قال مسؤولون ودبلوماسيون إن دعم الغرب لهجوم إسرائيل على غزة أفسد الجهود الرامية إلى توافق في الآراء مع الدول النامية بشأن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وذلك بسبب اتهامات بالازدواجية في تبني المواقف والنفاق من خلال "تجاهل" حقوق المدنيين في فلسطين، بحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن المسؤولين والدبلوماسيين قولهم إن توابع الهجوم الذي شنته "حماس" في 7 أكتوبر الجاري على إسرائيل ورد الأخيرة "أضاع شهوراً من العمل لتصوير موسكو على أنها منبوذة عالمياً لانتهاكها القانون الدولي، ويُعرّض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهما لاتهامات بالنفاق".
ولفت مسؤولون غربيون إلى أن ذلك أدى إلى "تآكل الجهود المبذولة منذ الغزو الروسي عام 2022 لبناء توافق في الآراء مع الدول الرائدة في ما يسمى بالجنوب العالمي، مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، بشأن الحاجة إلى دعم نظام عالمي قائم على القواعد".
وأشاروا إلى أن رد الفعل الإسرائيلي العنيف "عزز المواقف الراسخة في العالم النامي بشأن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني"، فيما حذروا من أن هذا قد "يعرقل الجهود الدبلوماسية المستقبلية بشأن أوكرانيا".
وقبل 4 أسابيع فقط من هجوم حماس على إسرائيل، حضر قادة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والحلفاء الغربيين قمة مجموعة العشرين في العاصمة الهندية نيودلهي، وطلبوا من الدول النامية إدانة هجمات روسيا على المدنيين الأوكرانيين من أجل الحفاظ على احترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
"نفقد مصداقيتنا"
ودعمت العديد من الدول النامية القضية الفلسطينية، ونظرت إليها من منظور "حق تقرير المصير" والدفع ضد الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، الداعم الأكبر لإسرائيل، بحسب "فاينانشيال تايمز".
وقال أحد كبار الدبلوماسيين في مجموعة السبع: "لقد خسرنا بالتأكيد المعركة في الجنوب العالمي. لقد ضاع العمل كله الذي قمنا به معهم بشأن أوكرانيا. عليكم نسيان القواعد ونسيان النظام العالمي. لن يستمعوا إلينا مرة أخرى".
وأضاف الدبلوماسي: "ما قلناه عن أوكرانيا يجب أن ينطبق على غزة، وإلا فإننا نفقد كل مصداقيتنا (...) لماذا يجب أن يصدق البرازيليون والجنوب إفريقيون والإندونيسيون ما نقوله عن حقوق الإنسان؟".
بدوره، قال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي: "لنكن صريحين، هذه هدية من السماء لروسيا، لأنها تستغل الأزمة وتقول: انظروا، النظام العالمي الذي تم بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية لا يعمل لصالحكم، ويمكنها أن تخاطب مليار شخص في الشرق الأوسط والعالم العربي".
"تهمة النفاق"
وفي قمة طارئة لقادة دول الاتحاد الأوروبي عقدت افتراضياً بتقنية الفيديو، الثلاثاء، حذر العديد من القادة من أن "الفشل في دعم حقوق الفلسطينيين في غزة يهدد بتعريض الدول الغربية لتهمة النفاق"، وفقاً لما ذكره العديد من الأشخاص الذين تم إطلاعهم على المناقشة.
وجاء هذا النقاش بسبب الغضب في عواصم الاتحاد الأوروبي من قرار رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين السفر إلى إسرائيل الأسبوع الماضي، دون تفويض من الدول الأعضاء في الاتحاد البالغ عددها 27 دولة أو موقف مشتركاً متفق عليه.
كما عبرت إيرلندا وإسبانيا ولوكسمبورج عن استيائها لعدم إشارة فون دير لاين إلى القانون الإنساني الدولي، عندما تحدثت في تل أبيب.
