أعلن رئيس صربيا ألكسندر فوتشيتش، أن بلاده ستحقق في اشتباكات اندلعت بالأسلحة النارية داخل دير بشمال كوسوفو، الأحد الماضي، نافياً تورط حكومته، فيما حذرت رئيسة كوسوفو من "نموذج شبه جزيرة القرم"، والتي ضمتها روسيا من أوكرانيا في عام 2014، مشددة على أنها "ستدافع عن سيادتها".
واشتبكت شرطة كوسوفو مع نحو 30 من الصرب المسلحين الذين تحصنوا في دير أرثوذكسي في قرية بانجسكا لعدة ساعات، الأحد الماضي، ما أدى إلى مصرع 3 من المهاجمين وضابط شرطة من كوسوفو.
وأضاف فوتشيتش في تصريحات أوردتها "بلومبرغ"، الخميس، أن بلجراد "تدين مصرع الشرطي"، مؤكداً أنها "ستبدأ إجراءات أمام الهيئات القضائية المختصة وستحقق مع المشتبه بهم".
وتعهد فوتشيتش بفتح تحقيقات في مصدر الأسلحة التي ضبطتها شرطة كوسوفو بعد الحادث، حسبما أكد في مقابلة مع "رويترز"، حيث عثرت على مخبأ للأسلحة قالت إنها تبلغ قيمتها 5 ملايين يورو وتكفي لمئات المقاتلين، إذ يحتوي على بنادق هجومية ومدافع رشاشة وقاذفات صواريخ مضادة للدبابات وقنابل يدوية وألغام أرضية ومسيرات.
ونفى فوتشيتش، في المقابلة، مزاعم رئيسة كوسوفو، فيوسا عثماني، بأن بلجراد هي مَن حرضت على أعمال العنف الأخيرة، التي لم تعلن حتى الآن أي جهة مسؤوليتها عنها أو توضح دوافع المسلحين، قائلاً إن صربيا "لن تستفيد من هذا الوضع، لأنه سيعرض موقفها في المحادثات التي يرعاها الاتحاد الأوروبي مع بريشتينا للخطر".
واتهم الرئيس الصربي، شرطة كوسوفو، بإطلاق النار على رأس أحد المسلحين من مسافة متر بعد استسلامه، ما أسفر عن مصرعه، واصفاً ما حدث بأنه "عملية إعدام".
ولم يعلق الرئيس الصربي على مطالب كوسوفو بتسليم ميلان رادويتشيتش، أحد كبار السياسيين من صرب كوسوفو، والذي كان حاضراً أثناء الاشتباكات، بحسب السلطات في بريشتينا، ولكنه أشار إلى أنه سيتم استدعائه من قبل المدعي العام للتحقيق معه.
وأكد فوتشيتش، أن رادويتشيتش، الذي له علاقات مع كبار المسؤولين في صربيا ويخضع لعقوبات أميركية تتعلق باتهامات بالجريمة المنظمة، لم يُصب بأذى في الاشتباكات وموجود في مكان غير محدد بوسط صربيا.
وتابع: "لا مبرر لقتل شرطي أو أي شخص آخر، وتصاعد التوتر لم يجلب شيئاً جيداً لصربيا وسيتم محاسبة مرتكبي العنف، فرادويتشيتش يعتبر نفسه مناضلاً من أجل الحرية، ولكن هناك أشياء وأسئلة سيتعين عليه الإجابة عليها".
وأضاف أن السلطات الصربية، تريد المشاركة في التحقيق الذي يقوده مسؤولون من كوسوفو، إلى جانب قوات حفظ السلام التي يقودها حلف شمال الأطلسي "الناتو".
انتقادات صربية ودعوات للحوار
واتهم فوتشيتش، رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، بالسعي إلى طرد الصرب من البلاد، وعرقلة عملية التوصل إلى حل وسط، الأمر الذي يعد ضرورياً لإصلاح العلاقات بين بلجراد وبريشتينا، قائلاً: "سبب كل المشكلات في كوسوفو هو ألبين كورتي، فهو الذي تسبب في كل هذا".
وأوضح أن رفض كورتي تشكيل رابطة للبلديات الصربية، الهيئة التي ستضمن لصرب كوسوفو المزيد من الحكم الذاتي بموجب أحكام اتفاق عام 2013 بين بلجراد وبريشتينا، قد أجج التوترات التي أدت إلى أعمال العنف في بانجسكا.
وقال فوتشيتش:"بالنسبة لنا فإن، الوضع في كوسوفو يبدو مروعاً بشكل واضح، ولكن علينا أن نكون مع شعبنا ونحاول الحفاظ على السلام، فالحل دائماً ما يكون عن طريق الحوار".
وكان كورتي قد أكد مراراً وتكراراً أن وجود مثل هذه الرابطة سيمكن المناطق ذات الأغلبية الصربية من الانفصال والانضمام إلى صربيا.
في المقابل، رد فيتون الشاني، نائب القائد الإقليمي لشمال كوسوفو على اتهامات الرئيس الصربي، قائلاً: "هذا هراء، ضباطنا لا يفعلون مثل هذه الأشياء أبداً، وقمنا بتقديم الإسعافات الأولية لأحد المسلحين الذين قمنا باعتقالهم لإنقاذ حياته بعد إصابته".
