كما كان الحال في المناظرة الرئاسية الأولى للجمهوريين، لم تؤد الجولة الثانية إلى تغيير في مسار السباق أو تقليص تقدم الرئيس السابق دونالد ترمب على منافسيه الآخرين الذين جاء أداؤهم على خشبة المسرح، مساء الأربعاء، كأنهم في منافسة على لقب الرجل الثاني.
واتفق خبراء ومحللون تحدثوا لـ"الشرق"، على أنه لا يوجد شخص في الحزب الجمهوري يتمتع بـ"كاريزما ترمب"، مشددين على حاجة الحزب إلى إعادة التفكير في "وجه المنظمة"، كما أشاروا إلى أن "المناظرتين تظهران إلى أي مدى أصبحت رسالة الحزب غير متماسكة وغير متسقة منذ عام 2020".
ورغم تحول مسرح المناظرة إلى ساحة اشتباكات شخصية بين المتنافسين وسط تجاهل أسئلة وقضايا هامة، اتفق المحللون على أن السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي كانت أبرز من تركت انطباعات جيدة بعد المناظرة، لكنها، مع ذلك، لم ترق لتكون بديلاً حقيقياً لترمب.
عزوف عن المشاهدة
قرر ترمب الغياب مرة أخرى عن الحدث الجمهوري، ومع ذلك أظهر استطلاع رأي بعد المناظرة التمهيدية الثانية للحزب، أجرته شركة "إبسوس" لأبحاث السوق واستطلاعات الرأي وصحيفة "واشنطن بوست" وشركة البيانات "538"، أن الناخبين الجمهوريين الأساسيين الذين شاهدوا المناظرة يشعرون أن أداء رون ديسانتيس هو الأفضل، يليه فيفيك راماسوامي ونيكي هايلي، وذلك رغم أن المزيد من الناخبين الأساسيين يفكرون في التصويت لصالح الرئيس السابق.
وأُجري الاستطلاع على مرحلتين من 19 إلى 28 سبتمبر الجاري. وشملت المرحلة الأولى قبل المناظرة عينة عشوائية من 5002 ناخب جمهوري محتمل، إلا أن العينة انخفضت في المرحلة الثانية بعد المناظرة إلى 2262 شخصاً، شاهد منهم 703 فقط المناظرة كاملة، ما قد يفسر انخفاض نسب المشاهدة، إذ شاهدها فقط قرابة ثلث الناخبين الجمهوريين المحتملين، حتى أن بعض الخبراء السياسيين اعتذروا لـ"الشرق"، عن إبداء آرائهم في المناظرة الثانية للجمهوريين بسبب عزوفهم عن المشاهدة.
وتصدر ترمب خيارات المشاركين في الاستطلاع، إذ قال 63% من الناخبين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية، بعد المناظرة، إنهم يفكرون في التصويت لصالحه.
"مشهد محزن"
واتسمت المناظرة الجمهورية الثانية بالفوضى، إذ بدا المرشحون أكثر اهتماماً بالتحدث مع بعضهم البعض عن الإجابة على الأسئلة المطروحة عليهم.
ومن بين ثلث الناخبين الجمهورين الذين شاهدوا المناظرة، لم يكمل المشاهدة حتى النهاية سوى 14%، وهو ما يستند إليه الخبير السياسي كايل كونديك، مدير تحرير نشرة مركز السياسة بـ"جامعة فيرجينيا" حول الحملات الأميركية والانتخابات، في قوله إن المناظرة لم تكن ملحوظة للجمهور، ولا ناجحة لأي من المرشحين.
وأكد كونديك لـ"الشرق"، أن جميع المرشحين يتخلفون كثيراً عن دونالد ترمب، بفارق يصل إلى أكثر من 40 نقطة، "ولا أعتقد أنه كان هناك أي شيء في المناظرة من شأنه أن يغير ذلك".
ويصف الخبير السياسي بيتر كوزنيك، مدير معهد الدراسات النووية بـ"الجامعة الأميركية في واشنطن"، المشهد على مسرح المناظرة بأنه كان محزناً للغاية.
