بعد أحلام الانسحاب.. غزة تربك خطط واشنطن في الشرق الأوسط

time reading iconدقائق القراءة - 14
طاقم المدمرة الأميركية USS Carney أثناء اعتراض صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل في البحر الأحمر. 21 أكتوبر 2023 - US5thFleet
طاقم المدمرة الأميركية USS Carney أثناء اعتراض صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل في البحر الأحمر. 21 أكتوبر 2023 - US5thFleet
دبي -محمد شهود

قبل أسبوع من هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر الجاري، تفاخر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان بما حققته إدارة الرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط، وكيف تمكنت من خلال سياسة "تخفيف الضغط وخفض التصعيد" من جعل المنطقة أكثر هدوءاً، مما كانت عليه قبل عقدين، مشيراً إلى انخفاض كبير في الوقت الذي يقضيه لبحث أزمات وصراعات الشرق الأوسط مقارنة بأسلافه.

وكرر سوليفان نظرة الإدارة الأميركية المتفائلة للشرق الأوسط في مقالة من 29 صفحة في مجلة "فورين أفيرز"، نُشرت نسختها المطبوعة قبل 5 أيام من هجوم "حماس"، لكن مع تطورات الأحداث نشرت المجلة نسخة محدثة على موقعها الإلكتروني تتضمن فقرة "بشأن جهود البيت الأبيض لمعالجة هجمات حماس، والحرب على غزة".

ويبدو مشهد المنطقة حالياً غير ذاك الذي رسمه سوليفان، فهناك حرب في غزة التي كان يظن أنها تدار بالدبلوماسية المباشرة، وتسببت في تجدد ضربات "المجموعات الإيرانية" على القوات الأميركية في سوريا والعراق، كما فتحت جبهة قتال بين "حزب الله" اللبناني وإسرائيل، وعاد انخراط واشنطن العسكري في الشرق الأوسط، والذي لم يعد هادئاً كما كان يصفه مستشار الأمن القومي الأميركي.

فبينما أعاد الغزو الروسي لأوكرانيا، واشنطن إلى المنطقة على الصعيد السياسي، في إطار جهودها نحو حشد أوسع بمواجهة روسيا، دفعت حرب غزة، إلى وُجود عسكري أميركي أكبر مما كانت تأمله واشنطن في منطقة الشرق الأوسط.

ورغم أن الهدف الأميركي منذ اليوم الأول لهجمات "حماس" كان "ردع اتساع رقعة الصراع وتحولها لحرب إقليمية"، إلا أن تصريحات الإدارة الأميركية سرعان ما تحولت إلى "التهديد بالرد، وتحميل طهران مسؤولية استهداف القوات" ثم شن ضربات على منشآت "للحرس الثوري ومجموعات تابعة له في شرق سوريا".

وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي، أعرب عن تحفظه على الموقف الأميركي تجاه "الدعم العلني اللامحدود" لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، مشيراً إلى أنه "مبالغ فيه".

السياسة الأميركية التقليدية

وقال فهمي، الذي عمل سفيراً لمصر لدى الولايات المتحدة في تصريحات لـ"الشرق"، إن "موقف بايدن تجاوز السياسة الأميركية التقليدية المتمثلة في دعم إسرائيل سياسياً إلى الحضور الشخصي ومشاركته في مجلس وزراء الحرب ما يعني منحه ضوءاً أخضر لحكومة بنيامين نتنياهو في غزة".

وإلى جانب الدعم الكامل لإسرائيل بالأسلحة والمستشارين العسكريين لتقديم النصيحة بشأن العمليات على الأرض، عززت الولايات المتحدة في أعقاب هجوم 7 أكتوبر وجودها العسكري في الشرق الأوسط، بتحريك حاملتي طائرات، ونشر أنظمة دفاع جوي، وقوات إضافية. 

وبالإضافة للمساعدات الدفاعية السنوية المقدرة بقيمة 3 مليارات و800 مليون دولار، طلب بايدن من الكونجرس الموافقة على تمويل بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل.

