تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل انقساماً بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس، إذ تحاول إدارة الرئيس جو بايدن تقديمها كـ"هيئة حاكمة في غزة"، بينما يعمل أعضاء اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم في إسرائيل، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على إضعافها وحجب التمويل عنها، وفق ما أوردته صحيفة "هآرتس".
الصحيفة ترى أن الانقسام يأتي مع تزايد قلق الأميركيين بشأن الوضع الراهن في الضفة الغربية، معتبرة أن السلطة الفلسطينية "ضعيفة بالفعل، وعلى وشك الانهيار"، إلى جانب تصاعد عنف المستوطنين، ما يهدد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل أكبر بعد الحرب على قطاع غزة.
ويتمحور الانقسام "الإسرائيلي - الأميركي" حول محاولات إدارة بايدن تعزيز السلطة الفلسطينية وتقديمها على أنها "الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني"، وهذا جزء من جهد أوسع من قبل البيت الأبيض لإعادة صياغة ارتباطاته مع الفلسطينيين، وسط انتقادات واسعة النطاق من الأميركيين العرب بأن بايدن "مكّن إسرائيل من تنفيذ عقاب جماعي للشعب الفلسطيني".
ومع ذلك، هناك اختلافات كبيرة داخل الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، فالسياسيان المحسوبان على الوسط في إسرائيلي، واللذان انضما مؤخراً إلى الحكومة، وأصبحا عضوين في حكومة الحرب، وهما بيني جانتس، وجادي آيزنكوت، يعتقدان أن السلطة الفلسطينية يمكن أن تكون "شريكاً فعالاً" نسبياً ضد "حماس" وغيرها، وأنه يجب تعزيزها من أجل العمل كثقل موازن للحركة التي تسيطر حالياً على غزة، بحسب "هآرتس".
رؤية أميركية
وبدأت إدارة بايدن، التي كانت متحفظة إلى حد ما في التعبير عن رؤيتها لهيكل القيادة في غزة، عندما تنتهي الحرب، الثلاثاء، في وصف خريطة طريق محتملة للمضي قدماً بالتفصيل لأول مرة.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للجنة المخصصات في مجلس الشيوخ إنه "سيكون من المنطقي أن تكون للسلطة الفلسطينية الفعالة مسؤولية الحكم والأمن في نهاية المطاف عن غزة".
وأضاف: "هناك ترتيبات مؤقتة أخرى قد تشمل عدداً من البلدان الأخرى في المنطقة، حال لم نستطع"، مؤكداً أن إدارة بايدن "حضت" إسرائيل على إلغاء تجميد الأموال، من بين إجراءات أخرى ضرورية لتزويدها بالموارد التي تحتاجها.
وأردف بلينكن: "تبذل السلطة الفلسطينية كل ما في وسعها للحفاظ على الأمن والاستقرار في الضفة الغربية. إنه نقص كبير في المصادر. هذا جانب آخر من المشكلة"، كما ربط بلينكن الدور القيادي المحتمل للسلطة الفلسطينية بمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة.
وسيزور بلينكن المنطقة، الجمعة، حيث تسعى إدارة بايدن إلى تزويد إسرائيل بغطاء للدفاع عن نفسها، خصوصاً من خلال المساعدات العسكرية العالقة حالياً في الجمود السياسي في واشنطن، مع دفعها أيضاً إلى أن تكون على دراية بتجنب وقوع خسائر بين المدنيين وتخفيف الأزمة الإنسانية.
وستتمحور زيارته حول اتخاذ إجراءات فورية لتوفير المزيد من المساعدات لغزة، رغم الدعم الأميركي الدائم للحملة العسكرية الإسرائيلية، مع التذكير المستمر بالتزام إسرائيل القوانين الدولية.
قوة "حفظ سلام"
في الإطار، أشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تجريان مناقشات بشأن إنشاء قوة "حفظ سلام" مؤقتة متعددة الجنسيات في غزة بعد العملية العسكرية، رغم أن البيت الأبيض ينفي أن تكون القوات الأميركية جزءاً من التحالف المحتمل.
ويمكن أن يتخذ ذلك أشكالاً عدة، إما منح إشراف مؤقت لدول الشرق الأوسط الأخرى المدعومة بقوات دولية، أو منح الأمم المتحدة حكماً مؤقتاً أو إنشاء مجموعة مماثلة للقوة متعددة الجنسيات التي تفرض معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
وتجنبت الولايات المتحدة إلى حد كبير ممارسة الضغط الشعبي على هذه المسألة، رغم أن هذا من بين أكبر مخاوفها وراء الكواليس، وحتى الآن، اختارت إبقاءها ضمن سلسلة من "الأسئلة الصعبة" التي تطرحها سراً على إسرائيل، كجزء من استراتيجية بايدن لاستخدام الدعم العام كوسيلة للضغط الخاص.
ومع ذلك، فقد قالت واشنطن مراراً إن إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة سيكون "خطأ كبيراً"، مضيفة أنه لن يتم ترحيل أي فلسطيني قسراً إلى سيناء في مصر أو أي مكان آخر.
ويعتبر نتنياهو، السلطة الفلسطينية، "قوة معتدلة" في الساحة، إذ يسعى إلى إضعافها، لكن في الائتلاف الحالي الذي يقوده نتنياهو، يتم تقليص نفوذ جانتس وآيزنكوت بسبب نفوذ السياسيين اليمينيين المتطرفين مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، المسؤول عن السياسة في الضفة الغربية.
وقال سموتريتش في الماضي، إن "العدو الحقيقي للبلاد هو السلطة الفلسطينية"، وخلافاً لموقف جانتس وآيزنكوت، اختار سموتريتش مؤخراً تعليق تحويل ما يقرب من 150 مليون دولار من عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، وهو مصدر رئيسي للدخل للهيئة الحاكمة شبه المفككة في الضفة.