حرب غزة والاجتياح البري.. لماذا تتوغل إسرائيل ببطء؟

الأنفاق والأنقاض ونفاد الوقت وتدخل "حزب الله" أبرز المخاوف الإسرائيلية

time reading iconدقائق القراءة - 9
دبي-الشرق

أثارت التوغلات البرية الإسرائيلية المحدودة في قطاع غزة تساؤلات البعض عن سبب مخالفة إسرائيل لتوقعات إقدامها على "اجتياح كاسح" في ظل إعلانها أكبر تعبئة لجنود الاحتياط في تاريخها استعداداً للرد على هجوم حركة "حماس".

وقال مسؤولون حاليون وسابقون لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية إن "النطاق المحدود" للتوغل الأولي الإسرائيلي، يعكس "مزيجاً معقداً من العوامل"، مرجحين أن إسرائيل أرادت، قبل كل شيء، تعظيم تفوقها في قوة النيران أمام "حماس"، وتقليل خسائرها إلى الحد الأدنى، مع محاولة تجنب جر جماعة "حزب الله" اللبنانية إلى الحرب. 

وعلى المستوى التكتيكي، قال مصدر وصفته الصحيفة البريطانية بأنه "مطلع على الخطط الحربية الإسرائيلية"، من غير أن تسمه، إن "البصمة الأقل من المتوقع تعني أنه يمكن بسهولة تزويد القوات البرية بدعم جوي مباشر، يعد غطاءً حاسماً لدخول أجزاء من شمال غزة، حيث قضت حماس سنوات في إعداد دفاعاتها".

وقال المراسل العسكري عاموس هاريل، مؤلف كتاب عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إن القوات الإسرائيلية "تحركت مسافة 3 إلى 4 كيلومترات داخل غزة، لكنها لم تشتبك بعد في قتال داخل المناطق الحضرية"، مضيفاً: "يبدو أن المنطق هو ممارسة الضغط، وإجبار مقاتلي حماس على الخروج من أنفاقهم ثم ضربهم".

معضلة الأنفاق والأنقاض

من جانبه، قال النائب السابق لقائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي عمير أفيفي: "نحن لا نخاطر. فعندما يقوم جنودنا بالمناورة، نقوم بذلك باستخدام مدفعية مكثفة، كما تحلق 50 طائرة لتدمير أي شيء يتحرك".

بدوره، قال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق إيال حولاتا إن "الشيء الوحيد الأسوأ من القتال في المناطق الحضرية هو القتال وسط أنقاض المناطق الحضرية، حيث توجد أماكن كثيرة يمكنهم الاختباء فيها ونصب الكمائن".

وأضاف: "عندما يصبح الجيش الإسرائيلي ساكناً يصبح أكثر عرضة للخطر، ولذلك تراهم في حالة حركة بطيئة لكنها مستمرة، حيث يكونون حذرين للغاية في تأمين الأماكن التي يتواجدون فيها بالفعل".

وقال مسؤولون إن القتال في غزة سيكون "مكثفاً"، حيث تدربت "حماس" على القتال في المناطق الحضرية، وأنشأت شبكة ضخمة من الأنفاق تساعد في نقل المقاتلين والأسلحة، كما تمتلك ترسانة أسلحة مضادة للدبابات وعبوات ناسفة.

وفي تجربة للمعارك المقبلة اشتبك الجيش الإسرائيلي، الأحد، مع مقاتلي "حماس"، الذين برزوا من نفق بالقرب من معبر "إيريز" الحدودي. 

"من 6 أشهر إلى عام"

من جانبه، رأى مستشار الأمن القومي السابق الزميل في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي ياكوف أميدرور أن "التوغل الأولي المحدود كان أيضاً انعكاساً لكون تعهد نتنياهو بتدمر حماس وإخراجها من قطاع غزة أكبر من أن يتم سريعاً"، موضحاً أن "الهدف ليس تكتيكياً سنحققه غداً"، وتوقع استمرار العملية بين 6 أشهر وعام.

وتابع: "ما ترونه هو حذر على المستوى التكتيكي، وفهم أن الهدف كبير إلى درجة أنه لا يمكن تحقيقه بأي حال من الأحوال في غضون الأسبوع المقبل".

ويعتقد مراقبون آخرون أن حجم التوغل الأولي يمثل "علامة على أن إسرائيل تهدف إلى شيء أقل طموحاً من القضاء على حماس". 

وفي هذا السياق، قال دبلوماسي غربي للصحيفة: "يبدو أن أهدافهم لا تصل إلى حد القضاء التام على حماس من غزة، وإنما تقف عند تدمير البنية التحتية العسكرية وقتل قيادات الحركة، لكن الإجابة الصادقة هي أنهم لم يوضحوا بعد الهدف النهائي، ربما لأنهم لم يتحققوا منه بعد".

نفاد الوقت

ويصر المسؤولون الإسرائيليون على أنهم لن يتأثروا بالضغوط الدولية لكبح جماح قواتهم المسلحة قبل أن تتمكن من إلحاق هزيمة ساحقة بـ"حماس"، التي قتل مسلحوها أكثر من 1400 شخص في 7 أكتوبر، وفقاً لما أعلنته الحكومة الإسرائيلية. 

وكان وزراء إسرائيليون أكدوا أن التوغلات الأولية "ستفاقم الضغط على حماس لإطلاق سراح أكثر من 230 رهينة تم أسرهم في ذلك اليوم". 

في هذا الإطار، شدد عضو حكومة الطوارئ الإسرائيلية بيني جانتس، السبت، للصحيفة، على أنه "في هذه الحرب لا توجد ساعة رملية دبلوماسية، ولكن ساعة عملياتية والتزام إنساني بعودة المختطفين. سنستمع إلى أصدقائنا، ولكننا لن نفعل سوى ما نراه مناسباً لنا".