ويوضح كوزنيك لـ"الشرق"، أن المناظرة الجمهورية أظهرت إلى أي مدى سقط الحزب الجمهوري مع صراخ المرشحين على بعضهم البعض لدرجة تجعل المتابع لا يستطع فهم أو سماع ما يقولونه، متجاهلين محاولات المستضيفين استعادة النظام، في سبيل شن هجمات شخصية على بعضهم البعض، "كان المشهد محزناً بالفعل".
ويعتقد كوزنيك أنه لم يكن هناك فائزون، بل خاسرون فقط، وأضاف أن "الخاسر الأكبر كان الشعب الأميركي".
وأشار إلى انتقاد نيكي هايلي لراماسوامي، حين قالت إنها "تشعر بالغباء في كل مرة يفتح فيها فمه"، معتبراً أن هذا الانتقاد "الذي لا ينسى" هو الطريقة التي أثر بها النقاش برمته على الجمهور الأميركي، مشدداً على أن الأمر "كان برمته محزناً".
نيكي هايلي.. الأكثر عقلانية
واحتلت نيكي هايلي المرتبة الثانية كأقوى مناظرة بحسب تصنيف 18% من الناخبين الجمهوريين في استطلاع "إبسوس" و"واشنطن بوست". ويتقدم عليها رون ديسانتيس، إذ قال 33% من الناخبين الجمهوريين المحتملين الذين شاهدوا المناظرة إن أداءه كان الأفضل.
ومع أن تأثير هايلي في المناظرة الأولى كان أقوى من الثانية، إلا أنها حرصت أن تكون حاضرة في المناظرة الثانية من خلال التحدث عن تأثير التضخم على العمال وحقوق الملكية الفكرية والصين.
واتفق الخبراء السياسيون على أن هايلي قدمت أفضل الانطباعات، وذلك بالرغم من تأخرها عن رون ديسانتيس في استطلاعات الرأي.
ويقول الباحث السياسي ومستطلع الآراء الانتخابية زاك مكيري إن نيكي هايلي مرت ببعض اللحظات التي لا تنسى للمناظرة الثانية على التوالي، معتبراً أن ذلك قد يمنح حملتها فرصة للانفصال عن بقية المجموعة لتصبح البديل الأقوى لترمب، لكنه استدرك: "لكن من المحتمل أن تظل في المركز الثاني بعيداً عن الرئيس السابق حتى لو بدأت في اكتساب الزخم".
من جانبه يفترض كوزنيك أنه في حال اضطراره إلى اختيار فائز في المناظرة، فستكون نيكي هايلي، "التي تحاول على الأقل وضع نفسها كشخص بالغ في الغرفة". لكنه يأخذ عليها أنها أمضت الكثير من وقتها في إهانة راماسوامي وتيم سكوت.
ويعتقد كوزنيك أن هايلي الأكثر عقلانية عندما يتعلق الأمر بالإجهاض، لكنها أيضاً الأكثر تشدداً عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، مضيفاً: "في كثير من النواحي، هي وبنس وكريستي وسكوت من الجمهوريين التقليديين الذين يؤمنون بالحد من الانفاق باستثناء الجيش".
ويتفق أستاذ العلوم السياسية في "كلية إيثاكا" كارلوس فيجيروا، مع سابقيه في أن نيكي هايلي يمكن أن يُطلق عليها الفائزة بعد المناظرة الثانية، مرجعاً السبب إلى أنها "بدت أكثر ذكاءً واستعداداً لقيادة الحزب الجمهوري".
وعلى الرغم من اختياره هايلي، يقول فيجيروا لـ "الشرق"، إن ذلك لا يعني الكثير داخل حزب لا يهتم بالنساء، "يمكن القول إن المرشحين الآخرين، على نحو مثير للسخرية، انخرطوا فيما يمكن أن نطلق عليه -التنظير الذكوري- وإهانة بعضهم البعض".
وتابع: "كانت هناك بعض اللحظات القصيرة التي يمكن فيها التمييز بين وجهات نظر المرشحين، وكانت لحظات مستقطعة من مباريات الصراخ التي استمرت لساعتين، وبين المشرفين الثلاثة الذين لم يتمكنوا من السيطرة على المناقشة بشكل عام".
ترمب.. الفائز الوحيد
لم يشارك ترمب في المناظرة التمهيدية الرئاسية الثانية للجمهوريين، بالضبط كما فعل في الأولى. وأصدرت حملته، عقب انتهاء المناظرة الثانية، بياناً دعت فيه الحزب الجمهوري إلى وقف تنظيم أي مناظرات مستقبلاً، وتركيز الهجوم على الرئيس الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات العامة.
