حذَّر خبراء ومحللون تحدّثوا إلى "الشرق" الجمعة، من أن الهجمات التي شنّتها الولايات المتحدة وبريطانيا على مواقع خاضعة لسيطرة جماعة "الحوثي" في اليمن، قد تجر المنطقة إلى حرب إقليمية، مؤكدين أن واشنطن لن تتردد في التعامل مع أي استهداف جديد للسفن في البحر الأحمر.
وشنت الولايات المتحدة وبريطانيا غارات على أهداف للحوثيين، في اليمن، مستخدمة طائرات مقاتلة وسفناً حربية وغواصات، وذلك لإضعاف "قدرة الحوثيين على مواصلة هجماتهم غير القانونية والمتهورة على السفن الأميركية والدولية والسفن التجارية في البحر الأحمر"، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية.
"رسالة سياسية"
في هذا الصدد، قال الخبير في النزاعات الدولية إسحق إندكيان، إن العملية العسكرية لم تكن "مفاجِئة" وجاءت بعد تحذيرات عدة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مضيفاً: "هي رسالة سياسية أكثر من كونها عملية عسكرية، ومفادها أن يتوقف الحوثيون عن استهداف السفن الدولية في البحر الأحمر، وأن تُبقي إيران الحوثيين وباقي وكلائها ضمن قواعد اللعبة، وألّا يتمادوا في شن الهجمات".
وأشار إندكيان في حديثه لـ"الشرق" إلى أن "تدمير القدرات الصاروخية والمسيّرة للحوثيين لن يقضي على قدراتهم، وأن واشنطن أرادت إيصال رسالة إلى إيران بأن سياسة فتح الساحات والجبهات لتخفيف الضغط على حركة حماس في قطاع غزة لن تجدي نفعاً، وعليها إعادة ترتيب حساباتها في المنطقة".
وتوقَّع إندكيان أن يرد "الحوثيون" على الضربة الأميركية-البريطانية لحفظ ماء الوجه، وللحفاظ على التوازن داخل اليمن، ولكنه رأى أن هذا الرد "سيكون محدوداً ومرسوماً في إطار معين، وليس في إطار حرب شاملة"، موضحاً: "إذا واصل الحوثيون هجماتهم، فإن ذلك سيجر المنطقة إلى ما لا يُحمد عقباه".
"إسرائيل نجحت في جر واشنطن للحرب"
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن سعد ناجي جواد، إن الهجمات الأميركية البريطانية ستجر المنطقة إلى "صدام".
ولفت جواد في مقابلة مع "الشرق" إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا انخرطتا في ساحة المعركة دعماً لإسرائيل، لأن الأخيرة عاجزة عن التوجه إلى اليمن لمواجهة "الحوثيين"، مضيفاً أن "اتخاذ قرار توسيع الحرب بهذه الطريقة غبي، ونجحت تل أبيب في جر واشنطن إلى هذه الحرب. ضرب اليمن خاطئ، فالحوثي لا يملك شيئاً ليخسره".
وتابع بقوله: "كان واضحاً أن الولايات المتحدة وبريطانيا تخططان لهذه الضربة، وتعهَّدتا بأن تكون كبيرة ومؤلمة بالنسبة للحوثيين، وهذا ما حدث، "هذه الضربة قد تتسبب في وقوع مواجهة عسكرية كبيرة بالمنطقة".
وأشار إلى أن "حدوث هذه الضربة كان متوقعاً. وضرب المواقع الخاضعة لسيطرة الحوثيين لن يثنيهم عن الرد".
وبشأن ما إذا كان "الحوثيون ينتظرون الضوء الأخضر من إيران للرد على الهجمات الأميركية البريطانية"، قال ناجي إن "طهران هي المزود الأول للأسلحة للحوثيين".
وتابع جواد: "اليمن لديه القدرة على التصدي لجميع السفن الأميركية والغربية وللبارجات الموجودة في البحر الأحمر، أو في باب المندب"، متوقعاً أن يشن "الحوثيون" ضربة تستهدف القوة العسكرية المتمركزة في المنطقة، أو الأسطول البحري لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا.
"خطأ فادح"
من جهته، قال الكاتب والمتخصص في الشأن الأميركي علي بردة إن "قرار بايدن بإزالة الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية كان خطأً فادحاً، لأن الاعتداءات التي تشنها الجماعة اليمنية مستمرة، ولم تُظهر حُسن النية لوقفها، على الرغم من التحذيرات الأميركية المتكررة".
