شنّت أذربيجان، الثلاثاء، عملية عسكرية في منطقة ناجورنو قره باغ، وهي خطوة قد تنذر بحرب جديدة في المنطقة المضطربة، فيما أعلنت أرمينيا إدانتها لما وصفته "بالعدوان الشامل" من جانب باكو.
ودعت دول عدة إلى "وقف فوري" للأعمال القتالية في الإقليم، بما في ذلك فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، التي رعت خلال هذا العام محادثات سلام بين أذربيجان وأرمينيا، فيما اعتبرت أنقرة أن باكو "كانت مضطرة" للتحرك.
وأعربت أذربيجان عن استعدادها للحوار لإنهاء العملية التي وصفتها بـ"الضرورية" من أجل "استعادة النظام الدستوري" و"طرد تشكيلات عسكرية تابعة لأرمينيا" التي نفت أن لديها وجود عسكري بالمنطقة.
وقال المحقق المعني بحقوق الإنسان التابع للانفصاليين في إقليم ناجورنو قره باغ الثلاثاء، إن 25 سقطوا في الإقليم خلال عملية عسكرية تنفذها أذربيجان. وأضاف أن اثنين من الضحايا مدنيون. ولم يتسن لرويترز التحقق مما قال.
وقره باغ معترف بها دولياً جزءاً من أذربيجان، لكن سلطات انفصالية من عرقية الأرمن تدير منطقة منها وتقول إنها "وطن أجدادها"، فيما تسبب النزاع على المنطقة في نشوب حربين منذ سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 أحدثهما في عام 2020.
دعوات لوقف النار
بدوره، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الثلاثاء، إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء الأعمال العسكرية التي تقوم بها أذربيجان في ناجورنو قره باغ، داعياً باكو إلى "وقف فوري لإطلاق النار".
وأشار بلينكن في بيان إلى أن "هذه التصرفات تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل في ناجورنو قره باغ، وتقوض احتمالات السلام"، مضيفاً: "ندعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية، وإلى حوار محترم بين باكو وممثلي سكان ناجورنو قره باغ".
ودعت روسيا طرفي النزاع أذربيجان وأرمينيا إلى وقف "إراقة الدماء" في ناجورنو قره باغ، و"الامتثال لاتفاق وقف إطلاق النار"، فيما حضت باريس السلطات في باكو على وقف هذا الهجوم.
ولكن وزارة الخارجية التركية قالت في بيان، إن أذربيجان "اضطرت إلى اتخاذ إجراءاتها الخاصة" في منطقة ناجورنو قره باغ، بعد "عدم تهدئة مخاوفها".
"نزع سلاح تشكيلات أرمينية"
ولم يتضح ما إذا كانت خطوات أذربيجان ستؤدي إلى صراع واسع النطاق تنجرف له أرمينيا المجاورة أم أنها عملية عسكرية محدودة، لكن كانت هناك دلائل بالفعل على أن تداعيات سياسية ستحدث في يريفان حيث تحدث رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان عن دعوات للانقلاب ضده.
وقد يغير القتال التوازن الجيوسياسي في منطقة جنوب القوقاز التي تتقاطع فيها خطوط أنابيب نفط وغاز وحيث تسعى روسيا المنشغلة بحربها في أوكرانيا، إلى الحفاظ على نفوذها في مواجهة اهتمام أكبر من تركيا التي تقول أذربيجان إنها تدعمها.
وأمكن سماع دوي قصف متكرر في لقطات صورت في ستيباناكيرت عاصمة قره باغ التي تسمى خانكندي في أذربيجان، ونشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، الثلاثاء.
وأعلنت وزارة الدفاع في أذربيجان في بيان، عزمها "نزع سلاح تشكيلات القوات المسلحة الأرمنية وتأمين انسحابها من أراضينا، (و)تحييد بنيتها التحتية العسكرية".
وأشارت إلى أنها لا تستهدف إلّا الأهداف العسكرية المشروعة باستخدام "أسلحة عالية الدقة"، وليس المدنيين في إطار ما وصفتها بأنها حملة "لاستعادة النظام الدستوري لأذربيجان".
وأضافت أن المدنيين أحرار في المغادرة عبر ممرات إنسانية تشمل واحداً يؤدي إلى أرمينيا، فيما أعربت الرئاسة الأذربيجانية عن استعدادها للحوار و"عقد لقاء مع ممثلي السكان الأرمن القاطنين في المنطقة"، حسب ما أوردت وكالة الأنباء الأذربيجانية.
وقالت قوات عرقية الأرمن في قره باغ، إن "قوات أذربيجان تحاول اختراق دفاعاتها بعد قصف عنيف"، لكنها "لا تزال صامدة في الوقت الحالي".
