إحصاء ضحايا حرب غزة.. أزمات وتحديات ومخاوف بشأن العجز عن الحصر

time reading iconدقائق القراءة - 9
فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على جثامين عدد من ضحايا القصف الإسرائيلي على قطاع غزة. 7 ديسمبر 2023 - AFP
فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على جثامين عدد من ضحايا القصف الإسرائيلي على قطاع غزة. 7 ديسمبر 2023 - AFP
رام الله -رويترز

مع تكثيف إسرائيل هجماتها الجوية والبرية على غزة، تتزايد المخاوف من احتمال عجز السلطات الصحية في القطاع عن مواصلة الإحصاء الدقيق للضحايا في ظل استمرار تدمير البنية التحتية، وتكرار انقطاع الاتصالات والإنترنت، وقتل أو اختفاء عدد من القائمين على هذه العملية.

وتشير أرقام وزارة الصحة في غزة إلى أن الهجوم الإسرائيلي أودى بحياة 17 ألفاً و177 فلسطينياً على الأقل، أغلبهم من النساء والأطفال.

وتحذر وكالات إغاثة من أن الكارثة الإنسانية في غزة تتفاقم كل ساعة مع تشرد معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة ومحاصرتهم في جيب ساحلي ضيق مع القليل من الغذاء والماء والرعاية الطبية والوقود والمأوى الآمن.

ويتزايد القلق من احتمال عجز السلطات الصحية في غزة عن مواصلة الإحصاء الدقيق للضحايا؛ بسبب تدمير البنية التحتية الأساسية، وتكرار تعطل خدمات الاتصالات الهاتفية والإنترنت، وقتل أو اختفاء عدد من القائمين على هذه العملية.

كيف تجمع حصيلة الضحايا؟

في الأسابيع الستة الأولى من الحرب، أرسلت مشارح المستشفيات في أنحاء غزة الأرقام إلى مركز الإحصاء الرئيسي التابع لوزارة الصحة في مستشفى الشفاء، واستخدم المسؤولون برنامج "إكسل" في تسجيل أسماء الضحايا وأعمارهم وأرقام بطاقات هوياتهم، وأرسلوا البيانات إلى وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، لكن مدير مركز عمليات الطوارئ التابع للوزارة في رام الله عمر حسين علي، قال إن أحد المسؤولين الأربعة الذين يديرون مركز بيانات الشفاء، لقي حتفه في غارة جوية أصابت المستشفى، بينما لا يُعرف مصير الثلاثة الآخرين حين استولت القوات الإسرائيلية على المبنى بزعم أنه مخبأ لـ"حماس".

ومع انهيار الهدنة التي استمرت أسبوعاً واحداً في أول ديسمبر الجاري، أصبح تحديث الحصيلة الذي كان يصدر يومياً بشكل عام، غير منتظم. 

وجاءت أحدث إضافة لبيانات وزارة الصحة في غزة، الخميس، من خلال المتحدث باسمها أشرف القدرة، الذي أعلن ارتفاع عدد الضحايا إلى 17 ألفاً و177 شخصاً، مشيراً إلى تسجيل نحو 350 ضحية خلال الـ24 ساعة الماضية.

وتحدث القدرة، الذي انقطع الاتصال به ليومين تقريباً في وقت سابق من الأسبوع الجاري، خلال مؤتمر صحافي مقتضب من مستشفى ناصر في جنوب غزة، حيث حاول المسعفون في وقت سابق الخميس، علاج الأطفال والنساء والرجال المصابين بجروح خطيرة.

وقالت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة، الثلاثاء الماضي، إن الخدمات الصحية في غزة في حالة يرثى لها، بعد قتل القوات الإسرائيلية أكثر من 250 موظفاً واعتقال 30 على الأقل.

هل أرقام الضحايا المعلنة شاملة؟

جواب الخبراء لوكالة "رويترز" على هذا السؤال كان بالنفي، إذ أشار متحدث باسم وكالة لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة إلى أن "الأرقام التي قدمتها وزارة الصحة قد تكون أقل من الواقع، لأنها لا تشمل الضحايا الذين لم يصلوا إلى المستشفيات، أو من يُحتمل وجودهم تحت الأنقاض".

وقال ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة في جامعة ييل الذي عمل في إحصاء ضحايا الصراعات المسلحة والكوارث الطبيعية أكثر من 20 عاماً، "إنه افتراض منطقي أن الأعداد المسجلة أقل من الواقع، ومنخفضة".

وذكر تقرير للسلطة الفلسطينية صدر في 26 أكتوبر الماضي، أن 1000 جثة على الأقل لا يمكن انتشالها أو نقلها إلى المشارح، نقلاً عن عائلات أجرى موظفو السلطة الفلسطينية مقابلات معها، وهو مثال واضح لتأثير الحرب "على جمع البيانات والإبلاغ عنها"، حسبما أفاد تقرير لمجلة "لانسيت" الطبية.

وقالت الوزيرة مي الكيلة، إن "عدد الجثث التي يخشى أنها تحت الأنقاض يصل الآن إلى الآلاف"، لافتةً إلى دمار لحق بجزء كبير من معدات الحفر التابعة لقوات الدفاع المدني في غزة في الغارات الجوية الإسرائيلية.

ما مدى مصداقية أرقام الخسائر البشرية؟

وقال خبراء في الصحة العامة لـ"رويترز"، إن غزة قبل الحرب كانت تتمتع بإحصاءات سكانية جيدة، من إحصاء عام 2017 وعمليات مسح أحدث للأمم المتحدة وأنظمة معلومات صحية سلسة، معتبرين أنها أفضل من معظم دول الشرق الأوسط.