كوسوفو: سندافع عن سيادتنا
بدورها اتهمت رئيسة كوسوفو، صربيا ورئيسها، بالوقوف وراء تبادل إطلاق النار الأخير بين المسلحين وشرطة بريشتينا، وقالت لـ"رويترز" في مقابلة أجرتها الخميس: "كوسوفو تتعرض للهجوم"، مضيفة أن "المجموعة المسلحة نفذت نوايا ودوافع صربيا كدولة وفوتشيتش كزعيم".
وتابعت: "لا يزال لدى صربيا مطالب إقليمية ضد كوسوفو، فهي تعمل على التوصل لنموذج مماثل لشبه جزيرة القرم من خلال إثارة التوترات في شمال كوسوفو، حيث لا يزال نحو 50 ألف صربي محلي يعتبرون بلجراد عاصمتهم ويرفضون حكم بريشتينا".
وأردفت: "ما أود قوله للرئيس فوتشيتش، هو أنه يجب التوقف عن العبث بكوسوفو، لأنها ستدافع عن حريتها واستقلالها وسيادتها بأي ثمن، فهم يحاولون تنفيذ نموذج شبه جزيرة القرم في جمهورية كوسوفو لكننا لن نسمح بحدوث ذلك على الإطلاق، وسندافع عن كل شبر من أراضينا".
وحذرت عثماني، من إمكانية تكرار هجمات مماثلة مستقبلاً، مطالبة المجتمع الدولي ببذل كل ما في وسعه لمنع صربيا من دعم مثل هذه الجماعات.
وقالت: "أشعر بقلق بالغ من تكرار مثل هذه الهجمات أو حتى هجمات أخرى على نطاق أوسع في المستقبل، حال لم يتم إدانة صربيا على هذا العمل الإرهابي العدواني".
ورأت عثماني، أن المحادثات بين الجانبين "لا يمكن أن تستمر بالشكل الذي كانت عليه من قبل"، قائلة: "لم يعد الوضع بشكله المعتاد إطلاقاً، لقد كنا ضحايا عدوان صربيا ويجب على الجميع التعامل مع الأمر على هذا النحو، وكذلك في تعاملهم معها من الآن فصاعداً".
وكانت حكومة كوسوفو قد نشرت ما قالت إنها "حقائق" تُظهر أن المجموعة المسلحة تلقت تدريباً وتسليحاً ودعماً من حكومة بلجراد وأجهزتها الأمنية.
أسباب الخلاف
جاء استقلال إقليم كوسوفو ذي الغالبية الألبانية في 17 فبراير 2008، بعد نحو عقد من انتفاضة مسلحة ضد صربيا. ويعترف بكوسوفو أكثر من 100 دولة.
ومع ذلك، لا تزال صربيا تعتبر كوسوفو رسمياً جزءاً من أراضيها. وتتهم صربيا، الحكومة المركزية في كوسوفو بالتعدي على حقوق الصرب، لكنها تنفي الاتهامات بإثارة الصراع داخل حدود جارتها.
ويشكل الصرب 5% من سكان كوسوفو، البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة، في حين يشكل الألبان 90% تقريباً. ويُعَبّر نحو 50 ألف صربي في شمال كوسوفو، على الحدود مع صربيا، عن رفضهم لكوسوفو برفض دفع تكاليف الطاقة التي يستخدمونها للدولة، وكثيراً ما يهاجمون الشرطة إذا حاولت إلقاء القبض على أحدهم.
ويحصل جميع الصرب على امتيازات من ميزانية صربيا، ولا يدفعون أي ضرائب سواء لبريشتينا أو بلجراد.
تفاقم الوضع
وتصاعدت حدة الاضطرابات عندما تولى رؤساء البلديات من أصل ألباني، مناصبهم في المنطقة ذات الغالبية الصربية في شمال كوسوفو، بعد انتخابات قاطعها الصرب في أبريل الماضي، وهي الخطوة التي دفعت الولايات المتحدة وحلفاءها إلى توبيخ بريشتينا. وفي ديسمبر الماضي، أقام صرب شمال كوسوفو عدة حواجز على الطرق، وتبادلوا إطلاق النار مع الشرطة، بعد إلقاء القبض على شرطي صربي سابق، بزعم اعتدائه على أفراد شرطة في الخدمة خلال احتجاج.
ويتصاعد التوتر منذ أشهر بسبب خلاف يتعلق بلوحات ترخيص السيارات. وتريد كوسوفو منذ سنوات من الصرب في الشمال أن يغيروا لوحات سياراتهم الصربية، التي يعود تاريخها إلى حقبة ما قبل الاستقلال، إلى تلك الصادرة عن بريشتينا، ضمن سياستها الرامية إلى بسط سيطرتها على كامل أراضي كوسوفو.
وفي يوليو الماضي، أعلنت بريشتينا مهلة شهرين لتبديل اللوحات، مما أثار اضطرابات، قبل أن توافق لاحقاً على تأجيل موعد التنفيذ إلى نهاية 2023.
واحتجاجاً على التحول الوشيك، استقال رؤساء بلديات من العرق الصربي في الشمال، بالإضافة إلى قضاة و600 فرد شرطة في نوفمبر من العام الماضي، مما أحدث خللاً في عمل المؤسسات وأثار فوضى في المنطقة.
ولا يعترف نحو 50 ألف صربي يعيشون في شمال كوسوفو بمؤسسات بريشتينا، ويعتبرون بلجراد عاصمتهم، وكثيراً ما اشتبكوا مع شرطة كوسوفو وقوات حفظ السلام الدولية، لكن أعمال العنف التي وقعت الأحد الماضي كانت الأسوأ منذ سنوات، بحسب "رويترز".