يعاني مئات الجنود بالجيش الإسرائيلي من "اضطراب ما بعد الصدمة" وغيرها من الاضطرابات النفسية والجسدية، منذ وقوع هجمات 7 أكتوبر، واندلاع الحرب في قطاع غزة، وسط قلق حيال جنود الاحتياط العائدين إلى الحياة المدنية، وفق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر في الجيش الإسرائيلي قولها إن نحو 1600 جندي إسرائيلي عانوا من "علامات الإجهاد والارتجاج الدماغي والإنهاك القتالي" منذ اندلاع الحرب في غزة، وخضعوا للعلاج من قِبَل هيئة تابعة للجيش الإسرائيلي.
وسعى معظم الجنود للعلاج في الأسابيع الأربعة الأولى بعد 7 أكتوبر، قبل اندلاع العملية البرية في قطاع غزة، واتصل نحو 3 آلاف جندي بالخط الساخن الخاص بقسم الصحة النفسية بالجيش الإسرائيلي، فيما "تم تسريح 90 جندياً من الخدمة بسبب مشكلات نفسية".
وحدة للعلاج النفسي
وشكَّل الجيش الإسرائيلي وحدة مؤلفة من ضباط صحة نفسية وأطباء نفسيين، عقب اندلاع الحرب في موقعين على مقربة من الحدود مع قطاع غزة، وهما قاعدة "سدي تيمان" العسكرية، وفي منطقة رعيم، وذلك للتعامل مع الجنود الذين يعانون من مشاكل نفسية.
وقال مصدر في الجيش الإسرائيلي إنه مع اندلاع الحرب، وقبل بدء العملية البرية في غزة، "تلقينا عدداً هائلاً من المكالمات الهاتفية".
وأشار إلى أن "هؤلاء الجنود تعرَّضوا لهجمات 7 أكتوبر بدرجات متفاوتة، إذ خاض بعضهم قتالاً مباشراً ضد عناصر حماس في البلدات والبؤر الاستيطانية الجنوبية، وبعضهم من الجنود الإداريين الذين يعملون في القواعد التي تعرضت للهجوم، وآخرين ممن تعرضوا لها عبر منصات التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية".
وأضاف المصدر أنه عندما بدأت العملية البرية في غزة، كان هناك "تراجع حاد (في عدد المكالمات) ونتحدث الآن عن أعداد أقل بكثير".
وأفادت مصادر في الجيش الإسرائيلي بأن نحو 75% من الجنود الذين تلقوا علاجاً في المواقع عادوا إلى وحداتهم، واستأنفوا القتال سريعاً، فيما كان الآخرون بحاجة إلى مزيد من العلاج.
وفي الحالات التي واجهت مشكلة "عدم كفاية العلاج" من اضطراب ما بعد الصدمة داخل المواقع، أُحيل الجنود إلى مركز إعادة تأهيل، حيث يتوافر ضباط احتياط متخصصون ومدربون في مجال الصحة النفسية، وأطباء نفسيون ذوي خبرة في معالجة هذه الاضطرابات.
وأضافت المصادر أن مركز إعادة التأهيل التابع للجيش يضم 3 وحدات في شمال ووسط وجنوب إسرائيل.
وعادة ما تُشخَّص حالة الجنود المحالين إلى المركز "باضطراب الإجهاد الحاد"، وهي حالة شائعة في الأسابيع الأولى من التعرض لسبب الصدمة. ولا تزال هذه الحالة يُنظر إليها باعتبارها "في نطاق الاستجابة الطبيعية"، ولا تتطور بالضرورة إلى اضطراب ما بعد الصدمة المزمن، لكنها تحتاج إلى التدخل العلاجي بالقدر الكافي.
وتمكَّن مركز إعادة التأهيل من معالجة نحو 900 جندي منذ 7 أكتوبر، كما تم تسريح 225 جندياً من الخدمة، بينهم 90 بسبب "الضغوط النفسية"، بحسب مصدر في الجيش الإسرائيلي.
وأضاف المصدر أن الآخرين كانوا من المجندين أو جنود الاحتياط الذين حانت مواعيد تجنيدهم، وتم إعفاؤهم من الخدمة، دون أن يكون لديهم سجل في الصحة العقلية.
قلق بالجيش الإسرائيلي
وعبَّر موظفو الصحة العقلية في الجيش الإسرائيلي عن قلقهم بشأن عودة جنود الاحتياط إلى الحياة المدنية، مع العلم بأنه يمكن استدعاؤهم مرة أخرى في وقت قريب لأداء الخدمة الاحتياطية المكثفة في غضون أشهر قليلة، بحسب "هآرتس".
وقال المصدر إن ضباط الصحة العقلية والقادة يُعدون جنود وضباط الاحتياط للعودة إلى الحياة المدنية، ووصف عملية الانتقال هذه بأنها "بالغة الصعوبة"، مؤكداً أن جنود الاحتياط "يشعرون بقلق بالغ".
وتابع: "نشعر بالقلق من الصعوبات الوظيفية، من الموقف الذي تصبح فيه الحياة اليومية بلا معنى، ومن الشعور بعدم القدرة على مشاركة حالتهم مع الأسرة والأصدقاء، ومن ثَم يصبح من المهم إعدادهم لذلك".
وأضاف أن خدمة الصحة العقلية تتعامل أيضاً مع دوافع الاحتياط للاستدعاء مرة أخرى.
ويحاول الجيش الإسرائيلي في الوقت الراهن الترويج لأمرين لتعزيز الحالة النفسية لدى جنود الاحتياط، وهما إنشاء إدارة لتحديد وتشخيص ومعالجة جنود الاحتياط المسرَّحين الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وإنشاء عيادة دائمة لتحل محل الفرقة الميدانية في علاج هذه الحالات.
وستعالج هذه العيادة الجنود الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة بعد القتال، والجنود الذين تضرروا من خدمتهم في تحديد هوية جثث ضحاياهم.
كما يحاول الجيش الإسرائيلي أيضاً تنظيم "أيام إعداد نفسي" لجنود الاحتياط قبل استدعائهم التالي لأداء الخدمة.