014 إلى نوفمبر 2022 "سراً أو باستخدام وسائل احتيالية بأنشطة لصالح دولة روسيا بهدف الحصول على معلومات حول أوضاع يمكن أن يعرض كشفها لقوة أجنبية أمن السويد للخطر".

وفي إشارة إلى هذه "الوسائل الاحتيالية" كشف المدعي العام، هنريك أولين، في وقت لاحق، في مؤتمر صحافي أنها "كانت في المقام الأول معدات إلكترونية لاستخدامها في الجيش الروسي"، مضيفاً أن سكفورتسوف "كان جزءاً من شبكة"، واصفاً عملية جمع الأدلة بأنها كانت "لغزاً محيراً".
  
وقال رئيس وحدة مكافحة التجسس السويدية، التابعة لوكالة الأمن الداخلي، دانيل ستينلينج، في نفس المؤتمر الصحافي إنهم كانوا "على علم بأن شركات مشابهة أخرى تقوم بتصدير هذه الأجهزة إلى روسيا"، ولكنه رفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل.

ويواجه سكفورتسوف، اتهامات بممارسة "أنشطة استخباراتية مخالفة للقانون" تضر بالسويد والولايات المتحدة، على خلفية تحقيق أجرته الشرطة السويدية بمساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي. 

العمل ضد المصالح الأميركية

وتضمنت مذكرة الادّعاء اتهام لسكفورتسوف بالعمل ضد المصالح الأميركية منذ الأول من يناير 2013 وحتى نوفمبر 2022، وضد مصالح السويد منذ الأول من يوليو 2014.

وقبل المحاكمة، قال المدعي العام إن سكفورتسوف "كان يشكل خطراً كبيراً على المصالح الأمنية الوطنية لكل من السويد والولايات المتحدة"، وفقاً لتقارير إعلامية.

وتابع أولين: "ما عليكم سوى النظر إلى ساحة المعركة في أوكرانيا لتروا أن هناك حاجة حقيقية لهذا الأمر لدى قطاع الصناعات العسكرية الروسي".

في المقابل، تنفي محامية سكفورتسوف، تلك التهم. وقالت أولريكا بورج للقضاة: "إنه ليس مذنباً بأي شيء يدعيه المدعي العام".

وأضافت الوكالة، أنه من المتوقع أن تستمر محاكمة سكفورتسوف حتى 25 سبتمبر. وسيتم عقدها جزئياً خلف أبواب مغلقة بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي.

وسيكون عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI، وممثلو أجهزة المخابرات السويدية بمثابة شهود في القضية. كما يستشهد الادعاء برسائل البريد الإلكتروني من وزارة الدفاع الروسية إلى سكفورتسوف.

وفي عام 2016، أوقف القضاء الأميركي أشخاصاً زودوا القطاع العسكري الروسي بمعدات إلكترونية. وقال أولين إن "السلطات الأميركية ترى أن المتهم تولى مواصلة أنشطة هؤلاء الأشخاص".

وعثر المحققون السويديون، على رسائل بعثت بها وزارة الدفاع الروسية عبر البريد الإلكتروني إلى سكفورتسوف، وصادروا في منزله أجهزة كمبيوتر وأقراصاً صلبة لتخزين المعلومات وهواتف محمولة، مدرجة ضمن 81 قطعة من قائمة الأدلة التي كشفت عنها لائحة الاتهام.

ونقلت وسائل إعلام سويدية عن خبراء، قولهم، إن هذه التقنيات قد تكون استُخدمت في الأبحاث المتعلقة بالأسلحة النووية.

واعتقل سكفورتسوف مع زوجته، التي تحمل الجنسية الروسية أيضاً في أبريل. وأُطلق سراح زوجته لاحقاً بعد إسقاط التهم الموجهة إليها. 

وتأتي هذه المحاكمة في سياق تزايد مخاوف السلطات السويدية المتعلقة بالأمن القومي، بعد أشهر من إدانة عنصر سابق في الاستخبارات السويدية بالتجسس لصالح روسيا.

وفي يوليو الماضي، رأى رئيس وزراء السويد، أولف كريسترسون، أن بلاده تواجه "أخطر وضع من الناحية الأمنية منذ الحرب العالمية الثانية"، مضيفاً: "يمكن للدول والجهات الفاعلة الحكومية انتهاز الفرصة".

واعتبر وزير العدل السويدي، أن روسيا من بين التهديدات، على غرار إيران والصين أيضاً.