وقال الأمين العام الأسبق لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ياب دي هوب شيفر: "ما تريده نيودلهي وجاكرتا وبرازيليا هو رؤية موقف مشترك بشأن هذه القضايا والاتساق. وإذا لم يروا ذلك، هناك خطر معين بألا يؤخذ الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع الكبار وحلف الناتو على محمل الجد، فيما يتعلق بالقضايا العالمية الرئيسية".
وأضاف دي هوب شيفر، الذي يرأس الآن معهد "كلينجندايل"، وهو مركز أبحاث هولندي: "نحن الغرب، لم نعد أصحاب القرارات، والجنوب العالمي يقول من فضلكم لدينا صوت أيضاً أهملتموه لبعض الوقت".
قمة في واشنطن
ولتدارك الأمر، سيسعى دبلوماسيون أوروبيون وأميركيون في قمة من المقرر عقدها في البيت الأبيض، الجمعة، وتجمع الرئيس جو بايدن وفون دير لاين ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل، لصياغة موقف مشترك بشأن ذلك.
وفي خطاب ألقاه الخميس، ربط بايدن بين الغزو الروسي لأوكرانيا وهجوم حماس على إسرائيل، فيما دعا الكونجرس إلى مساعدته في التغلب على التهديدين.
وحض بايدن الكونجرس على الموافقة على تمويل بمليارات الدولارات لإسرائيل ولأوكرانيا، في حين أورد موقع "أكسيوس" الأميركي أن طلب التمويل الطارئ الشامل من المرجح أن يصل إلى حوالي 100 مليار دولار، منها 60 مليار دولار لأوكرانيا و10 مليارات دولار لإسرائيل، موضحاً أن "أي طلب تمويل يجب أن يوافق عليه مجلس الشيوخ ومجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون، والذي ظل بدون رئيس لأكثر من أسبوعين".
وفي الأيام الماضية، سعت روسيا إلى إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يدين العنف ضد المدنيين، دون ذكر حركة "حماس" على وجه التحديد، لكنه رُفض الاثنين.
وحظي قرار روسيا المقترح في مجلس الأمن بدعم 4 دول فقط هي الصين والإمارات وموزمبيق والجابون، لكن العديد من الدبلوماسيين الغربيين يشعرون بالقلق من أن القرار الروسي المعدل قد يحصل على الأصوات التسعة المطلوبة لتمريره. وقد تستخدم الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حق النقض (الفيتو) ضده، ما يمنح موسكو انتصاراً دعائياً.
خطر على دعم أوكرانيا
وقال دبلوماسي غربي: "علينا أن نمنع روسيا بدعم من الصينيين من أخذ زمام المبادرة لاستخدام هذا ضدنا. هناك خطر من أنه في التصويت التالي في الجمعية العامة للأمم المتحدة على دعم أوكرانيا، سنشهد انفجاراً كبيراً في عدد الممتنعين عن التصويت".
ويشعر بعض الدبلوماسيين الأميركيين بـ"القلق" من أن رد إدارة بايدن فشلت في الاعتراف بأن دعمها الواسع لإسرائيل يمكن أن يُنفر الكثير من الجنوب العالمي.
وفي الشرق الأوسط، يشعر العديد من العرب أن الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى "لم تحاسب إسرائيل أبداً على معاملتها للفلسطينيين، أو أولت اهتماماً كافياً للصراعات الوحشية في سوريا واليمن وليبيا".
وضغطت دول عربية، خاصة الأردن ومصر، على مسؤولين غربيين لتشديد لهجتهم بشأن حماية المدنيين في غزة. وأشارت إلى تحول في لهجة بعض الحكومات الغربية في الأيام الأخيرة، وإثر ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عن زيادة عدد شحنات المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وفي علامة على تضافر الجهود للحفاظ على الاتصال مع الدول النامية، قال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، الثلاثاء، إنه تحدث مع وزراء خارجية البرازيل وإندونيسيا والفلبين والمغرب والسعودية في الأيام الماضية.