قال مسؤولون إسرائيليون، إن الحكومة تواجه صعوبة في التوصل إلى قرارات متفق عليها بشأن حرب إسرائيل على غزة، أبرزها الاجتياح البري ومواجهة معضلة الرهائن المحتجزين لدى حركة "حماس"، ما أدى لتشكل حالة من "عدم الثقة".
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن مسؤولين عسكريين لم تسمهم، قولهم إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو "غاضب" من كبار مسؤولي الجيش الذين يتحملون المسؤولية عما حدث من نتائج إثر الهجوم واسع النطاق الذي شنته "حماس" في 7 أكتوبر الجاري، ويتفاعل مع الآراء والتقديرات التي يعبر عنها الجنرالات، و"ليس في عجلة من أمره لتبني خططهم".
وأشارت إلى أن عمل نتنياهو مع وزير الدفاع يوآف جالانت "يبدو صعباً" وسط قلق من العاصفة المتوقعة بعد انتهاء الحرب، إذ يتعين على حكومة الطوارئ المشكلة حديثاً اتخاذ قرار بالغ الأهمية في الأيام المقبلة، وربما في الساعات المقبلة.
واعتبرت شبكة CNN الأميركية، أن إطلاق سراح الأميركيتين جوديث وناتالي رعنان، عزز الشعور لدى واشنطن بإمكانية إطلاق سراح رهائن إضافيين من خلال المفاوضات.
ونقلت الشبكة عن مصادر في واشنطن لم تسمها، قولها إن الإدارة الأميركية تضغط على إسرائيل لتأجيل الدخول البري لقطاع غزة من أجل السماح بإحراز تقدم في قضية الرهائن، لكن مصادر في إسرائيل نفت "وجود ضغوط أميركية على إسرائيل".
ويدير الاتصالات مع "حماس" رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بالتشاور مع البيت الأبيض، كما أن الرئيس الأميركي جو بايدن مقتنع بأن التعامل مع قضية الرهائن له الأسبقية على أي تحرك آخر، بما في ذلك العمل البري، بينما ترغب إسرائيل في فصل مسألة الدخول البري عن مسألة المختطفين.
"غياب الإدارة الفاعلة"
الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أعلن، الأحد، صراحة أنه ينتظر "موافقة المستوى السياسي على العمل البري، وهذه هي طريقة القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي لنقل عبء تحمل المسؤولين إلى الحكومة، خاصة إلى رئيس الوزراء".
وبعيداً عن الجدل بشأن التوقيت، "نشأت أزمة ثقة بين نتنياهو والجيش الإسرائيلي، وهي أزمة تشكل ضرراً آخر يضاف إلى الأضرار الفادحة التي لحقت بإسرائيل، ما يجعل من الصعب للغاية التركيز على الحرب واتخاذ القرارات، حتى لو كانت مؤلمة، إذ تحتاج إسرائيل إلى قيادة فعالة تركز على المهمة"، وفق الصحيفة.
وفي عام 1973، فوجئت إسرائيل وتعرضت لهزيمة نكراء في البداية، لكن قيادتها استمرت في العمل، وساهم اللاعبون الإضافيون الذين انضموا بالخبرة والهدوء في عودة عملية صنع القرار المنظمة، والثقة بأن في نهاية الأمر سنفوز، لكن اليوم ليس هناك إدارة فاعلة.
وهذه المرة، وعلى الرغم من النوايا الحسنة، إلا أن اللاعبين الإضافيين مثل وزير الدفاع السابق بيني جانتس، وقائد هيئة الأركان العامة السابق، جادي إنزاكوت، يتركان بصمة محدودة على النتيجة النهائية، وبموجب الاتفاق الذي وقعاه مع نتنياهو، لا يمكن لهما أن يلتقيا مسؤولين خارج المناقشات الوزارية إلا بموافقة رئيس الوزراء.
وقالت الصحيفة: "مر 17 يوماً على هجوم (حماس)، وبالنسبة للعائلات التي يحتجز أفراد منها في مكان ما في غزة، فإن هذه فترة طويلة جداً، كما أنها فترة طويلة بالنسبة لأولئك الذين ينتظرون الأوامر في الوحدات العسكرية في الشمال والجنوب، وبالنسبة للمجتمع الإسرائيلي ككل".
الحكومة هي "الحلقة الأضعف"
ووصفت الصحيفة، الحكومة بأنها "الحلقة الأضعف"، إذ وبحسب شهادات مسؤولين سياسيين وعسكريين، فإن الحكومة تواجه صعوبة في التوصل إلى قرارات متفق عليها بشأن القضايا الرئيسية المطروحة على جدول الأعمال.
والأسبوع الماضي منع نتنياهو اتخاذ قرار بشأن عملية استباقية في الشمال، على الرغم من أن الجيش، ووزير الدفاع أوصيا بتنفيذ العملية، وهو ما نفاه نتنياهو.
وفي قلب النقاش كان الطلب الأميركي بتجنب إسرائيل ضربة استباقية في لبنان، مقابل منح الإسرائيليين حزمة مساعدات عسكرية سخية، ونشر حاملتي طائرات قبالة سواحل لبنان والالتزام بدعم الجيش الإسرائيلي، إذا بدأ "حزب الله" الحرب، بحسب الصحيفة.