واعتبر مبعوث السلام الأميركي السابق، دينيس روس، أن "الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل ضروري، لمحاولة ضمان انتهاء الحرب مع عدم قدرة حماس على حكم غزة، وألا يكون لها أي أمل في القطاع".

وتزايدت الانتقادات العربية الموجهة للإدارة الأميركية والغرب بشكل عام، بعد تصاعد القصف الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، ما أدى إلى قتل أكثر من 8 آلاف شخص، بينهم أكثر من 3 آلاف طفل.

كما فشل مجلس الأمن الدولي، مرات عدة في التصويت على قرار بفرض هدنة إنسانية لإدخال المساعدات، كان في حالات منها بسبب استخدام واشنطن حق النقض "الفيتو". 

وحمّل روس، في تصريحات لـ"الشرق"، حركة "حماس" مسؤولية "إشعال حرب"، وقال: "كان صعباً أن تنتهي دون خسائر فادحة في الأرواح البشرية".

ولمواجهة الغضب العربي بشأن الأوضاع في غزة، دعا مبعوث السلام الأميركي السابق، الولايات المتحدة، إلى "التحرك من أجل إقناع الإسرائيليين بإنشاء مناطق آمنة يمكن لسكان غزة الذهاب إليها".

وأضاف: "تحتاج إسرائيل إلى فتح ممرات من مواقعها، وليس الاعتماد فقط على معبر رفح من مصر، ويتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل، أن تظهرا أنهما تحاولان إنقاذ الأرواح، لإبراز التناقض مع (حماس) و(حزب الله) وإيران الذين يريدون أن يموت المزيد من الناس، ويزيدون البؤس، فهم ليسوا محور المقاومة، بل محور البؤس".

وبينما كانت إسرائيل توسع عملياتها البرية بالتزامن مع ضربات عنيفة على قطاع غزة، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة الماضي، بأغلبية ساحقة قراراً غير ملزم يدعو إلى "هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية".

وصوتت 120 دولة لصالح هذا الإجراء بقيادة الدول العربية، فيما عارضت 14 دولة القرار، من بينها الولايات المتحدة التي عزت موقفها إلى "عدم إدانة القرار، للهجوم الذي شنته حماس وعدم ذكره وضع الرهائن القائم".

واعتبر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أن التصويت ضد قرار الجمعية العامة بالأمم المتحدة "يعني الموافقة على هذه الحرب العبثية".

احتمالات التصعيد واتساع صراع غزة

وتخيم على محادثات المسؤولين في البيت الأبيض، نقاشات بشأن احتمالية التصعيد الإقليمي، واتساع نطاق الحرب في غزة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بحسب موقع "أكسيوس".

وتعتقد الاستخبارات الإسرائيلية، أن "حزب الله" في لبنان، سيكثف هجماته ضد إسرائيل على حدودها الشمالية، بسبب العمليات البرية الإسرائيلية في غزة.

واتفق المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، مايك مولوري، في تصريحات لـ"الشرق"، مع تقييمات البيت الأبيض والاستخبارات الإسرائيلية، عازياً احتمالية التصعيد إلى "الزيادة الكبيرة وغير المسبوقة في الأصول العسكرية بشرق البحر الأبيض المتوسط، والتي تدفع حكومة الولايات المتحدة للاعتقاد أن هناك فرصة كبيرة لاتساع نطاق الأزمة في غزة".

وتكرر إيران تهديداتها للولايات المتحدة بالتصعيد، حال استمرت العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، إذ حذر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من أن واشنطن "لن تسلم من نيران الحرب إذا استمرت الإبادة في قطاع غزة".

كما وجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي رسالة إلى الولايات المتحدة عبر منصة X، قائلاً: "واشنطن تطلب منا عدم القيام بأي شيء، لكنهم يواصلون تقديم دعم واسع النطاق لإسرائيل، حيث أرسلت واشنطن رسائل إلى محور المقاومة، لكنها تلقت رداً واضحاً في ساحة المعركة".