مداهمة "مثيرة"

عملية المداهمة والاعتقال حدثت بـ"طريقة مثيرة" في الساعات الأولى من صباح يوم 22 نوفمبر 2022. وبحسب وسائل إعلام سويدية، استيقظت ضاحية "ناكا" وارفة الظلال في ستوكهولم، على صدمة عنيفة قبل بزوغ الفجر.

ومع دوي صفارات إنذار سيارات الشرطة، وهدير مروحيتين طراز "بلاك هوك" ينزل منهما أفراد قوات خاصة بمعدات قتالية عبر حبال تكتيكية فوق نوافذ فيلا بيضاء، وقف السكان المذهولون في الضاحية الهادئة يتابعون المشهد.

استغرقت عملية المداهمة التي نفذتها أجهزة الأمن السويدية، ووحدات النخبة من الشرطة والجيش، ما يزيد قليلاً عن دقيقة، واستهدفت اعتقال الزوجين الروسيين، سيرجي نيكولايفيتش سكفورتسوف، وإيلينا ميخائيلوفنا كولكوفا، وتفتيش منزلهما.

سيرجي وإيلينا، زوجان روسيا المولد انتقلا من روسيا إلى السويد في عام 1999 وحصلا على الجنسية السويدية بعد نحو 15 عاماً. ووفقاً لوثائق هويتهما، وُلد سكفورتسوف في بيرم في 28 يوليو 1963، وكولكوفا في موسكو في 22 مايو 1964.

يبدو أن المداهمة نفذت بناءً على معلومات تلقتها وكالة مكافحة التجسس السويدية، وجهاز الأمن السويدي SAPO، إلى جانب معلومات من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI.

تزامنت الاعتقالات في أواخر نوفمبر 2022 مع محاكمة بيمان وبايام كيا، اللذين يبلغان من العمر 42 و35 عاماً، وهما شقيقان متجنسان وصلا إلى السويد مع والديهما في الثمانينيات بعد فرارهما من إيران، متهمان بالتجسس لصالح روسيا، والاستخبارات العسكرية الروسية (GRU) بين عام 2011 وأواخر عام 2021.

زوجان تقليديان

حصل كل من سكفورتسوف وكولكوفا على تعليم جامعي، ولديهما خلفية في العلوم والرياضيات وعلم التحكم الآلي. وبعد استقرارهما في السويد، عملا في قطاع تكنولوجيا الاستيراد والتصدير. وبحلول عام 2013، أصبحا مواطنين سويديين وأنجبا ولداً، وكان لدى كولكوفا أيضاً ابنة من زواج سابق.

ووصف الجيران، الزوجين وابنهما البالغ من العمر 20 عاماً، وهو طالب في ستوكهولم بأنهم "غير مثيرين للانتباه تماماً"، بحسب تقرير سابق لصحيفة "الجارديان" البريطانية.

كان الزوجان من المستخدمين المتحمسين لمنصات التواصل الاجتماعي الروسية، حيث نشرا صوراً من دار أوبرا "لا سكالا" في ميلانو، وعطلات التزلج العائلية في النرويج، لكنهما تواريا عن الأنظار في عام 2013، في الوقت الذي تقول فيه وثائق المحكمة أنهما بدآ التجسس ضد الولايات المتحدة والسويد.

ووفقاً لوسائل إعلام سويدية، لفت الزوجان انتباه السلطات السويدية لأول مرة في عام 2016، بسبب ضرائب غير مدفوعة في إحدى شركاتهما، والتي ظهر اسمها أيضاً، في تقرير وكالة الدفاع الصادر في يونيو 2022، الذي حدد 75 "مصلحة اقتصادية روسية" في السويد بعد غزو أوكرانيا.

وقال أوسكار ألمين، أحد مؤلفي التقرير، لصحيفة "سفينسكا داجبلاديت"، إن الشركة أثارت اهتمام المحققين، لأنها كانت تسيطر عليها في نهاية المطاف شركة مقرها قبرص يملكها دبلوماسي سوفيتي متقاعد، ويشتبه في أنه عقيد في الاستخبارات العسكرية الروسية، طُرد من فرنسا على خلفية اتهامات بالتجسس.

ونقلت صحيفة "الجارديان" عن توني إنجيسون، كبير المحاضرين في تحليل المعلومات الاستخبارية بجامعة "لوند"، قوله إذا كان الزوجان جاسوسين بالفعل، فمن المحتمل أن تكون أرسلتهما موسكو أو جندتهما بمجرد وصولهما إلى السويد. 