إدانة أرمينية
وأدانت أرمينيا التي كانت تجري محادثات سلام مع أذربيجان تشمل المسائل المتعلقة بمستقبل قره باغ، ما وصفته "بالعدوان الشامل" من جانب باكو ضد شعب ناجورنو قره باغ، متهمةً أذربيجان بقصف بلدات وقرى.
وقال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الثلاثاء، إن بلاده "ليست منخرطة في الأعمال العسكرية ولا تحتفظ بأي وجود عسكري في ناجورنو قره باغ"، واصفاً الوضع على طول حدود أرمينيا بـ"المستقر نسبياً، مع عدم وجود تغييرات واضحة أو كبيرة في الوضع".
وحذر باشينيان من أن "الهدف الرئيسي والأساسي لهذه العملية هو جر أرمينيا إلى العمليات العسكرية"، مضيفاً أن "عدداً من وسائل إعلام أذربيجان ينشر تقارير كاذبة تفيد بأن القوات الأذربيجانية تستهدف الوحدات العسكرية لأرمينيا".
وقالت وزارة الخارجية الأرمينية في بيان، "انطلاقاً من الشعور بالحصانة، أعلنت أذربيجان مسؤوليتها عن العدوان".
ودعت أرمينيا، أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى المساعدة كما دعت قوات حفظ السلام الروسية في المنطقة إلى التدخل.
ودعت روسيا التي توسطت في وقف هش لإطلاق النار بعد الحرب في عام 2020، جميع الأطراف إلى وقف القتال.
واستعادت أذربيجان في نفس العام مساحات واسعة من الأراضي كانت قد خسرتها في صراع سابق في التسعينيات داخل قرة باغ وحولها.
اتصالات روسية وتعليق تركي
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الثلاثاء، إن "روسيا على اتصال بكل من أذربيجان وأرمينيا وحثت الطرفين على إجراء مفاوضات لحل الصراع في قره باغ"، مضيفاً أن موسكو "تعتبر ضمان سلامة المدنيين أهم قضية".
وقالت أرمينيا، إن روسيا مشتتة بسبب حربها في أوكرانيا لدرجة أنها لا تستطيع حماية أمنها واتهمت قوات حفظ السلام الروسية في قره باغ بالفشل في أداء مهمتها.
وفي المقابل، قالت وزارة الخارجية التركية، الثلاثاء، "نتيجة لمخاوفها المشروعة بشأن الوضع على الأرض، الذي أعربت مراراً أنه لم يهدأ منذ نحو 3 سنوات حين انتهت حرب قره باغ الثانية، اضطرت أذربيجان إلى اتخاذ التدابير التي تراها ضرورية على أراضيها السيادية".
واعتبرت الخارجية التركية أن "مواصلة المحادثات الشاملة بين أذربيجان وأرمينيا، السبيل الوحيد لتحقيق السلام والأمن والازدهار والاستقرار الدائم في المنطقة".
وعقدت الحكومة الأرمينية اجتماعاً لمجلس الأمن المحلي لمناقشة الوضع، في حين تجمع سكان في المنطقة الحكومية في العاصمة يريفان لمطالبة السلطات باتخاذ الإجراءات اللازمة.
وأعلنت أذربيجان العملية، بعدما صرحت بأن 6 من مواطنيها لقوا حتفهم في انفجار لغمين أرضيين في واقعتين منفصلتين في قره باغ، متهمة "جماعات مسلحة أرمنية غير شرعية" بزرعهما، في حين وصفت أرمينيا هذه الاتهامات بـ"الكاذبة".
وحدث التصعيد بعد يوم من توصيل شحنات أغذية وأدوية تشتد الحاجة إليها إلى قره باغ عبر طريقين على نحو متزامن، وهي خطوة بدت أنها قد تساعد في تخفيف التوتر المتصاعد بين أذربيجان وأرمينيا.
وكانت أذربيجان حتى الأيام القليلة الماضية تفرض قيوداً صارمة على ممر لاتشين، الطريق الوحيد الذي يربط أرمينيا بقره باغ والذي لم يُسمح باستخدامه حتى الأيام القليلة الماضية في إدخال المساعدات على أساس أنه يستخدم في تهريب أسلحة.
وقالت يريفان، إن تصرفات باكو "غير قانونية" وتسببت في "كارثة إنسانية"، وهو ما تنفيه أذربيجان، كما ذكرت وزارة الخارجية الأرمينية، الاثنين، أن "الموقف الدبلوماسي لأذربيجان يبدو وكأنه يمهد الطريق لتصعيد عسكري".