واعتبر مولوري، أن التصريحات الإيرانية العلنية تشير إلى "رغبة في توسيع نطاق الحرب هرباً من الاضطرابات الداخلية"، لكنه أكد "ثقته بقدرة الولايات المتحدة على ردع تحركات طهران، والرد على أي حالة طوارئ، وقدرتها على التدخل بسرعة أكبر".

انخراط أميركي

ويعتقد رئيس مجلس الخليج للأبحاث، عبد العزيز بن صقر، أن الولايات المتحدة "باتت منخرطة في الحرب"، ويمكن أن تشارك قوات خاصة تابعة لها في العمليات على الأرض تحت غطاء "تحرير الرهائن الأميركيين" المحتجزين لدى "حماس"، غير أنه استبعد أن تكون "الأطراف الإقليمية مستعدة لتوسيع نطاق الصراع".

واعتبر صقر في حديث لـ"الشرق"، أن السيناريو الأرجح هو "فتح الجبهة اللبنانية ودخول (حزب الله) إلى المعركة"، لكنه أضاف: "في تقديري (حزب الله) غير مستعد للدخول في مواجهة مصيرية مع إسرائيل، إلا في حال قيامها بجر الحزب إلى المواجهة".

وبشأن موقف طهران من حرب غزة وإمكانية اتساع نطاقها، يرى عبد العزيز بن صقر أن "إيران وأذرعها المسلحة تواجه انتقادات واسعة إن لم تقم بعمل ما لمساعدة حماس، لكنها تقع جميعها تحت سيطرة مركزية من القيادة الإيرانية التي لا تجد لها مصلحة في التورط بمواجهة واسعة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وربما دول العالم الغربي".

وأردف: "ما نشاهده الآن لا يتجاوز إجراءات لحفظ ماء الوجه، والمشاغبات الميدانية المحدودة والخاضعة للسيطرة التي تجري على الجبهة اللبنانية والاستهداف العبثي والعشوائي للقوات الأميركية في العراق وسوريا، جميعها ضمن إطار توجيه الرسائل"، مستبعداً أن تغير تلك التحركات الواقع الميداني وموازين الصراع القائمة.

لكن وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي، اعتبر أن التوترات في المنطقة تشير إلى فشل "سياسة الولايات المتحدة للخروج من الشرق الأوسط والتمحور شرقاً" التي بدأتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان هجوم 7 أكتوبر سيدفع لعودة الزخم الأميركي كطرف فاعل في المنطقة، أجاب فهمي: "واشنطن لم تخرج أصلاً لتعود، وأن الإدارات المتعاقبة لم تتخذ سياسة الخروج بشكل جدي، ويمكن القول إنها كانت أقل نشاطاً بعد هدوء النقاط الساخنة في المنطقة، لكنها قطعاً لم تخرج".

حل الدولتين

"لن تكون هناك عودة إلى وضع 6 أكتوبر"، كانت هذه إجابة الرئيس الأميركي جو بايدن حينما تحدث عن مستقبل الصراع القائم وما بعد نهاية الحرب، وأشار كذلك إلى أن "هذا يعني عندما تنتهي الأزمة يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك، من وجهة نظرنا، يجب أن تكون حل الدولتين".

لكن "حل الدولتين" لم يكن فيما يبدو على أجندة الإدارة الأميركية قبل "هجوم حماس"، إذ لم يتطرق مستشار الأمن القومي الأميركي في مقالته المطبوعة بمجلة "فورين أفيرز" لأي ذكر لدولة فلسطينية، لكن في النسخة المحدثة على الموقع الإلكتروني، أكد "التزام إدارة بايدن بحل الدولتين".