وشدد بردة في مقابلة مع "الشرق" على أن اعتداءات الحوثيين لم تقتصر على السفن الإسرائيلية فقط، بل طالت السفن الدولية أيضاً. موضحاً أن الرسالة الأميركية واضحة، وربما يجري الاكتفاء بهذا الرد إذا التزم الحوثيون بوقف هجماتهم على السفن الدولية.
وأشار إلى أن "المعابر المائية محمية بموجب القوانين الدولية، كما أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تعطي الصلاحية للدول بأن تدافع عن نفسها إذا تعرضت لاعتداءات غير قانونية".
وبشأن طلب روسيا عقْد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لبحث الضربة الأميركية البريطانية، قال بردة إنه لا يتوقع أن تكون هناك تداعيات لهذا الاجتماع، إذ أن "الطلب يعكس إصراراً روسياً على معارضة محاولات الولايات المتحدة للهيمنة على منطقة البحر الأحمر وممراتها البحرية".
وتابع قائلاً: "هذه الرسالة الأميركية والدولية لا تقتصر على الحوثي فقط، بل هي إشارة إلى إيران التي تدعم هذه الجماعة بالأسلحة والتكنولوجيا والرادارات والآليات العسكرية"، لافتاً إلى أن السفن التجارية لم تكن يوماً أهدافاً عسكرية.
وتوقَّع بردة أن تنخرط دول أخرى في هذه العمليات لوقف الهجمات، وربما تذهب مجدداً إلى الأمم المتحدة من أجل اتخاذ قرار دولي آخر يحد من تصرفات "الحوثي".
"رقعة شطرنج"
وفي سياق متصل، وصف الخبير العسكري والاستراتيجي إلياس حنا، الهجمات الأميركية البريطانية بـ"العملية التراكمية" التي تأتي في ظل اشتعال المنطقة، بسبب حرب إسرائيل على غزة، مضيفاً أن المنطقة أصبحت مثل "رقعة شطرنج" مترابطة، وإيران هي من تمسك بخيوط اللعبة، على حد وصفه.
وفي مقابلة مع "الشرق" قال حنا إن الولايات المتحدة أرسلت عدة إشارات ردعية قبل تنفيذ الضربة، ومن بينها تشكيل تحالف "حارس الازدهار" والاقتصار على إسقاط المسيَّرات دون توجيه ضربات.
وأضاف أن "الحوثيين" لديهم حرية عمل وحركة أكبر بكثير من جماعة "حزب الله" اللبنانية، وباقي الحركات المسلحة في العراق وسوريا بالمعنى الاستراتيجي، لكن إيران تظل هي المؤثرة على صعيد اتخاذ القرارات، وعلى المستوى الجيوسياسي، فهي تمدهم بالأسلحة الاستراتيجية والخطط العسكرية والرادارات.
واعتبر أن قصف السفن الأميركية والغربية يدخل ضمن منظومة قرار كبيرة، ولا يحصل باتخاذ قرار من قِبَل مجموعة صغيرة، لافتاً إلى وجود حسابات سياسية وجيواستراتيجية وراء كل هذا. وتوقَّع أن يرد "الحوثي" على ضربة واشنطن ولندن في إطار "الردع المتبادل".
واستبعد حنا أن تنخرط إيران في الحرب، وخاصة على الجبهة اللبنانية، وقال إن جميع العمليات البحرية الإيرانية، تتم في إطار رسم معالم جديدة لمنطقة نفوذ تابعة لها، وتصبح فيها اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط.
"انعكاسات خطيرة"
وقال الخبير في الشؤون الإيرانية نبيل العتوم إن جميع دول المنطقة متضررة من سياسة "الحوثي" لما لها من انعكاسات خطيرة على الأمن البحري والشحن، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن إيران اكتفت بمهاجمة تحالف "حارس الازدهار"، ووصفته بـ"الاستعماري الجديد الذي يهدف إلى الهيمنة على مضيق باب المندب".