وأضاف: "في كلتا الحالتين، فإنهم ليسا من الخارجين عن القانون التقليديين (عملاء سريين غير نشطين)، بمعنى أنهم كانا يستخدمان أسمائهما الخاصة. هذا الأمر يشبه إلى حد كبير ما اعتاد السوفيت والألمان الشرقيون القيام به خلال الحرب الباردة".

معاملات وهمية

وتشير الوثائق إلى أن الزوجين كانا يديران عدة شركات صغيرة تستورد وتصدر معدات تكنولوجيا المعلومات، وتقنيات السفن والطائرات، وتمويل المشاريع، بمبيعات تبلغ نحو 30 مليون كرونة (2.4 مليون جنيه إسترليني) سنوياً.

وتشتبه السلطات السويدية في أن المعاملات كانت وهمية، وتستخدم لنقل الأموال من هولندا إلى السويد، ويجري ذلك عبر شركة هولندية يديرها بلجيكي، يُدعى هانز دي جيتيري، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركاته في السابق لمحاولتها إعادة بيع تقنيات أميركية مستخدمة في الصواريخ والطائرات إلى الصين.

ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك، إذ يرتبط كل من هانز دي جيتيري، وسكفورتسوف، بعلاقات وثيقة مع فلاديمير كوليميكوف، الذي يعترف علناً بماضيه في الاستخبارات العسكرية الروسية، بل ويفخر به.

"معهد روبرت لانسينج" الأميركي، لفت إلى أن العميلين السريين سكفورتسوف وكولكوفا ظلا غير نشطين لمدة 23 عاماً، وكان ذلك ضرورياً لإضفاء الشرعية عليهما.

"شبكة تجسس"

وبعد البحث في خلفية الزوجين في روسيا، قال موقع الصحافة الاستقصائية "بيلينجكات" (Bellingcat) وموقع "ذا إنسايدر" (The Insider) إنه قبل وقت قصير من مغادرتهما إلى السويد، حصل سكفورتسوف وكولكوفا في أكتوبر 1999 على شقة في 36 شارع "زورج"، في نفس عنوان دينيس سيرجييف، وهو أحد العملاء الذين سمموا العميل الروسي المنشق في بريطانيا سيرجي سكريبال وابنته في سالزبري في 6 مارس 2018.

وأشار "بيلينجكات" إلى أن سيرجييف عمل في وحدة الاستخبارات العسكرية الروسية "29155" التي ترتبط بالجنرال إلتشينكو الذي أشرف من بين أمور أخرى على حملات تضليل إعلامي. وكان ضباط آخرون رفيعو المستوى من الاستخبارات العسكرية الروسية (GRU) يترددون على المبنى أيضاً. 

وفي الوقت نفسه، تبين أن آنا ران ابنة كولكوفا انتقلت للعيش مع رئيس سابق في إدارة الاستخبارات العسكرية السويدية.

وآنا غادرت إلى السويد عندما كانت طفلة ولم يكن لديها الوقت للحصول على الجنسية الروسية، لكن من المحتمل للغاية أنها كانت متورطة أيضاً في عمليات استخباراتية.

شكوك

عاشت آنا فلاديميروفنا ران، ابنة إيلينا كولكوفا، في نفس الشقة في شارع زورج (إلى جانب ذلك، يثير لقبها العائلي شكوكاً بشأن ما إذا كان سكفورتسوف وكولكوفا زوجين حقيقيين أم أن زواجهما كان مجرد غطاء. في عام 2015، سجلت هذه الشقة باسم آنا، على الرغم من أنها كانت تعيش بشكل دائم في السويد لفترة طويلة، ولم يكن لدى معظم معارفها أي فكرة عن أصولها الروسية.

في عام 2013، بدأت آنا، علاقة مع رئيس قسم سابق في الاستخبارات العسكرية السويدية (موست)، وانتقلت للعيش معه في عام 2015. ومن المثير للاهتمام أن آنا لم تحتجز، على الرغم من كونها الأفضل موقعاً بين الثلاثة للوصول إلى معلومات سرية.

وبعد البحث لم يتمكن موقع "ذا إنسايدر" من العثور على آنا في قواعد البيانات الروسية، باستثناء Rosreestr (السجل العقاري الروسي)، حيث أدرجت كمالك مشارك للشقة، وربما يكون لهذا علاقة بمغادرتها إلى السويد عندما كانت طفلة وعدم التقدم مطلقاً للحصول على بطاقة هوية روسية.

 اقرأ أيضاً: 

تصنيفات