وتتجاوز الإدارة الأميركية، الوضع الراهن والقصف الدامي في غزة، بتقديم إجابات لما بعد الحرب، وهو ما أثار غضباً متزايداً داخل الحزب الديمقراطي بشأن "وتيرة إيصال المساعدات، وانقطاع الاتصالات عن القطاع، وارتفاع عدد الضحايا بين المدنيين". 

صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أشارت إلى أن "الانتقادات داخل الحزب الديمقراطي تخلق تحديات جديدة لبايدن الذي تحالف بشكل وثيق مع إسرائيل وحقها في الانتقام، لدرجة أنه يخاطر بتحمل المسؤولية عن كيفية تنفيذ ردها".

وفي وجه الانتقادات الديمقراطية، اضطر مسؤولو إدارة بايدن خلال اليومين الأخيرين للخروج في وسائل الإعلام للتأكيد أن إسرائيل تتحمل المسؤولية "وأنهم يشاركون بعض المخاوف التي أثارها زملاؤهم الديمقراطيون".

ما بعد حرب غزة

وعند سؤاله عن مرحلة بعد الحرب في غزة، قال مبعوث السلام الأميركي السابق، دينيس روس: "ابدأ بالتخطيط الآن لليوم التالي"، مؤكداً "ضرورة التخطيط المسبق لموعد انتهاء الزلزال والكارثة".

وقدم روس حلاً أساسه "التركيز على خطة لإدارة مؤقتة في القطاع مع تكنوقراط فلسطينيين، وأن تكون هناك مظلة دولية لهذه الإدارة المؤقتة، إما بناءً على تفويض من الأمم المتحدة أو الجامعة العربية".

وذكر أنه "يمكن للدول العربية أن تساهم بقوات شرطة، في الوجود الدولي الذي يهدف إلى توفير الأمن للإدارة المدنية وجهود إعادة الإعمار".

وزاد: "كما يمكن لكندا وغيرها من الدول ذات الخبرة في المنطقة، وفي ساحات ما بعد الصراع، إدارة تدفق المواد اللازمة لإعادة الإعمار والتأكد من أنها تسير في الأغراض المقصودة منها".

وأكد روس ضرورة "المضي في السعي نحو التطبيع بين السعودية وإسرائيل، بما يتضمن مكوناً للفلسطينيين يغير واقعهم على الأرض، ويقدم خطوات ملموسة تحافظ على مبدأ حل الدولتين".

كما شدد روس، على وجوب "إصلاح السلطة الفلسطينية، مع وجود رئيس وزراء متمكن وغير ملوث بفساد السلطة"، مضيفاً أن "هذا أمر ضروري لحمل السلطة على استبدال الإدارة المؤقتة في غزة واستعادة الشرعية".

في المقابل، اعتبر نبيل فهمي أنه "لا حل للعنف في المنطقة إلا بحل المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية، وفي القلب منها الاحتلال والعودة إلى مسار محادثات السلام".

وحذر وزير الخارجية المصري السابق، من أنه "إذا لم نتصد لإسرائيل، وإذا لم نصل لحل ناجز وفعال ستكون النتيجة عنفاً يشمل التأثير على المدنيين من الطرفين، على العرب نقل رسالة للأطراف الفاعلة مفادها أن الشعب الفلسطيني ليس مستباحاً".

أما عبدالعزيز بن صقر، فلا يرى حلاً عسكرياً للنزاع، لافتاً إلى أن "على الأطراف الانخراط في عملية السلام"، كما حذر من أن "دخول إيران إلى المواجهة العسكرية سيكون له تأثيرات كارثية على منطقة الخليج العربي، وسيمثل تطوراً خطيراً يقود إلى زعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي لفترات طويلة، ويهدد مسيرة التطور الاقتصادي".

وأردف: "هذه الأزمة يجب أن تقنع إسرائيل وداعميها في الولايات المتحدة والعالم الغربي، بما لا يدع مجالاً للشك أن استخدام القوة والقهر، لن يجلب الأمن والاستقرار لإسرائيل حتى بعد مئات السنين".

تصنيفات

قصص قد تهمك