على مدى عدة أعوام ظل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يسعى للمحافظة على استمرار ما أسماها بـ"العلاقات المعقدة" مع الكرملين، إذ حافظ على علاقات ودية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن يبدو أن عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة حماس في 7 أكتوبر الجاري على بلدات في محيط قطاع غزة، أنهت حالة "الوفاق الشائك" التي كانت موجودة بين روسيا وإسرائيل، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
واعتبرت الصحيفة في تقرير نشرته الأحد، أن "الفوضى الحالية" في قطاع غزة، تُساعد موسكو على الشعور بالراحة مع تحول تركيز الولايات المتحدة من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة إنه حتى الغزو الروسي لأوكرانيا وعلاقات موسكو الودية مع طهران المنافس اللدود لتل أبيب، فشلت في قلب التعاون بين روسيا وإسرائيل، إذ ظل بوتين ونتنياهو على اتصال عبر الهاتف، وأعلن الأخير عن تبنيه لنهج عدم الانحياز في التعامل مع الحرب في أوكرانيا، رافضاً تقديم المساعدات الفتاكة أو أنظمة الدفاع الجوي لكييف رغم الضغوط الغربية.
لكن بعد الهجوم المباغت الذي شنه مقاتلو "حماس" على إسرائيل، يبدو أن المحادثات بين موسكو وتل أبيب قد توقفت، فبوتين كان أحد زعماء العالم القلائل الذين لم يتصلوا بنتنياهو لتقديم التعازي في مصرع أكثر من 1300 إسرائيلي في الهجوم.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن فيرا ميشلين المسؤولة السابقة بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أن "فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو كانا يتواصلان على نحو متكرر، لكن الصمت الحالي يدل بالتأكيد على النهج الروسي الأوسع".
كما أن نهاية الوفاق بين روسيا وإسرائيل تُسلّط الضوء على تحول جذري أكبر يتمثّل في دور موسكو بالشرق الأوسط منذ شن الحرب على أوكرانيا، إذ قامت روسيا في سعيها للحصول على الأسلحة ولحشد الحلفاء لتنفيذ الغزو، بتعزيز علاقتها مع إيران ودول عربية، بحسب الصحيفة.
"علاقة استراتيجية" مع طهران
في الوقت الراهن، يُنظر إلى موسكو على أنها تضع الأساس لعلاقة استراتيجية مع طهران التي زودتها بالآلاف من مسيّرات "شاهد" الانتحارية التي استخدمتها موسكو منذ غزو أوكرانيا لإضعاف وتدمير البنية التحتية للطاقة في كييف.
كما أنها تُوفر لها الآن المكونات اللازمة لتجميع الطائرات من دون طيار داخل أراضيها، وكانت روسيا سلّمت هي الأخرى طائرات تدريب من طراز "ياك-130" إلى القوات الجوية الإيرانية، وتدرس أيضاً صفقة لبيع مقاتلات نفاثة لطهران من طراز "سو-35"، وهو الأمر الذي قد يُغير ميزان القوة الجوية في الشرق الأوسط، وفقاً للصحيفة.
وقال نيكولاي كوزانوف الخبير في العلاقات الروسية الإيرانية بجامعة قطر: "صحيح أن روسيا تبحث عن شريك يُمكنه تقديم الأسلحة، ولكن احتضانها لإيران مدفوع أيضاً بمشاعر أوسع معادية للغرب".
ورأت "وول ستريت جورنال"، أن هذا الاحتضان امتد إلى "حماس" التي ترعاها إيران، مشيرة إلى أنه خلال العام الماضي، سافر وفدان رفيعا المستوى على الأقل من الحركة الفلسطينية إلى موسكو لإجراء محادثات.
كما أن روسيا لم تستنكر عملية "طوفان الأقصى" على إسرائيل، بل أشار أندريه جوروليف وهو نائب في مجلس الدوما وعضو لجنة الدفاع فيه إلى فعالية "حماس" في التغلب على الدفاعات الإسرائيلية.
وكتب جوروليف عبر قناته على تطبيق "تليجرام"، أن القوات الروسية يُمكن أن تتعلم من أساليبها، وتساءل: "مَن حليف إسرائيل؟ الإجابة هي الولايات المتحدة، ومَن حليف إيران والعالم الإسلامي المحيط بها؟ نحن".
وذكرت الصحيفة أن علاقات موسكو الوثيقة مع إيران، فضلاً عن جهودها لبناء علاقات أقوى مع جيران إسرائيل العرب، تُمثّل في كثير من النواحي تكراراً لموقف الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة تجاه تل أبيب، ففي ذلك الوقت، أدّت رغبة موسكو في التقرب من شركاء الولايات المتحدة والحفاظ على موطئ قدم في الاقتصادات الفقيرة في العالم، إلى تسليح أكبر أعداء إسرائيل.
"ضربة للهيبة الأميركية"
وفي الوقت نفسه، لدى الكرملين أسباب داخلية للترحيب بفكرة اندلاع حرب بعيدة عن حدود روسيا، وذلك لأنه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الروسية المقرر إجراؤها في شهر مارس المقبل، كان الكرملين يبحث عن سبب لصرف الانتباه عن حربه في كييف، ولذا فإنه منذ بداية الأسبوع الماضي، غادرت الحرب الروسية في أوكرانيا الصفحات الأولى للصحف في جميع أنحاء العالم، وكذلك داخل روسيا، إذ تحولت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة من الحرب في أوكرانيا إلى إسرائيل وغزة.
وأشار كبار المسؤولين الروس إلى أنهم يرون فوائد أخرى من الصراع الحالي في الأشهر المقبلة، واصفين هجوم "حماس" بأنه ضربة لهيبة الولايات المتحدة، ما يفرض عليها إجراء إعادة تقييم لمدى قدرتها على الاستمرار في إمداد أوكرانيا لمحاربة القوات الروسية، بينما تقوم أيضاً بتزويد إسرائيل بالأسلحة.
وكانت وسائل الإعلام الروسية الرسمية قامت بتغطية الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في لندن ونيويورك، وقال توماس جراهام الزميل البارز بمجلس العلاقات الخارجية إن "وسائل الإعلام التابعة للدولة الروسية من المرجح أن تنقضَّ على أية تطورات فوضوية في إسرائيل، أو في أي مكان آخر لتشتيت الانتباه بعيداً عن مشاكل روسيا الداخلية".