اقتحمت القوات الإسرائيلية، مدعومة بعشرات الدّبابات والآليات المدرعة وعشرات من عناصر الكوماندوز، فجر الأربعاء، مجمّع الشّفاء بمدينة غزة، وشرعت بعملية تفتيش بالأقسام وتحقيق مع الأشخاص بداخلها، وصرخ جندي بلغة عربية ركيكة طالباً استسلام كل من هم فوق 16 عاماً، رافعين أيديهم فوق رؤوسهم والخروج من المبنى.
وشنّت الدبابات الإسرائيلية بعد منتصف الليل، ضربات عنيفة لمحيط المستشفى وسط إطلاق نار كثيف من المسيرات والقناصة باتجاه ساحات المستشفى، وفي حوالي الثانية فجراً اقتحم عشرات من الكوماندوز قسم الطوارئ والاستقبال، وشرعوا باقتحام قسم استقبال المصابين والمرضى، ثم غرف الإدارة والأمن وباقي الطوابق التي تضم أقسام العظام والباطنة والصدرية والعناية المركزة.
وترافَق ذلك مع دخول عشرات الدبابات والآليات المدرعة من بوابة المستشفى الرئيسية الشرقية والبوابة الغربية وبوابة قسم الولادة الجنوبية.
وبعد ذلك اقتحم الجنود مبنى الجراحات التخصصية وهو أكبر أقسام مجمع الشفاء، وبدأوا بتفتيش الطوابق الثلاثة تحت سطح الأرض ثم الطوابق العلوية ودخول غرفة تلو الأخرى والتحقيق مع كل من فيها.
وأفاد وكيل وزارة الصحة يوسف أبو الريش أن الجيش الإسرائيلي نادى عبر مكبرات الصوت لخروج كافة الشباب من هم فوق 16 عاماً برفع أيديهم، وطلب منهم الاستسلام.
ويتواجد داخل المستشفى طاقمها الطبي وعددهم نحو ثلاثمئة و650 مريضاً وعدة آلاف من المصابين وجزء منهم مع مرافقيهم إلى جانب 15 ألف نازح ما زالوا يحتمون بالمستشفى.
وفي لحظة كتابة هذه السطور، كان الجنود يطلقون النار باتجاه النوافذ التي ينظر منها أي شخص، كما واصلوا التحقيق مع مصابين ومرافقيهم، في ظل محاصرة المجمع بالدبابات من كافة النواحي.
واحتجز الجيش الإسرائيلي أكثر من 200 شخص، وأجبرهم على خلع ملابسهم باستثناء الملابس الداخلية، فيما لا يزال جنود الجيش الإسرائيلي يتنقلون بين الأقسام.
عمليات تفتيش وإطلاق نار
وقال شهود عيان لـ"الشرق" إن أكثر من ألف شخص في ساحة المستشفى رفعوا أيديهم فوق رؤوسهم وبعضهم اضطره الجيش الإسرائيلي لخلع ملابسه، فيما سمعت أصوات بكاء أطفال ونساء داخل الأقسام.
وأضاف الشهود أن الجنود أجروا عمليات تفتيش دقيقة داخل الغرف، وأيضاً في ساحة المستشفى، وسمع إطلاق النار بكثافة في الهواء لتخويف الناس. وذكر أحد الأطباء أن الجيش الإسرائيلي وضع بوابة إلكترونية مقابل قسم الطوارئ، وثبت عليها كاميرات، ويدخل منها أشخاص واحداً تلو الآخر.
وبدأ حصار المستشفى قبل خمسة أيام، إذ دمرت غارة جوية مبنى القلب والأمراض الصدرية، واستهدف مبنى العناية المركزة والجراحات التخصصية، ودمر كافة الطرقات المؤدية للمستشفى.
وناشد وكيل وزارة الصحة في القطاع يوسف أبو الريش المجتمع الدولي للتحرك العاجل لوقف الاقتحام الإسرائيلي للمستشفى، وطالب بتوفير حماية لـ 20 ألف شخص داخل مجمع الشفاء الطبي. وحذر من "مجزرة إبادة جماعية" يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين.
وتتهم إسرائيل قيادة حماس باتخاذ المستشفى كمركز لإدارة عملياتها، وهو ما نفته الحركة.
ملجأ للنازحين
وتأسّس مجمع الشفاء الطبي عام 1946، وأصبح تحت إدارة الجانب الإسرائيلي عام 1967، ثم للسلطة تولت الفلسطينية إدارته بعد اتفاقية أوسلو، ومع الوقت تطور وأصبح أكبر مجمع طبي يضم 3 مستشفيات متخصصة، ويعمل فيه 25% من العاملين في المستشفيات بقطاع غزة.
ويؤدي مجمع الشّفاء الطبي دورا أساسياً في إيواء النازحين خلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة منذ 40 يوماً، ونزح إليه خلال الأيام الماضية آلاف الأشخاص في بحثهم عن مكان آمن من الغارات التي استهدفت منازل ومناطق سكنية بأكملها.
ويتكدّس النازحون والمرضى داخل أقسام المستشفى، وفي الممرات وغرف العناية المكثفة؛ بسبب الأعداد الكبيرة التي توافدت بسبب القصف الإٍسرائيلي.
إدانات دولية لاقتحام مجمع الشفاء
قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس إن المنظمة فقدت الاتصال بالطواقم الطبية في مستشفى الشفاء بقطاع غزة بعد أن بدأت القوات الإسرائيلية مداهمة المنشأة. وأضاف على منصة إكس "تقارير التوغل العسكري في مستشفى الشفاء مقلقة للغاية".
كما أعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن "قلقها العميق" إزاء الاقتحام، وشددت على أنه "يجب حماية المرضى والطاقم الطبي والمدنيين في جميع الأوقات"، مشيرة إلى أنها على تواصل مع "السلطات المعنية".
ونددت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) كاثرين راسل الأربعاء، بالمشاهد المفجعة التي رأتها خلال زيارة قامت بها إلى قطاع غزة، مطالبة بـ"إيقاف هذا الرعب".
وقالت راسل التي زارت جنوب القطاع "إن ما رأيته وسمعته كان مفجعاً. لقد تحملوا القصف والخسارة والنزوح المتكرر. داخل القطاع، لا يوجد مكان آمن ليلجأ إليه أطفال غزة المليون"، مضيفة "وحدهم أطراف النزاع هم الذين يمكنهم إيقاف هذا الرعب حقاً".
وأدانت الخارجية الفلسطينية، اقتحام الجيش الإسرائيلي للمستشفى وغيره من المنشآت الصحية في غزة، واعتبرته "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف".
وطالبت الوزارة في بيان بـ"تدخل دولي عاجل"، لتوفير الحماية لآلاف المرضى والأطفال والطواقم الطبية في مستشفى الشفاء، محملة الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن سلامة الموجودين في مستشفى الشفاء بغزة".
وأدان الأردن، الاقتحام، وحمّل إسرائيل مسؤولية سلامة المدنيين والأطقم الطبية. وذكرت وزارة الخارجية الأردنية في بيان أن اقتحام المستشفى من قبل القوات الإسرائيلية يعد "انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، وخصوصاً اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لعام 1949".