على الجانب الآخر، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، الذي سبق له الإشراف على عمليات برية كبرى في كل من غزة ولبنان، إن إسرائيل "ربما لديها وقت أقل مما تعتقد حكومة الطوارئ لتحقيق أهدافها بالنظر إلى صور الدمار الشامل التي تصدر عن غزة. حتى الآن، منحتنا الولايات المتحدة هدايا، أما في المستقبل، فربما تعطينا أوامر".

ووفقاً لآخر حصيلة من السلطات الفلسطينية، فإن الغارات الإسرائيلية قتلت أكثر من 8 آلاف شخص، فيما حذرت الأمم المتحدة من أن قرار إسرائيل بفرض قيود مشددة على إمدادات الكهرباء والوقود والمياه والسلع إلى غزة وضعها على حافة الانهيار الإنساني. 

 

 

 

تجنب "حزب الله"

ورغم أن الجيش الإسرائيلي التزم الصمت حيال عمليات الانتشار الدقيقة لإحدى أهم عملياته منذ عقود، إلا أن الخبراء قالوا إن الحشد التدريجي للقوات يهدف إلى "تقليل احتمال انضمام جماعة حزب الله اللبنانية إلى الصراع".

وسيعني الالتزام بعدد أقل من الجنود في غزة أيضاً أن القوة البشرية يمكن نشرها بسهولة أكبر إلى الشمال، حال دخل "حزب الله" الحرب، خاصة مع انخراط مقاتليه في مناوشات متصاعدة عبر الحدود مع القوات الإسرائيلية، وفقاً لـ"فاينانشال تايمز".

وفي الإطار، قال دبلوماسي غربي للصحيفة البريطانية: "أعتقد أن رسائل الإسرائيليين (بشأن الهجوم البري) متعمدة للغاية. لقد كانوا قلقين من أن يعتبر حزب الله وإيران الاجتياح البري حافزاً للتصعيد على نحو ما، ومن ثم لم يطلقوا عليه اسم الغزو البري".

تقييم حماس

بدوره، قال شخص مطلع على الخطط الحربية الإسرائيلية، إنه حتى صباح الأحد، لم تكن المقاومة التي واجهتها إسرائيل "كبيرة"، ولم يتضح بعد لماذا لم تطلق "حماس" المزيد من الصواريخ المضادة للدبابات على المركبات المدرعة التابعة للجيش الإسرائيلي لدى دخولها غزة.

ولكن آخرين حذروا من المبالغة في تفسير استجابة "حماس" في هذه المرحلة المبكرة، خاصة بعد أن أساءت الاستخبارات الإسرائيلية "بشكل مذهل" تقدير قدرات الحركة ونواياها في وقت سابق من الشهر الجاري. 

وجاءت التوغلات الإسرائيلية الأولية في غزة بالقرب من بيت حانون في شمال غزة والبريج في وسط القطاع، وقال محللون إن هذا النهج يشير إلى أن إسرائيل قد تحاول تدريجياً "فرض حصار حول مدينة غزة"، والتي يزعم المسؤولون الإسرائيليون أنها تمثل قاعدة للجزء الأكبر من البنية التحتية العسكرية لحركة "حماس".

"حماس": حديث التوغل البري "مضلل"

في المقابل، قال المتحدث باسم حركة "حماس" محمد حمادة، الاثنين، إن تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بشأن توغل بري للقوات الإسرائيلية في قطاع غزة "لا أساس لها من الصحة، ومضللة".

وأضاف، في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي، أن "إسرائيل اختارت منطقة رخوة بمناطق زراعية لا يوجد فيها سكان، ورغم ذلك لم تستطع قواتها التقدم بالصورة وبالسهولة التي تتخيلها"، مشيراً إلى أن "المقاومة تواجه هذا التوغل، وتوقع خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي".

وتابع: "إسرائيل تريد نقل صورة لجمهورها بأنها تستطيع التقدم براً في غزة، وهذا ما تحاول تحقيقه منذ بداية الحرب، لكنها لم تنجح".

وأردف المتحدث باسم "حماس": "جل ما تستطيع إسرائيل القيام به هو الاستهداف بالمتفجرات من خلال الطائرات، وهي فعلت ذلك على كل المحور الذي تدعي أنها دخلت من خلاله برياً، لكن على أرض الواقع لا يوجد تقدم فعلي".

وشدد حمادة على أن حماس توعدت إسرائيل بأن أي تقدم بري "سيقابل بمقاومة شرسة، واشتباكات رغم أنها مناطق فارغة وتتحكم فيها ظروف المكان بفعل القصف الشديد من قبل الطائرات الإسرائيلية.

ورد على المطالب الإسرائيلية بإخلاء مستشفى القدس، بقوله: "إسرائيل ارتكبت كل شيء في هذه الحرب، ولا يمكن استبعاد قيامها بأي جريمة جديدة، وعملية الإجلاء بحد ذاتها عملية قتل لعدد كبير من المرضى الذين لا يمكن نقلهم".

وتابع: "إسرائيل تدعي أنها تقتل المقاومة منذ بدء حرب الإبادة التي تقوم بها، لكن الصورة تظهر أن بنك أهدافها النساء والأطفال".

وأضاف حمادة أنه "لا جديد حول مباحثات وقف إطلاق النار المستمرة، وأولويتنا في هذه المرحلة التصدي للاحتلال الإسرائيلي والاستمرار بالمعركة".

تصنيفات

قصص قد تهمك