فيما العيون شاخصة إلى غزة تتابع سقوط آلاف الضحايا والمشردين، تتحرك عواصم وأطراف غربية وإقليمية ومحلية استعداداً لمواجهة مشكلات إنسانية وسياسية كبيرة ناجمة عن الحرب الدائرة في القطاع منذ 7 أكتوبر الماضي.
وقالت مصادر دبلوماسية غربية لـ"الشرق"، إن التوقعات الأولية تشير إلى أن إعادة إعمار قطاع غزة وجعله قابلاً للحياة بعد الحرب يتطلب مبالغ مالية ضخمة تتراوح بين 20-50 مليار دولار.
وأضافت المصادر: "في اليوم التالي للحرب، سيفيق العالم على مأساة إنسانية، مئات آلاف المشردين بلا مأوى ولا طعام، بنية تحتية مدمرة، عشرات آلاف المباني تحولت إلى ركام، آلاف الجثث البشرية تحت الركام، لا ماء ولا كهرباء، وكل هذا بحاجة إلى جهود فلسطينية وعربية ودولية من أجل التعامل معه".
وبحث وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في زيارته الأخيرة لرام الله، الاستعدادات الفلسطينية لليوم التالي للحرب.
وقال مصدر فلسطيني مقرب من اللقاء، إن بلينكن نصح عباس بالعمل منذ اليوم على إعداد خطة فلسطينية لمواجهة المسؤوليات والتحديات المترتبة على السلطة الفلسطينية في اليوم التالي.
وذكر المصدر أن بلينكن لم يسجل أي تحفظ على أي طرف فلسطيني يشارك في هذه الاستعدادات بما في ذلك حركة "حماس".
وحسب ذات المصدر، فإن أميركا التي عاشت تجربة مريرة في أفغانستان والعراق لم تعد تضع تحفظاً على أي طرف فاعل في المشاركة في العملية السياسية.
وجرت محاولات لعقد اجتماعات بين ممثلين عن حركتي "فتح" و"حماس" لكن هذه المحاولات لم تنجح.
وقال مسؤول فلسطيني شارك في هذه المحاولات لـ"الشرق"، إن المشكلة التي واجهت المبادرة هي أن "حماس" تقدم مبادرات خاصة بها من خلال أصدقائها وشركائها في تركيا وقطر، وإن السلطة الفلسطينية تجري اتصالات مع الجهات المقربة منها مثل الإدارة الأميركية والدول العربية خاصة مصر والأردن.
وأشار إلى أن الصراع بين حركتي "فتح" و"حماس" على التمثيل السياسي ما زال يشكل عقبة كبيرة أمام اجتماع الطرفين على خطة إنقاذ وطني لمواجهة متطلبات إعادة إعمار وإدارة قطاع غزة بعد الحرب.
وتبدي حركة "حماس" بعض المرونة بشأن إدارة قطاع غزة بعد الحرب، وقال مسؤول في الحركة لـ"الشرق"، إن حركته تفضل تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية قادرة على التعامل مع المسؤوليات الضخمة المطلوبة لإغاثة أهل غزة وإعادة إعمار القطاع، مضيفاً أن مثل هذه الحكومة يجب أن يتم تشكيلها بالتوافق الوطني.
وأعلنت إسرائيل أن الهدف من حربها على غزة هو إسقاط حكم "حماس" وتدمير قدراتها العسكرية.
ويرى كثير من المراقبين أن "حماس" لن تكون قادرة على مواصلة حكم قطاع غزة بسبب التهديدات الإسرائيلية بقصف أي منشأة تتواجد فيها الحركة، ولعدم قدرتها على التواصل مع جهات دولية وعربية عديدة مرشحة للعب دور في إعادة إعمار غزة التي تتطلب مليارات الدولارات.
ويقترح وسطاء على "فتح" و"حماس" التوصل إلى تفاهمات وطنية بشأن الكارثة الإنسانية التي تسبب بها القصف الإسرائيلي للقطاع ومنها إزالة الركام، وإعادة بناء المباني المدمرة، وتوفير المياه والكهرباء والطرق، وإغاثة المواطنين الذين فقدوا كل شيء من أعمال وممتلكات.
لكن الجانبين لم يظهرا بعد أي تحرك جدي في هذه الاتجاه، فيما يعزو مراقبون ذلك إلى أزمة الثقة بين الجانبين.
وأعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في لقاء مع وسائل الإعلام مؤخراً، أن السلطة الفلسطينية لن تكون قادرة على إدارة قطاع غزة بعد الحرب إلا في سياق سياسي يقوم على حل الدولتين.
وأشار مسؤولون آخرون إلى الحاجة إلى خطة "مارشال" لإعادة بناء ما دمرته الحرب في غزة مترافقة مع انطلاق عملية سياسية ذات مغزى تبدأ بتجميد الاستيطان وتوسيع مناطق السلطة الفلسطينية.
وتدرس بعض الجهات الغربية بدائل للسلطة الفلسطينية في حال تعثر دخولها إلى غزة منها قوات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، أو قوات مشتركة عربية ودولية، لكن الكثيرين يرون أن السلطة الفلسطينية هي الأكثر قدرة على تولي هذا الدور لتمتعها بالشرعية السياسية الدولية والعربية.
ويرى كثير من المراقبين أن الخيارات المتاحة للتعامل مع قطاع غزة تتوقف على نتائج الحرب.
وقال الكاتب محمد المصري: "في حال تراجع إسرائيل عن تحقيق أهدافها، فإن الخيارات تختلف عنها في حال نجاحها في تحقيق هذه الأهداف".
وأضاف: "ففي الحالة الأولى تلعب حماس دوراً أساسياً في ترتيبات ما بعد الحرب، أما في الحالة الثانية، فيرجح أن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً أكبر، لكن في كلا الحالتين، فإن الحركة يجب أن تكون جزءاً من هذه الترتيبات".