وشدد العتوم في مقابلة مع "الشرق" على أن الإيرانيين لا يريدون انخراطاً عسكرياً مباشراً في هذا الصراع، ويحاولون ربط ما يقع في اليمن بحرب غزة، موضحاً أن الإيرانيين يرون في "الحوثي" الأكثر ملائمة لتوسيع إطار الحرب مقارنة بباقي أطراف ما يسمى بـ"محور الممانعة"، خصوصاً أن الجماعة تتوفر على موقع استراتيجي وتسيطر على مضيق باب المندب الذي تمر منه السفن الإسرائيلية.
واعتبر أن جماعة "الحوثي" تشكل تهديداً طويل الأمد لإسرائيل بأكثر مما تشكله حركة "حماس"، وجماعة "حزب الله"، لأنهم "ورقة ذهبية في يد إيران في حالة توجيه ضربة مباشرة إلى طهران".
ولفت إلى أن "إيران ستستثمر في جماعة الحوثي من خلال مدهم بالصواريخ والقوارب المفخخة من أجل التحول إلى لاعب إقليمي".
"خطوة تصعيدية"
أما الخبير العسكري ورئيس المركز الأسترالي العربي للدراسات أحمد الياسري، قال إن الأطراف التي كانت تسعى لاحتواء الصراع هي التي تقوم بتصعيده اليوم، في إشارة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، مضيفاً أن الضربة هي "خطوة تصعيدية، وليس غرضها احتواء الصراع".
ورجَّح الياسري في مقابلة مع "الشرق" أن يغلق "الحوثيون" مضيق باب المندب، إذ إنهم "يحصلون على قدرات صاروخية باليستية، وبالتالي من الصعب خوض نزاع مع قوى متحركة تملك سلاحاً استراتيجياً".
وتابع: إيران في قمة البراجماتية السياسية، وتحاول استثمار الضعف التدريجي للنفوذ الأميركي في المنطقة"، لافتاً إلى أنها "تضغط من أجل محاولة تخليص حركة حماس من حالة التفكك، وإنقاذ الفصائل المسلحة في سوريا والعراق، وإعطاء رسالة أخرى أنها تملك مفاتيح حرب الممرات البحرية".
"القضاء على وكلاء إيران"
من جانبه، قال سيد غنيم، زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية والأستاذ الزائر في الأكاديمية الملكية البلجيكية إن التصعيد في البحر الأحمر قوبل بتصعيد أكبر منه" في إشارة إلى الضربة العسكرية ضد الحوثي.
وقال غنيم في مقابلة مع "الشرق" إن "الولايات المتحدة تحاول اتخاذ إجراءات أكثر شمولية وهي القضاء على وكلاء إيران في المنطقة".
وتوقَّع إعادة نشر القوات الأميركية في ميناء الحديدة، الذي يُمثّل مركز ثقل عمليات "الحوثي"، مضيفاً أن "التحالف الدولي له قدرات عسكرية هائلة وذكية، وتستطيع كبح جماح الجماعة المتمردة"، بحسب قوله.
مسوغات قانونية
وبشأن المسوغات القانونية للضربة الأميركية، قال أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات في الجامعات الأردنية حسن المومني، إن "كل طرف يحاول أن يبرر موقفه من الناحية القانونية، فالتحالف الدولي يقول إنه يدافع عن التجارة العالمية والأهداف المدنية وما تقوم به جماعة الحوثي هو عدوان، فيما تقول الجماعة اليمنية إنها تستهدف السفن المتوجهة إلى إسرائيل التي تفرض حصاراً على قطاع غزة".
وقال المومني في مقابلة مع "الشرق" إنه لم يكن هناك تفويض من مجلس الأمن من أجل استخدام القوة وتفعيل البند السابع في ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح باتخاذ "إجراءات قسرية" في حال كان السلام مهدداً، وقال إن هناك نوعاً من الضبابية بشأن المسوغات القانونية لهذه الضربة.
وتابع بقوله إن مجلس الأمن الدولي هو الوحيد الذي يقرر مسائل فرض القوة وتفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مضيفاً أن الولايات المتحدة لجأت إلى تحالف دولي خارج مجلس الأمن للتحرك بسلاسة.
وينص الفصل الثالث من ميثاق الأمم المتحدة على: "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاًً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته، أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".
ولا يتوقع المومني أن تعيد واشنطن تصنيف "الحوثي" ضمن "قائمة الإرهاب"، لكنه قال: "إذا تحول الصراع الحالي إلى صراع حلزوني أي صدور الفعل ورد الفعل، قد نرى بعض الخطوات العسكرية والدبلوماسية في هذا الجانب".