وجاء في بيان حملة ترمب الذي صاغه كبير مستشاريها كريس لاسيفيتا: "كانت مناظرة الحزب الجمهوري الليلة مملة وغير ذات أهمية مثل المناظرة الأولى، ولن يغير أي شيء مما قيل ديناميات المنافسة التمهيدية التي يهيمن عليها الرئيس ترمب".
ويحكم ترمب قبضته بالفعل على ناخبي الحزب الجمهوري، مع تقدمه عن أقرب منافسيه من 40 إلى 50 نقطة مئوية، وهو ما يجعل أستاذ العلوم السياسية ودراسات الاتصال في جامعة "ميشيجن" مايكل تراجوت، يقر بأنه لا يوجد أحد في تلك المجموعة يستطيع منافسة الرئيس السابق، "إنهم يعيشون في عالم مختلف بدون دونالد ترمب".
ويقول تراجوت لـ "الشرق" إن المناظرة لم تغير المشهد، موضحاً أنه "إذا كان تعريف الفائز يعني تقليص الأفضلية التي يتمتع بها دونالد ترمب بين الناخبين الجمهوريين المحتملين في الانتخابات التمهيدية، فليس هناك فائز".
من جانبه، يذهب الباحث السياسي زاك مكيري إلى أن المناظرة الثانية ساعدت ترمب أكثر "لأنه لا يبدو أن أياً من المرشحين الآخرين ينفصل عن المجموعة أو يسد الفجوة مع ترمب".
وهو ذات الرأي الذي يتبناه أستاذ العلوم السياسية في "كلية إيثاكا" كارلوس فيجيروا، مؤكداً أن المناظرة الثانية عززت ترشيح ترمب، "لأن الحزب ليس لديه بديل حقيقي، وبدا أداء المرشحين الآخرين وكأنهم يتسابقون على دور نائب الرئيس".
ويستدعي الخبير السياسي، مدير معهد الدراسات النووية بـ"الجامعة الأميركية في واشنطن" بيتر كوزنيك، أعباء ترمب القانونية ومواجهته 91 تهمة جنائية، قائلاً إنه "مع ذلك لا يزال متقدماً في استطلاعات الرأي".
ويشير كوزنيك إلى أنه "إذا كان هناك فائز وحيد، فالأكيد أنه ترمب"، وأضاف: "على الرغم من أن كريستي وآخرين هاجموه، إلا أنه لم يلوث نفسه بالوقوع في الحضيض مع المرشحين الآخرين والاضطرار إلى الرد على سخرياتهم".
ديسانتيس.. عالق في الحياد
قبل المناظرة تعرض رون ديسانتيس إلى ضغط هائل من حلفائه بسبب أدائه الباهت في المناظرة الأولى، ومطالبته بإمساك زمام الأمور في المناظرة الثانية أو الانسحاب من السباق الانتخابي، خاصة بعد فقده دعم المانحين خلال الأشهر الأخيرة وتأكيدهم على الانصراف إلى مرشح آخر.
وكشف استطلاع "إبسوس" و"واشنطن بوست" و"538"، أن 33٪ من الناخبين الجمهوريين المحتملين وجدوا أن أداء ديسانتيس هو الأفضل، وأن 48% من الناخبين المستقلين الذين من المرجح أن يصوتوا في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري يفكرون في رون ديسانتيس.
وفي الوقت الذي يرى مكيري ارتفاعاً طفيفاً في شعبية ديسانتيس، يؤكد أنه لا يوجد أمل واقعي له، مرجعاً السبب إلى أن حملته "لا تزال عالقة في الحياد".
ويضيف مكيري أنه لم يمض وقت طويل حتى كان يُعتقد أن ديسانتيس أقوى بديل لترمب، لكنه خسر شعبيته طوال الحملة الانتخابية بأكملها تقريباً.
ويتفق كوزنيك مع مكيري، قائلاً إن "ديسانتيس فشل مرة أخرى في تمييز نفسه مع استمرار تراجع حملته، إنه يبحث بشدة عن شخصية الرئيس، ويبدو محرجاً وفي غير محله".
