مع تواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واشتداد حدة القصف، يواصل عشرات الآلاف من سكان الأجزاء الشمالية للقطاع ترك منازلهم والتوجه جنوباً إلى مناطق يزعم الجيش الإسرائيلي أنها آمنة، لكنها لم تنج أيضاً من غاراته.
وأعادت مشاهد الفلسطينيين وهم يحملون ما استطاعوا من أمتعتهم سيراً على الأقدام، ذكريات النكبة عام 1948 التي ظلت عصية على النسيان.
وقال الجيش الإسرائيلي إن 50 ألف مدني غادروا من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، الأربعاء.
وخلال الشهر الماضي، نزح نحو 1.5 مليون نسمة من أصل 2.4 مليون نسمة، مجموع سكان القطاع حسب ما أظهرت أرقام الأمم المتحدة.
وفي المناطق الجنوبية لغزة، تشرف وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، على 92 منشأة تؤوي أكثر من 550 ألف شخص.
لكن مصاعب الغزاويين لا تنتهي بمجرد وصولهم إلى الجنوب أو منشآت "الأونروا"، إذ ترزح البنية التحتية لهذه المناطق تحت ضغط العدد الهائل من القادمين، وسط شح في الأدوية والمواد الأساسية وحتى المياه الصالحة للشرب.
وتقول المنظمة الأممية إنها سجلت آلاف الإصابات بالالتهابات الجلدية وأمراض الجهاز التنفسي، محذرة من تفشي الأمراض المعدية وسط النازحين.
وقبل اندلاع النزاع الحالي، كان يقيم في مخيمات الأونروا الثمانية أكثر من 620 ألف لاجئ حسب البيانات الرسمية، وتمتد على مساحة 6.5 كيلومتر مربع، من أصل 362 كيلومتراً مربعاً هي المساحة الإجمالية لقطاع غزة.
وتعد الكثافة السكانية في هذه المخيمات ضمن الأعلى في العالم، مع معدل فقر يبلغ 81.5% ونسبة بطالة ناهزت 48.1% في العام 2022، وتشرف الأمم المتحدة على تقديم خدمات التعليم والصحة.
وتعود هذه المخيمات الثمانية المكتظة إلى العام 1948، خلال الحرب التي اندلعت عقب قيام دولة إسرائيل، إذ قبل حلول موعد وقف إطلاق النار في يناير 1949، كان أكثر من 760 ألفاً من الفلسطينيين قد فروا أو طردوا من أراضيهم في نزوح جماعي عرف باسم "النكبة".
ومن بين هؤلاء الفلسطينيين النازحين، لجأ نحو 180 ألف شخص إلى قطاع غزة، فيما اتجه آخرون إلى الضفة الغربية والدول العربية المجاورة مثل الأردن ولبنان وسوريا.
واتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً في ديسمبر 1948 يقضي بـ "حق العودة" الذي يطالب به الفلسطينيون وترفضه إسرائيل.
ومنذ "النكبة" ظلت مفاتيح البيوت القديمة التي يحتفظ بها الفلسطينون رمزاً للأمل في العودة، إلا أن المهجرين الجدد عام 2023 ربما لم تسعفهم طائرات الاحتلال بحمل مفاتيح منازل تحول كثير منها إلى أطلال.