وأشارت أونا كامبل، الأستاذة في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، إلى أن "السلطات الصحية الفلسطينية تتمتع بمصداقية راسخة في أساليبها للحفاظ على الإحصاءات الأساسية، وتتبع الوفيات بشكل عام، وليس فقط في أوقات الحرب. وتعتمد عليها وكالات الأمم المتحدة".

وذكرت ريموند من جامعة ييل، أن "قدرات جمع البيانات الفلسطينية احترافية وكثيرون من موظفي الوزارة تدربوا في الولايات المتحدة"، مشيرةً إلى أنهم "يعملون بجد لضمان الدقة الإحصائية".

في 26 أكتوبر الماضي، نشرت وزارة الصحة الفلسطينية تقريراً مؤلفاً من 212 صفحة تضمن أسماء وأعمار وأرقام هويات 7028 فلسطينياً سجلتهم كضحايا جراء ضربات جوية إسرائيلية، بعد أن شكك الرئيس الأميركي جو بايدن في الأعداد.

وحللت كامبل وأكاديميان آخران البيانات الواردة في تقرير مجلة "لانسيت" الطبية في 26 نوفمبر الماضي، وخلصوا إلى أن "ليس هناك سبب واضح للشك في صحتها".

وكتب الباحثون: "نرى أنه من غير المعقول أن هذه الأنماط (لمعدلات الوفيات) مستقاة من بيانات ملفقة"، فيما لم تصدر وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية تقريراً مفصلاً مماثلاً منذ ذلك الوقت في تجل لضعف الاتصالات مع غزة.

وثارت تساؤلات بشأن أرقام الضحايا والمصابين جراء قصف المستشفى الأهلي العربي المعمداني في 17 أكتوبر الماضي، إذ أعلنت وزارة الصحة في القطاع أن 471 شخصاً قضوا في الانفجار الذي قال الفلسطينيون.

ماذا تقول إسرائيل؟

قال مسؤول إسرائيلي كبير للصحافيين، الاثنين الماضي، إن نحو ثلث الضحايا في غزة حتى الآن من "المقاتلين الأعداء"، مقدراً عددهم بأقل من 10 آلاف، لكن أكثر من 5 آلاف، دون أن يقدم تفاصيل عن مسوغات تقديره هذا. 

ولفت المسؤول إلى أن العدد الإجمالي الذي أعلنته السلطات الفلسطينية الذي بلغ حتى الاثنين، نحو 15 ألف ضحية، دون تقسيم بين مدني ومقاتل، صحيح "بشكل أو بآخر".

وأرجعت جماعات حقوقية وباحثون ارتفاع عدد الضحايا المدنيين إلى استخدام "أسلحة ثقيلة" من بينها "القنابل الخارقة للتحصينات" التي تستهدف تدمير شبكة أنفاق "حماس" الاستراتيجية والضربات الجوية لمناطق سكنية تقول إسرائيل إن الحركة تخبئ فيها قواعد لمقاتليها ومنصات إطلاق صواريخ وأسلحة داخل المباني السكنية والمستشفيات وأسفلها.

ما نسبة الأطفال بين الضحايا؟

تعرّف الأمم المتحدة والقانون الإسرائيلي والفلسطيني، الطفل بأنه الشخص الذي يقل عمره عن 18 عاماً.

وأفادت وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية، الثلاثاء الماضي، بأن نحو 70% من الضحايا في غزة من النساء والأطفال دون 18 عاماً، لكنها لم تنشر أي تقسيم للفئات العمرية منذ تقريرها الصادر في 26 أكتوبر.

وذكر تقرير مجلة "لانسيت" الطبية، أن بيانات الوزارة الفلسطينية أظهرت أن 11.5% من الوفيات التي سجلتها في الفترة من 7 إلى 26 أكتوبر كانت لأطفال لا تزيد أعمارهم على 4 سنوات، وأن 11.5% تراوحت أعمارهم بين 5 و9 سنوات، و10.7% أعمارهم بين 10 و14 عاماً و9.1% بين 15 و19 عاماً.

وأفاد التقرير بأن "هناك ارتفاعاً واضحاً بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و34 عاماً، فيما قد يمثل مقاتلين أو تعرض المدنيين مثل المسعفين في مواقع القصف والصحافيين والأشخاص الذين يخرجون لجلب الماء والغذاء لعائلاتهم".

قال ريتشارد بيبركورن مبعوث منظمة الصحة العالمية إلى غزة، الثلاثاء الماضي، إن "المرحلة الجديدة" من الهجوم الإسرائيلي التي تمتد إلى النصف الجنوبي من قطاع غزة اعتباراً من أول ديسمبر الجاري، زادت من تراجع القدرة على جمع بيانات موثوق بها عن عدد الضحايا.

وأضاف: "مثلما نعلم جميعاً، نحصل عادة على (البيانات) من وزارة الصحة، ومنذ أيام اعتمد الأمر أكثر على التقديرات، وأصبح الأمر أكثر صعوبة".

واعتبرت ريموند من جامعة ييل، أنها "علامة رهيبة، حين نصل إلى نقطة، كما هو حال السودان حيث لا يكون هناك حتى تسجيل للوفيات. وهذا في حد ذاته يبدو لنا كعمال إغاثة الاحتمال الأسوأ".

تصنيفات

قصص قد تهمك