يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، زيارة عمل إلى السعودية والإمارات، مُحمّلة بملفات وقضايا عدّة سيبحثها مع قادة البلدين، أبرزها تصاعد التطورات في الشرق الأوسط، والحرب في أوكرانيا، والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
وتأتي الزيارة في خضم تطورات الأوضاع بالمنطقة، بما فيها حرب إسرائيل على غزة، وأزمة السودان، والتوترات في بعض طرق الملاحة البحرية الدولية في أعقاب هجمات شنتها جماعة "الحوثي" اليمنية على السفن التجارية، إضافة إلى مناقشة ملفات اقتصادية، وفي مقدمتها الطاقة خاصة في أعقاب قرارات تحالف (أوبك+)، والتبادل التجاري، وتعزيز الاستثمار، وغيرها.
جدول أعمال مزدحم
وقال مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، الثلاثاء، إن بوتين يعتزم بحث تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال زيارته البلدين.
وأكد أوشاكوف للصحافيين، موقف روسيا بشأن ضرورة البدء في تسوية حقيقية للصراع الفلسطيني والإسرائيلي، مضيفاً أن "الأمر الرئيسي الآن هو تحقيق هدنة طويلة الأجل، وتبادل كامل للأسرى والرهائن، ويمكننا بعد ذلك بدء بعض الأعمال الحقيقية في جو أكثر هدوءاً، وفي سياق آفاق تسوية النزاع".
ورداً على سؤال عما إذا كانت موسكو مهتمة بتقديم خطتها الخاصة لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قال: "من الواضح، سنناقش هذا أولاً وقبل كل شيء".
وكان الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، قال في وقت سابق الثلاثاء، عن زيارة بوتين إلى الإمارات والسعودية: "سيكون من المهم التحدث في الشؤون الثنائية، والنظر أيضاً في تطور الصراع في الشرق الأوسط".
ورداً على سؤال بشأن ما إن كان بوتين سيناقش التحركات المنسقة المحتملة في أسواق النفط العالمية خلال زيارته، قال بيسكوف: "هذه المحادثات تعقد في إطار مجموعة (أوبك+)، لكن التعاون في هذا الأمر على جدول الأعمال دائماً".
وأكد الكرملين لاحقاً أن "بوتين سيجري محادثات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشأن التعاون داخل أوبك+".
أوكرانيا على الطاولة
وأضاف أوشاكوف أن بوتين سيجري سلسلة من الاتصالات الدولية في الأيام المقبلة، سيبحث خلالها "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي يحمل الطابع الأكثر سخونة حالياً".
وأوضح أن المباحثات بشأن الوضع المتعلق بالعملية العسكرية الخاصة (التعبير الذي تستخدمه روسيا للإشارة إلى الحرب في أوكرانيا) أمر لا مفر منه". مبيناً: "سيكون من المهم للنظراء الأجانب الاستماع إلى تقييمات بوتين بشأن تطور الأوضاع".
وفي الوقت نفسه، أكد أن هذا النقاش "لا علاقة له باجتماع جدة"، حيث جرت مشاورات لتسوية الأزمة الأوكرانية في أغسطس الماضي.
تاريخ العلاقات الروسية السعودية
وشهدت العلاقات السعودية الروسية التي بدأت في عام 1926، تطوراً ملحوظاً جعلها تسير في تناسب طردي عبّر عنه حجم الزيارات المتبادلة بين قيادات وكبار المسؤولين في البلدين التي كانت ذات أثر إيجابي في دفع العلاقات إلى المزيد من التعاون المشترك في المجالات المختلفة.
وأعطت الزيارات المتبادلة دفعة جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين، بعد أن تجدد عهدها في 17 سبتمبر 1990، عبر صدور بيان مشترك أعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما على أسس ومبادئ ثابتة.
وفي فبراير 2007، أجرى بوتين زيارة إلى السعودية هي الأولى لزعيم روسي، أقيمت خلالها محادثات بشأن ملفات المنطقة وتعميق العلاقة بين البلدين.
وبعد 2015، أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زيارتين إلى روسيا شهدتا مباحثات مع بوتين، وتوقيع اتفاقيات استراتيجية، مما عزز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي مايو عام 2017، أجرى الأمير محمد بن سلمان زيارة ثالثة إلى موسكو، بحث خلالها قضايا جيوسياسية، وأخرى لتعزيز التوافق السعودي الروسي بشأن الطاقة، وغيرها من الملفات.
وفي أكتوبر من العام ذاته، استجاب الملك سلمان بن عبد العزيز لدعوة الرئيس الروسي ليزور موسكو كأول ملك سعودي، إذ شهدت الزيارة توقيع مذكرات تفاهم عدّة في قطاعات الطاقة والتصنيع وتطوير الأنظمة العسكرية والأسلحة.
وفي 2019، عاد بوتين إلى الرياض في زيارة هي الثانية، تناولت مستجدات القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، فضلاً عن مناقشة الفرص الاستثمارية بين المملكة وروسيا، بما فيها التعاون في مجال الطاقة، وتوقيع اتفاقيات عدة.
وفي الزيارة الثالثة لبوتين إلى الرياض، المقررة الأربعاء، تبرز ملفات جيوسياسية، ولطالما دفعت الزيارات المتبادلة بين قادة ومسؤولي البلدين إلى تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، كما انبثق عنها انعقاد "اللجنة السعودية الروسية المشتركة".
كم يبلغ حجم التبادل التجاري بين الرياض وموسكو؟
وشهدت العلاقات بين السعودية وروسيا تطوراً ملحوظاً، مدفوعة بالزيارات الرسمية المتبادلة بين قادة ومسؤولي البلدين، إذ شهدت حركة التجارة نمواً منذ عام 2016 وحتى 2022 بنحو 200%، وارتفعت من 2.7 مليار ريال سعودي (نحو 720 مليون دولار) لتصل إلى 8.3 مليار ريال (ما يزيد على 2.2 مليار دولار) بحسب البيانات الرسمية السعودية.
وكان نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، قال إن هناك إمكانية لزيادة التبادل التجاري بين روسيا والسعودية إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 2030.
وأشار نوفاك إلى أن المبادلات الثنائية في مجال المنتجات الزراعية وحدها، يمكن أن تنمو إلى 1.4 مليار دولار خلال العام الجاري من مليار دولار في 2022، حيث "تحتل روسيا اليوم مكانة رائدة في العالم في تصدير الحبوب وزيت عباد الشمس".
وجاءت تصريحات نوفاك خلال الدورة الثامنة للجنة السعودية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني، وذلك على هامش "منتدى الطاقة الأسبوعي" الذي عُقد في العاصمة الروسية موسكو أكتوبر الماضي.
وتصدرت الحبوب قائمة أهم السلع الواردة من روسيا إلى المملكة بقيمة تقدر بنحو 3.8 مليار ريال (ما يزيد على مليار دولار). بينما جاءت اللدائن ومصنوعاتها كأهم الصادرات السعودية إلى روسيا.
وفيما يتعلق بالشراكة الاستثمارية، يدعم صندوقا الاستثمارات في البلدين تأسيس قاعدة استثمارية مشتركة تصل إلى 10 مليارات دولار، وُضع ملياران منها قيد الاستثمار في مشاريع مشتركة.
بينما يشكل التعاون النفطي بين كبار منتجي النفط في العالم، نقطة تحول في استقرار الأسعار عالمياً، لا سيما بعد إعلان البلدين تمديد الخفض الطوعي حتى الربع الأول من عام 2024 في إطار تحالف "أوبك بلس" للدول المنتجة للنفط.