تسبب احتدام المعارك في ولاية شان الحدودية ومناطق أخرى من ميانمار قبل أكثر من أسبوعين، بين متمردين مناهضين للمجلس العسكري الحاكم والجيش، في نزوح نحو 50 ألف شخص، وسقوط عشرات الضحايا والمصابين وفق الأمم المتحدة، وقطع طريقين استراتيجيين يربطان البلاد بالصين، في أكبر تحدٍ للمجلس العسكري منذ استيلائه على السلطة في انقلاب 2021.
وقال مسؤول في الشرطة الهندية، الثلاثاء، إن 43 جندياً على الأقل من ميانمار استسلموا للشرطة في ولاية ميزورام الهندية بعد يوم من اشتباكات عنيفة مع مقاتلين مناهضين للمجلس العسكري الحاكم.
وأوضح لالمالساوما هنامت المسؤول في شرطة ميزورام: "سواء ستتم إعادتهم أم لا، فإننا ننتظر المزيد من التعليمات من الحكومة المركزية".
ويدور قتال عنيف منذ نهاية أكتوبر الماضي في أنحاء ولاية شان قرب الحدود الصينية، بين الجيش جماعات عرقية مسلحة، فيما حذر الرئيس المدعوم من المجلس العسكري الحاكم ميينت سوي الخميس، من أن بلاده تواجه خطر التقسيم ما لم يتمكن الجيش من سحق الهجوم.
قتال على جبهتين جديدتين
وقال سكان ومتمردون ومسؤول إن جماعات متمردة من أقليات عرقية هاجمت مواقع أمنية في ميانمار، الاثنين، مع اندلاع القتال على جبهتين جديدتين وفرار آلاف الأشخاص إلى الهند المجاورة بحثاً عن الأمان.
وقال أحد سكان بلدة راثيداونج إن دوي إطلاق نار سُمع قبل فجر الاثنين، أعقبه قصف مدفعي استمر لساعات، وشوهد الجيش وهو يغلق مداخل المنطقة، ويعزز المباني الحكومية.
وقال جيمس لالرينتشانا، نائب مفوض منطقة هندية على حدود ميانمار، إن نحو 5 آلاف شخص من ميانمار عبروا إلى ولاية ميزورام الهندية بحثاً عن مأوى.
وشهدت ولاية شان، التي كانت آمنة إلى حد كبير لسنوات، قتالاً عنيفاً بعد انقلاب 2021، إذ حمل آلاف السكان السلاح ضد الحكومة العسكرية.
قطع شريان حيوي
كما تسبب هجوم مباغت للمتمردين، السبت، في قطع طريقين استراتيجيين حيويين يؤديان إلى الصين، أكبر الشركاء التجاريين لهذا البلد، ووقف المبادلات التجارية الحدودية وحرمان المجموعة العسكرية الحاكمة من عائدات ضرائب وسيولة أجنبية.
وتسبب قطع شرياني النقل الحيويين في ارتفاع الأسعار في الأسواق وعرقلة قدرة المجلس العسكري الحاكم على إرسال تعزيزات للتصدي للهجوم.
وذكرت الأمم المتحدة، الجمعة، أن نحو 50 ألف شخص تعرَّضوا للتشريد في شرقي ميانمار في خضم تفاقم أعمال العنف بين القوات الحكومية وجماعات.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" إن الكثيرين سعوا إلى الاحتماء من نيران المدفعية والضربات الجوية باللجوء إلى مؤسسات دينية، بينما حاول آخرون عبور الحدود إلى الصين، مضيفاً أن 17 مدنياً على الأقل لقوا مصرعهم، وأصيب آخرون منذ اندلاع القتال.
تحطم طائرة مقاتلة
وسقطت طائرة مقاتلة فوق ولاية كاياه في شرق ميانمار بالقرب من الحدود مع تايلاند خلال قتال بين الجيش وقوات الدفاع عن قوميات كاريني، التي قالت إنها أسقطت الطائرة.
فيما قال المتحدث باسم المجلس العسكري زاو مين تون في تصريحات تلفزيونية إن الطائرة تحطمت بسبب مشكلة فنية، وإن الطيارين خرجا منها بأمان واتصلا بالجيش.
وقال الرئيس الذي عيَّنه الجيش مين أونج هلاينج، في وقت سابق، إن ميانمار معرضة لخطر التفكك، بسبب فشلها في التعامل مع التمرد بصورة فعالة.
انتكاسة للمجلس العسكري
وأدى الهجوم المنسق ضد المجلس العسكري الذي بدأ في 27 أكتوبر في ولاية شان في شمال شرق ميانمار إلى الاستيلاء على عدة بلدات وأكثر من 100 موقع عسكري بالقرب من الحدود مع الصين. كما وقعت هجمات على مراكز المدن في منطقة ساجاينج بوسط ميانمار.
وتمثل المعارك الجديدة انتكاسة أخرى للمجلس العسكري الذي يجد نفسه في وضع صعب مع تزايد المعارضة المسلحة له وزيادة حجمها وقوتها، وذلك جراء الغضب الناجم عن الانقلاب والقمع الذي تلاه وأنهى عقداً من الإصلاحات الديمقراطية المؤقتة.
وقال ريتشارد هورسي، كبير مستشاري ميانمار في مجموعة الأزمات الدولية: "إذا استمر القتال، فإنه سيفتح جبهة جديدة خطيرة أمام النظام الحاكم المستنزف بالفعل"، وأضاف "سيكون من الصعب على النظام تركيز جهوده على كل الجبهات".
وأضاف هورسي أن إغلاق طرق التجارة البرية الرئيسية إلى الصين، الحليف الكبير ومزود ميانمار بالأسلحة، "إهانة محرجة" للجيش.
ويقول محللون إن ما ينطوي على أهمية مباشرة أكبر من الناحية الاستراتيجية هو فقدان الجيش السيطرة على الطرق التي يرسل قواته عبرها.
تعميق العلاقات مع الصين
ومنذ استيلائه على السلطة، يسعى المجلس العسكري لتوجيه الاقتصاد المتعثر بعيداً عن دول الغرب التي فرضت عقوبات عليهم، وعلى أعمالهم التجارية، وعمَّقوا العلاقات مع الصين.
وفي وقت سابق هذا الشهر، أعلن رئيس البنك المركزي عن إطلاق خدمة الدفع بين البنوك عبر الحدود، ما قد يسهم في "زيادة التجارة الثنائية والاستثمارات" مع الصين، وفق وسائل إعلام حكومية.
وقال جيسون تاور من معهد السلام الأميركي إن "نشر القوات في ولاية شان الشمالية يزداد صعوبة، وبات الجيش يعتمد الآن على المروحيات لإرسال تعزيزات إلى المنطقة الحدودية".
وأضاف تاور أن "الجيش سيجد صعوبة في استعادة السيطرة على المرافق والبنى التحتية الحدودية التي خسرها خلال الأيام الأخيرة الماضية".
وتابع: "رغم أنه (الجيش) قد يشن ضربات جوية لاستعادة مواقعه، إلا أنه يخاطر بإثارة غضب الصين من خلال تدمير بنى تحتية حيوية".