أعلنت إسرائيل، الجمعة، السماح بدخول شاحنتي وقود يومياً إلى قطاع غزة فيما تسعى إلى الحصول على "مساحة للمناورة" وتلميع صورتها نسبياً في ظل الانتقادات والضغوط الدولية المتنامية، خصوصاً من حلفائها التقليديين الذين يرون أن أهداف الهجوم الذي تشنه تل أبيب على غزة "لا يبرر" قتل عدد كبير من المدنيين والأطفال.
وقالت إسرائيل في بيان إن مجلس الحرب "وافق بالإجماع على توصية للجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي بالامتثال لطلب الولايات المتحدة والسماح بدخول شاحنتين لوقود الديزل يومياً".
وأوضح المصدر أن الخطوة تهدف لتلبية "احتياجات الأمم المتحدة لدعم البنية التحتية للمياه والصرف الصحي"، كما أنها ستتيح لإسرائيل "مساحة المناورة الدولية المستمرة اللازمة للقضاء على حماس" في ظل الضغوط الدولية المطالبة بحماية المدنيين في غزة والامتثال للقوانين الدولية الإنسانية.
تحول في مواقف الحلفاء التقليديين
وإلى جانب مواقف الدول العربية والإسلامية التي أدانت الهجوم الإسرائيلي العنيف في غزة منذ انطلاقه، وطالبت بفك الحصار عن القطاع وحماية المدنيين وإدخال المساعدات، أظهرت الدول الغربية الداعمة لإسرائيل تقليدياً، "تطوراً" في مواقفها مع مرور الأيام وارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين، بالتزامن مع الضغوط الداخلية التي يمارسها مواطنو هذه الدول الداعمين للفلسطينيين.
والأسبوع الماضي أثار الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون انتقادات في الداخل الإسرائيلي بعدما دعا في لقاء مع BBC إلى وقف إطلاق النار في غزة وقال: "هؤلاء الأطفال هؤلاء الكبار في السن يتعرضون للقصف والقتل" و"لا يوجد أي مبرر ولا أي شرعية لذلك".
وبدت واشنطن هي الأخرى أكثر تعبيراً لمواقفها بشأن الهجوم الإسرائيلي، فبالرغم من استمرار دعمها العسكري اللا محدود لتل أبيب وتأييدها لأهداف العملية العسكرية المتمثلة في تحييد حركة "حماس"، تكررت المطالب الأميركية بحماية المدنيين والتوقف عن قصف المنشآت المدنية مثل المستشفيات.
ودعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الأربعاء الماضي، إلى وضع حد لـ"القتل الأعمى للفلسطينيين" وطالب "بوقف فوري لإطلاق النار من جانب إسرائيل" و"الالتزام الصارم بالقانون الدولي الإنساني" الذي لا يُحْتَرَم الآن بشكل واضح.
ورغم أن سانشيز أكد وقوف بلاده "إلى جانب إسرائيل في رفضها وردها على الهجوم" الذي تعرضت له في 7 أكتوبر، إلا أنه تعهد بأن تعمل حكومته الجديدة "في أوروبا وإسبانيا من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية".
وعبر البرلمان النرويجي عن موقف مماثل عندما تبنى الخميس، مشروع قانون "يطلب من الحكومة الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة" بأغلبية واسعة، في خطوة قد تضم النرويج إلى بلدان أوروبية أخرى تعترف بفلسطين مثل أيسلندا والسويد وبولندا والتشيك ورومانيا.
مساعدات شحيحة وتحذير من كارثة
وتقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إنه قبل اندلاع الحرب الجارية، كان قطاع غزة يستقبل 50 شاحنة وقود يومياً، ما يظهر حجم الاحتياجات الحقيقية للقطاع، خصوصاً في ظل تفاقم الأوضاع واستمرار العملية العسكرية الإسرائيلية.
والخميس، أعلنت الشركتان الفاعلتان في قطاع الاتصالات عن توقف خدماتها في قطاع غزة بسبب نفاد الوقود عن مولدات الكهرباء التي تُشغل البنية التحتية للشبكة، لكنهما استأنفتا خدماتها الجمعة، بشكل جزئي في قطاع غزة بعد توفير "كمية محدودة من الوقود عن طريق وكالة الغوث (الأونروا)" حسب بيان للشركتين.
وأوضحت هيئة المعابر والحدود الفلسطينية المشرفة على معبر رفح مع مصر أن الأمر يتعلق بإدخال 17 ألف ليتر من الوقود لتغذية مولدات الكهرباء العائدة لشركة الاتصالات.
وتقول وزارة الصحة في غزة إنه من أصل 5 مطاحن، أصيبت اثنتان في القصف الإسرائيلي، كما أن مطاحن خان يونس التي تعد أكبر مخزن للدقيق في القطاع تعرضت لأضرار، ولا تتوفر على الوقود الكافي لتشغيلها.
وأفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا" بإصابة مطاحن السلام في دير البلح في وسط غزة بضربة صاروخية جديدة دمرتها، كما أوضح برنامج الغذاء العالمي أن المساعدات التي دخلت إلى غزة، لا تغطي سوى 7% من الحد الأدنى اليومي لحاجيات السكان من السعرات الحرارية".
وتتعمق معاناة سكان غزة مع حلول الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، والأسبوع الماضي شهد القطاع هطول الأمطار، ما عزز المخاوف من وقوع فيضانات وسيول في ظل تعرض بنية الصرف الصحي المتهالكة بالفعل، لأضرار ناجمة عن القصف وغياب عمليات الصيانة.
انقسام داخلي
قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، الجمعة، إن المجلس الأمني المصغر سيعقد اجتماعاً مساء السبت برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسط حالة انقسام داخلي بشأن السماح بدخول الوقود لقطاع غزة.
واعتبر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش، أن إدخال الوقود إلى غزة "خطأ فادح" و "يبث الضعف وينعش العدو"، فيما قال إيتمار بن جفير إنه "طالما لم تتم حتى زيارة مختطفينا من قبل الصليب الأحمر، فلا يوجد منطق لمحو العدو هدايا إنسانية" ووصف الإجراء الإسرائيلي بمثابة "إصبع في أعين جنود الجيش الإسرائيلي".
وشدد بن جفير أن تغيير السياسة "يجب أن يتم في مجلس الوزراء الموسع، وعلى يد من ليس لديه الصلاحيات اتخاذ القرارات بمفرده".
ومنذ بداية النزاع في 7 أكتوبر الماضي، فرضت إسرائيل حصاراً برياً وجوياً وبحرياً شاملاً على قطاع غزة، ومنعت دخول المساعدات الإنسانية والوقود والأدوية، وشددت على أن الوضع سيبقى على حاله إلى أن يتم تحرير جميع الرهائن الإسرائيليين.