باتت حركة "حماس" الفلسطينية أمام اختبار كبير لإنجاح صفقة الهدنة وتبادل الأسرى، التي أبرمتها مع إسرائيل، حيث سيتوجب عليها إطلاق سراح 50 شخصاً دون الكشف عن أماكن بقية المحتجزين لديها، والبالغ عددهم 240، بحسب التقديرات الإسرائيلية.
وتبدو مهمة حماس أكثر تعقيداً في تسليم 50 محتجزاً خلال المرحلة الأولى من الاتفاق، في ظل محاصرة عدد من المناطق في القطاع بالدبابات الإسرائيلية، فاكتشاف مكان محتجز واحد ربما يؤدي إلى كشف الآلية التي تعمل بها حماس في إخفاء المحتجزين، مما قد يجعلها تفقد أبرز ورقة لديها في الصراع مع إسرائيل.
وتدور أسئلة كثيرة حول الأماكن التي تحتجز فيها حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى المحتجزين، في الوقت الذي تعرّضت فيه معظم مناطق قطاع غزة لدمار كبير، فيما بقيت مناطق أخرى بعيدة عن القصف الإسرائيلي، مما يثير تساؤلات عما إذا كانت إسرائيل تعتقد أن هناك مجموعة من محتجزيها هناك.
وبحسب إحصاءات رسمية، هدم القصف الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 47 يوما 43 ألف وحدة سكنية، كما تضررت 225 ألف وحدة سكنية أخرى بصورة جزئية.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، الاثنين، إن المعلومات التي حصلت عليها إسرائيل من مقاتلين في حماس اعتقلتهم بعد هجوم 7 أكتوبر، وآخرين اعتقلوا خلال الاجتياح البري لقطاع غزة، شكلت "عيوناً" للجيش الإسرائيلي خلال عملياته في غزة.
وتشير تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي إلى أنّ إسرائيل لديها على الأقل تقديرات حول أماكن وجود المحتجزين في شمال وادي غزة وخان يونس.
حي الشجاعية
وتكشف صور الأقمار الاصطناعية المتاحة على الإنترنت تركز القصف الإسرائيلي في مناطق على حساب أخرى، حتى في مناطق شمال وادي غزة.
وكان حي الشجاعية من أقل المناطق التي استهدفها القصف الإسرائيلي، وهو ما يشير، برأي البعض، إلى اعتقاد إسرائيلي بوجود رهائن إسرائيليين هناك.
ويختلف الأمر هذه المرة عن مواجهات سابقة بين حماس وإسرائيل، إذ كان حي الشجاعية أول منطقة تستهدفها إسرائيل في أي اجتياح بري لاعتقادها أن هذا الحي هو معقل الحركة التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007.
ففي عام 2014، شنت إسرائيل هجوماً عنيفاً على حي الشجاعية؛ مما أدى إلى سقوط 74 فلسطينياً بعدما ظلت المدفعية الإسرائيلية تدك الحي لساعات طويلة في معركة أطلقت عليها إسرائيل اسم "الجرف الصامد".
وما يعزز الشكوك الإسرائيلية في وجود محتجزين في الشجاعية قرب الحي من العديد من التجمعات السكنية الإسرائيلية في غلاف غزة مثل نحال عوز ومفلاسيم ونيرعام وكفار عزة وعالوميم وبئيري.
وليس حي الشجاعية فحسب الذي لم تستهدفه إسرائيل بصورة عنيفة، فهناك مناطق أخرى مثل جباليا البلد وشرق بيت حانون، القريبة من معبر إيرز الفاصل بين غزة وإسرائيل، مما يشير إلى أن إسرائيل تركز قصفها على المناطق البعيدة من المستوطنات في الغلاف لاعتقادها أن المحتجزين جرى اقتيادهم إلى أقرب نقطة في قطاع غزة للبلدات الإسرائيلية.
مهمة أكثر تعقيداً
في صفقة لتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل في 2011، جرى بموجبها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط مقابل 1027 أسيراً فلسطينياً، كانت حينها إسرائيل تراقب عن كثب من أي منطقة سيظهر شاليط، لكن حماس حركت حينها الكثير من الآليات المتشابهة في الكثير من المواقع في قطاع غزة.
ولم تعرف إسرائيل حينها من أي منطقة ظهر الجندي، وهو يقف إلى جانب أحمد الجعبري، نائب قائد كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، ويسلمه للوسيط المصري.
وسلمت حماس رهائن للصليب الأحمر مرتين خلال الحرب الحالية، وقبل التسليم كان يتوقف القصف في قطاع غزة وربما يتوقف أيضاً تحليق طائرات الاستطلاع، وكانت الحركة تنشر لاحقاً مقاطع فيديو لعمليات التسليم التي تتم في مناطق غير مأهولة.
وتختلف الأمور كثيراً هذه المرة أيضاً مقارنة بصفقة شاليط، فحينها كانت حماس تسيطر على كل قطاع غزة، لكن في ظل التوغل البري الإسرائيلي وانتشار دبابات جيشها في الكثير من المواقع بشمال القطاع، تبدو المسألة معقدة لحماس، وهو ما قد يعطي تفسيراً للتأخر في تنفيذ صفقة التبادل.
وأصعب شيء سيتعين على حماس تجاوزه هو ما إذا كان هناك رهائن في المناطق التي تتمركز فيها الدبابات الإسرائيلية.