عبر أكثر من ثلاثة أرباع الأرمن من إقليم ناجورنو قره باغ الانفصالي، والبالغ عددهم 120 ألفاً، إلى أرمينيا بحلول عصر الجمعة، إثر سيطرة أذربيجان على الإقليم التابع لها، في نزوح جماعي أسرع من المتوقع، وسط تبادل للاتهامات بين باكو ويريفان بتنفيذ "تطهير عرقي" على أراضي البلدين.
وأفادت وكالة الأنباء الأرمينية بأن 97 ألفاً و735 شخصاً دخل إلى أرمينيا عند حدود الساعة الساسة مساءاً، قادمين من إقليم قره باغ، فيما رجحت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن يرتفع العدد الإجمالي إلى 120 ألفاً، داعية إلى تقديم الدعم في الوقت الذي تكافح فيه السلطات للتعامل مع تدفق اللاجئين.
وغادر أغلب الأرمن إقليم قره باغ منذ أن شنت أذربيجان، هجوماً خاطفاً الأسبوع الماضي، فيما أعلنت الرئاسة الأذربيجانية أنها "ستسمح لخبراء من الأمم المتحدة بزيارة قره باغ خلال الأيام القليلة المقبلة".
وقالت ممثلة المفوضية الأممية في أرمينيا، كافيتا بيلاني، خلال مؤتمر صحافي، إن "حشوداً ضخمة من الأشخاص المتعبين والخائفين يتجمعون في مراكز التسجيل"، مضيفةً أن "هذا هو الوضع الذي عاشوا فيه خلال 9 أشهر من الحصار، وعندما وصلوا كان يعتصرهم الشعور بالقلق والخوف ويريدون إجابات".
ورداً على سؤال بشأن أعداد اللاجئين، أكدت بيلاني، جهوزية المفوضية لـ"التعامل مع ما يصل إلى 120 ألفاً، ومن الصعب التكهن بالأعداد التي ستصل في هذه المرحلة".
وأشار مسؤول آخر بالمفوضية، إلى أن "الأطفال يمثلون ما يقرب من ثلث اللاجئين"، فيما اعتبرت المديرة الإقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" ريجينا دي دومينيسيس، أن "مصدر القلق الرئيسي بالنسبة لنا هو أن العديد منهم، انفصلوا عن أسرهم".
وشدد ممثل الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، هشام دياب، على الحاجة الكبيرة لـ"دعم الصحة النفسية للاجئين".
من جهتها، أعلنت نازيلي باغداسريان، المتحدثة باسم رئيس الوزراء الأرميني في بيان، أوردته وكالة الأنباء الرسمية، الجمعة، أن "عدد النازحين قسراً الذين وصلوا إلى أرمينيا من قره باغ، بلغ 97 ألف و735 نازح بحلول الساعة السادسة مساءً".
اتهامات متبادلة بـ"التطهير العرقي"
واتهم الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الجمعة، أرمينيا بالقيام بـ"تطهير عرقي، واحتلال، وتدمير الأراضي"، قائلاً إنه "خلال 30 عاماً، نزح أكثر من مليون أذربيجاني من ديارهم. وطُرِد أكثر من 200 ألف منهم من أراضي أرمينيا الحالية كما دمرت مدننا وقرانا".
وأضاف علييف، في كلمة له خلال منتدى اقتصادي في العاصمة باكو: "على مدى العقود الثلاثة الماضية، لم تسمح لنا قوات الاحتلال بالعودة"، لافتاً إلى إنفاق بلاده "7 مليارات دولار منذ حرب قره باغ الثانية (في عام 2020) على إعادة إعمار الأراضي المحررة"، معلناً "عودة أكثر من ألفي نازح سابق إلى ديارهم، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى 5500 بحلول نهاية العام الجاري".
جاء ذلك بعدما اعتبر رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، أن "تحليل الوضع يُظهر أنه لن يتبقى أرمن في قره باغ خلال الأيام المقبلة"، واصفاً ما يحدث بأنه "تطهير عرقي"، لكن باكو نفت هذا الاتهام قائلة إنها لا تُجبر الناس على المغادرة، مؤكدة العمل على إعادة دمج الإقليم سلمياً، وضمان الحقوق المدنية للأرمن.
في المقابل، يقول أرمن المنطقة الانفصالية، إنهم لا يثقون في هذا الوعد، ويدفعهم إلى ذلك، تاريخ طويل من إراقة الدماء بين الجانبين، بما في ذلك حربان منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
انتقادات أوروبية
وحمل الاتحاد الأوروبي، الجمعة، أذربيجان مسؤولية "النزوح الجماعي" للأرمن من إقليم قره باغ الذي جاء نتيجة "العملية العسكرية التي شنتها" مؤخراً في الإقليم.