وهذا الأسبوع، ادعى الوزراء مرة أخرى، أن نتنياهو هو الذي يقف وراء تأخير الدخول البري إلى غزة، ووصف أحد الوزراء - لم يجرؤ على ذكر اسمه - نتنياهو بأنه "جبان"، وفق الصحيفة.
وأدت الحرب في غزة إلى إجماع واسع النطاق في المجتمع الإسرائيلي، أما في الحكومة والجيش فالوضع مختلف، إذ خلقت أحداث 7 أكتوبر "أزمة ثقة"، وغضب نتنياهو من كبار مسؤولي الجيش، واعتبرت الصحيفة أنه ليس من قبيل الصدفة أن يلتقي نتنياهو، مرتين خلال الأيام القليلة الماضية، اللواء المتقاعد اسحق باريك، والذي ينتقد بشدة قدرات الجيش البرية، ويعارض العمل البري في غزة.
نتنياهو وجالانت.. توتر وخلافات
ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن العلاقة بين نتنياهو ووزير الدفاع تجعل من الصعب العمل معاً، إذ ظهرت الخلافات في مارس الماضي، عندما أقال نتنياهو، جالانت، على خلفية الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها إسرائيل ضد التعديلات القضائية.
وتصاعدت حدة التوتر بعد تسرب أخبار مفادها أن نتنياهو استخدم حق النقض ضد عملية عسكرية بدأت في الشمال، خلال زيارة بايدن إلى إسرائيل، إذ منع جالانت من إعلان تقييماته على مسامع الرئيس الأميركي.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، اكتفى جالانت بالقول لوزير الخارجية أنتوني بلينكن، إنه "يريد مهاجمة حزب الله أولاً"، لكن تم إيقافه.
ويأتي الخوف من العاصفة المتوقعة في اليوم التالي لانتهاء الحرب وتشكيل لجنة تحقيق، وحتى لو كان بعض كبار الضباط استسلموا بالفعل للعودة إلى ديارهم في نهاية الحرب، ما يسمح لهم بالتركيز أكثر على الفوز بها.
وأعلنت الحكومة عن هدف للحرب يشكك الجيش الإسرائيلي في إمكانية تحقيقه، وفي تصريحات مختلفة، وعد نتنياهو وجالانت بمحو "حماس" من على وجه غزة، لكنهما لم يوضحا المعنى العملي لهذا الالتزام.
وتمثل هدفها في "تفكيك البنية التنظيمية بأكملها للحركة في غزة والتي يحكمها محمد السنوار"، ولكن كيف سيتم تحقيق هذا الهدف؟ هل في مدينة غزة فقط أم على القطاع بأكمله؟ ومتى سيعرف الجيش الإسرائيلي انتصاره؟.
وقالت الصحيفة: "حتى الآن لا يوجد نقاش بشأن ما سيكون عليه الواقع في غزة بعد القضاء على (حماس)، إذا تم القضاء عليها، لا في الجيش ولا في الحكومة، إذ تسعى إسرائيل إلى دخول غزة دون تعريف واضح لمتى؟ وكيف ستخرج؟ وماذا ستترك وراءها؟".
ونقلت عن أحد كبار المسؤولين في الخدمة المدنية، قوله: "لو كانت الحكومة شركة تجارية، لانتهى بها الأمر إلى الإفلاس. الحكومة لا تعتمد على نفسها".
وكان المثال الأكثر وضوحاً على ذلك هو محاولة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تعيين أودي أديري، وهو مدير تنفيذي من القطاع الخاص، كمنسق بين الوزارات الحكومية خلال حالة الطوارئ، وأدرك سموتريش أن الحكومة فقدت الدعم الشعبي، لكن المدير العام من مكتب رئيس الوزراء، أبطل التعيين.
خلال فترة الطوارئ، تلبي الشركات الحكومية الاحتياجات الأساسية للسكان، ويتمثل دور الحكومة في التأكد من أنها تعمل وتتمتع بالاستقرار المالي، وأنها تقدم الخدمات المطلوبة، كما يتحمل مكتب رئيس الوزراء المسؤولية الشاملة.
استقالات من الحكومة
صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أشارت في تقريرها، الاثنين، إلى أن 3 وزراء يفكرون في الاستقالة لإجبار نتنياهو على تحمل مسؤولية الهجوم المباغت الذي نفذته "حماس" وأودى بحياة 1400 إسرائيلي.
ولم تذكر الصحيفة أسماء الوزراء، إلا أنها تحدثت عن حالة من الغضب؛ بسبب رفض نتنياهو تحمل المسؤولية، على الرغم من أن قائد أركان الجيش، وكذلك رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" قالا إنها يتحملان المسؤولية، إلا أن نتنياهو لم يفعل ذلك.
وأشارت الصحيفة إلى أن موقف الوزراء نابع من استطلاعات للرأي في إسرائيل أظهرت أن 75% من الجمهور يحمل نتنياهو المسؤولية الرئيسية عن الهجوم.
وأكد 66% على ضرورة استقالة نتنياهو في نهاية الحرب، ومن بين هؤلاء المستطلعين يؤيد أكثر من نصف ناخبي حزب الليكود بضرورة استقالته في نهاية الحرب.