موقف مشابه
في عام 1999 تقدم جورج بوش الابن في استطلاعات الرأي على إليزابيث دول، قرينة بوب دول المرشح الأسبق عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بنسبة 62٪ إلى 10٪ بين الجمهوريين المسجلين، بفارق 52 نقطة. وفي عام 2000 ربح جورج دبليو بوش ترشيح الحزب الجمهوري والرئاسة بعد ذلك.
يتشابه ذلك الأمر إلى حد كبير مع وضع ترمب الحالي الذي يتقدم عن أقرب منافس له، رون ديسانتيس، بفارق يصل إلى 51 نقطة، بحسب "مورنينج كونسيلت".
ووجد الاستطلاع، الذي أجري في 28 سبتمبر، أن 63% من الناخبين الجمهوريين الأساسيين المحتملين يدعمون ترمب لترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة لعام 2024، ارتفاعاً من 58% في استطلاع سابق صدر، عن نفس المؤسسة الاثنين قبل المناظرة. وقابل ارتفاع معدلات دعم ترمب انخفاضاً في قبول حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، الذي انخفض دعمه من 15% إلى 12% بعد المناظرة الثانية.
ولم ترق معدلات قبول باقي المرشحين، فيفيك راماسوامي ومايك بنس وكريس كريستي وتيم سكوت، إلى الحد الذي يسمح بالمنافسة مع الرئيس السابق.
"الجميع خاسرون"
ويدفع ذلك كونديك إلى القول إن "الجميع خسروا، وإذا كان الهدف هزيمة ترمب، فلم أر أحداً يتقدم بجهوده في هذا الصدد".
ويعقب كوزنيك على أداء المرشحين، قائلاً إن راماسوامي كان يتعرض لهجوم مستمر من قبل زملائه الجمهوريين، وتم التعامل معه بشكل سيء، وقوطع باستمرار، ورأى أن بنس "جاء بأسوأ جملة في الليل عندما تحدث عن النوم مع زوجته. حملته لن تذهب إلى أي مكان".
ويرى كوزنيك أن المرشحين الجمهوريين خائفين بشكل كبير من ترمب وشعبيته لدرجة تمنعهم من التحدث عن الجرائم التي ارتكبها ووصفه بما يليق به، وتابع: "بدلاً عن ذلك يواصلون الحديث فقط عن الأشخاص الذين يأتون بشكل غير قانوني إلى البلاد لتحقيق حياة أفضل لأنفسهم، أو الأشخاص الذين يسرقون من المتاجر، وليس الجرائم التي ارتكبها دونالد ترمب".
ويؤكد كوزنيك أنه "لا أحد منهم يستطيع منافسة ترمب"، واعتبر أن "الناخبين الجمهوريين اتخذوا خيارهم بالفعل، إنهم يريدون ترمب ولا يمانعون في أنه يحتقر الديمقراطية ولا يهتم إلا بالسلطة ونرجسي ويتبنى أفكاراً فاشية، على الرغم من أنه يكون منطقياً في بعض الأحيان فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ولكن عادةً لأسباب خاطئة".
مشكلة في الحزب الجمهوري
ويلخص كوزنيك جوهر المشكلة المتمثلة في إيجاد بديل لترمب في قوله "الحزب الجمهوري بأكمله، ليس لديه برنامج، ولا رغبة في الحكم، ولا معتقدات تتجاوز التفوق الأبيض، وأصبح الآن مفلساً للغاية لدرجة أنه لم يعد هناك أي شخص تقريباً يمكنه أن يصبح مرشحاً كفأً يستطيع أيضاً جذب القاعدة الجمهورية المناهضة للديمقراطية".
ويتفق فيجيروا مع وجهة نظر كوزنيك في أنه لا يوجد أي شخص في الحزب الجمهوري يتمتع بكاريزما أو جاذبية ترمب رغم مواجهته العديد من التهم القانونية والتي من المفترض أن تمنعه من أن يكون المرشح الأوفر حظاً للحزب الجمهوري.
ويقول فيجيروا إن الحزب الجمهوري يحتاج إلى إعادة التفكير فيما يريد دعمه ومن يجب أن يكون الوجه الوطني للمنظمة، مشدداً على أن "المناظرتين تظهران لنا إلى أي مدى أصبحت رسالة الحزب الجمهوري غير متماسكة وغير متسقة منذ عام 2020".