وقال التكتل الأوروبي في بيان، إن السكان "يفرون" من منازلهم في الإقليم إلى أرمينيا بعد إغلاق دام شهوراً لممر لاتشين، وهو طريق جبلي قصير يربط أرمينيا بالمناطق المأهولة بالأرمن في الإقليم.
وشدد على ضرورة "استمرار الدعم الإنساني دون عوائق لأولئك الذين ما زالوا بحاجة إليه في قره باغ، وكذلك لأولئك الذين غادروا"، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي يدعم عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تسهيل الإجلاء العاجل للجرحى والمرضى، وتوفير المساعدة الطارئة.
كما شدد البيان الأوروبي، على أن أذربيجان تتحمل أيضاً "مسؤولية ضمان حقوق وأمن أرمن قره باغ، بما في ذلك حقهم في العيش في منازلهم بكرامة دون تخويف أو تمييز، وكذلك حق العودة للنازحين"، داعياً إلى ضرورة أن تتمكن بعثة تابعة للأمم المتحدة من الوصول إلى الإقليم خلال الأيام المقبلة.
استمرار المفاوضات
وأعلنت وكالة الأنباء الأذربيجانية عقد اجتماع ثالث في مدينة يفلاخ بين رامن محمدوف المسؤول الأذربيجاني عن الاتصال مع السكان الأرمن لقره باغ وممثلي السكان الأرمن للإقليم، مشيرةً إلى أنه ركز على "مسائل إعادة دمج السكان الأرمن في قره باغ على أساس دستور أذربيجان وقوانينها، ومسائل إعادة بناء البنية التحتية وتنظيم نشاطها".
من جهته، اعتبر المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، الذي رعت بلاده اتفاق وقف إطلاق النار في الإقليم، أن مسألة توقيع "معاهدة سلام" بين أرمينيا وأذربيجان "لا تزال قائمة" رغم حل الحكومة في قره باغ.
وأشار بيسكوف في تصريحات للصحافيين، الجمعة، إلى أن "هناك بالطبع خطط لتطوير اتصالات النقل والخدمات اللوجستية في المنطقة. وهذا مهم للغاية بالنسبة لأذربيجان وأرمينيا وروسيا"، معرباً عن أمله في "أن يستمر هذا العمل".
وأُجريت جولتان من المحادثات بين الجانبين الأولى في يفلاخ والثانية في خوجالي، فيما عملت القوات الأذربيجانية مع قوات حفظ السلام الروسية على جمع أسلحة الانفصاليين.
حل حكومة الإقليم
وكان أرمن إقليم ناجورنو قره باغ، أعلنوا، الخميس، حل حكومتهم الانفصالية التي دافعوا عنها لثلاثة عقود، مشيرين في بيان إلى أن "جمهورية أرتساخ" (ناجورنو قره باغ) المعلنة من جانب واحد، ستختفي بحلول يناير المقبل.
وبالنسبة لأذربيجان ورئيسها إلهام علييف، فإن النتيجة هي استعادة السيادة على جزء من أراضيها كان يحظى باعتراف دولي.
ومع ذلك، كان هناك حكماً ذاتياً لسكان هذه الأراضي من الأرمن، بعد حرب خاضوها في تسعينيات القرن الماضي، بدعم من أرمينيا.
وبين عامي 1988 و1994 طُرد نحو نصف مليون أذربيجاني من قره باغ والمناطق المحيطة بها من بيوتهم، بينما دفع الصراع نحو 350 ألف أرمني لمغادرة أذربيجان و186 ألف أذربيجاني لمغادرة أرمينيا، بحسب الباحث والمحلل القوقازي توماس دي وال.
وتمتعت منطقة ناجورنو قره باغ خلال العهد السوفيتي بحكم ذاتي داخل أذربيجان، التي كانت بدورها جمهورية سوفيتية، لكن مع انهيار الاتحاد السوفيتي نشبت أول حرب بسبب قره باغ، ولقي نحو 30 ألفاً مصرعهم بين عامي 1988 و1994، بينما نزح أكثر من مليون شخص أكثر من نصفهم من الأذربيجانيين.
وفي 2020، تمكنت أذربيجان من استعادة السيطرة على مساحات من الأراضي في قره باغ وحولها، في حرب استمرت 44 يوماً، مما مهّد الطريق للعملية العسكرية الأخيرة التي نفذتها الأسبوع الماضي، لفرض سيطرتها الكاملة على المنطقة.