انتخابات تايوان.. بكين تندد بـ"انتهاك" أميركي وتايبيه تطالب باحترام النتائج

وفد أميركي رفيع يصل تايبيه لإظهار الدعم وإجراء محادثات وسط اعتراضات صينية

time reading iconدقائق القراءة - 11
رئيس تايوان المنتخب لاي تشينج تي يتحدث أمام حشود من أنصاره بعد الفوز في الانتخابات الرئاسية في تايبيه. 13 يناير 2024 - REUTERS
رئيس تايوان المنتخب لاي تشينج تي يتحدث أمام حشود من أنصاره بعد الفوز في الانتخابات الرئاسية في تايبيه. 13 يناير 2024 - REUTERS
تايبيه/ بكين/ سول -وكالات

دعت تايوان، الأحد، الصين إلى "احترام نتائج الانتخابات الرئاسية" التي فاز بها، السبت، لاي تشينج تي، الذي تعهد بحماية الجزيرة المتمتعة بحكم ذاتي من "تهديدات وترهيب" بكين التي تصرّ على أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها، فيما يصل وفد أميركي رفيع، الأحد، إلى تايبيه لإظهار الدعم وتأكيد "الاهتمام الراسخ بالسلام" في منطقة مضيق تايوان، بينما اتهمت الخارجية الصينية، الولايات المتحدة، بـ"انتهاك" تعهداتها بشأن تايوان. 

وحضت وزارة الخارجية التايوانية في بيان، سلطات بكين، على "احترام نتائج الانتخابات ومواجهة الواقع والتخلي عن قمع تايوان، من أجل عودة التفاعلات الإيجابية عبر المضيق إلى المسار الصحيح".

وتعتبر بكين أن لاي تشينج تي، وهو نائب الرئيسة المنتهية ولايتها تساي تساي إينج ون، "خطر جسيم"، بسبب مواقفه المؤيدة لاستقلال تايوان.

اعتراضات صينية

واتهمت وزارة الخارجية الصينية، الأحد، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بإرسال "إشارة خاطئة جداً" إلى من وصفتهم بـ"الانفصاليين الذين يدعون إلى استقلال تايوان"، وذلك بعد أن هنأ بلينكن رئيس تايوان المنتخب على فوزه بالرئاسة.

وقالت الخارجية الصينية في بيان على موقعها الرسمي، إن تصريحات بلينكن "تنتهك" تعهد الولايات المتحدة، بأنها ستحافظ فقط على العلاقات الثقافية والاقتصادية وغيرها من العلاقات غير الرسمية مع تايوان، مشيرة إلى أن بكين قدمت بالفعل احتجاجاً رسمياً لدى الجانب الأميركي بشأن البيان.

على نحو مماثل، قالت السفارة الصينية في اليابان، إنها "تعارض بشدة" بيان وزيرة الخارجية اليابانية، يوكو كاميكاوا، الذي تهنئ فيه رئيس تايوان الجديد.

وأضافت السفارة في بيان نشر على حسابها على موقع التواصل "وي تشات": "نعبر عن استيائنا البالغ ومعارضتنا الشديدة لذلك، وقدمنا احتجاجاً رسمياً إلى الجانب الياباني".

وقالت السفارة الصينية أيضاً إنه يتعين على اليابان الامتناع عن إرسال أي "إشارات خاطئة" إلى من وصفتهم بـ"قوى استقلال تايوان"، وهو تعبير تستخدمه بكين لوصف الرئيس المنتخب، وحزبه الديمقراطي التقدمي، الذي يدافع عن هوية تايوان المنفصلة، ويرفض مطالبات الصين بشأن السيادة على الجزيرة.

ومثل معظم الدول، لا تقيم اليابان علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان وهو شرط لإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين؛ لكن تحالف اليابان مع الولايات المتحدة، أهم داعم لتايوان، وقرب اليابان من الجزيرة وتوتر علاقاتها مع الصين في الآونة الأخيرة، دفع طوكيو إلى توثيق العلاقات مع تايبيه.

وفد أميركي لإظهار الدعم

وقالت مكتب التمثيل الدبلوماسي الأميركي في تايوان، إن مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق ستيفن هادلي، ونائب وزير الخارجية السابق جيمس شتاينبرج سيصلان إلى تايبيه، الأحد، لعقد اجتماعات مع سياسيين تايوانيين لمناقشة مرحلة ما بعد الانتخابات. 

وفي إظهار الدعم للحكومة، قال مسؤول كبير في الإدارة، الأسبوع الماضي إن الرئيس جو بايدن، يعتزم إرسال وفد غير رسمي إلى الجزيرة، وسط مخاوف من أن تؤدي الانتخابات والانتقال والحكومة الجديدة إلى تصعيد الصراع مع بكين.

وقال المعهد الأميركي في تايوان AIT، المسؤول عن العلاقات بين واشنطن وتايبيه في ظل عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية: "كما فعلنا سابقاً بعد الانتخابات الرئاسية في تايوان، طلبت الحكومة الأميركية من كبار المسؤولين السابقين السفر بصفتهم الشخصية إلى تايوان"، لافتاً إلى أن رئيسته لورا روزنبرجر التي تقيم في الولايات المتحدة سترافقهم.

وأضاف المعهد: "في 15 يناير، سيجتمعون مع مجموعة من الشخصيات السياسية البارزة، وسينقلون تهاني الشعب الأميركي إلى تايوان على انتخاباتها الناجحة، ودعمها لاستمرار ازدهار تايوان ونموها، واهتمامنا الرسخ بالسلام والاستقرار عبر المضيق".

وقال مصدران مطلعان على الرحلة، طلبا عدم الكشف عن هويتيهما لوكالة "رويترز"، إن مثل هذه الزيارة التي يجريها مسؤولون أميركيون كبار سابقون بعد الانتخابات روتينية، وليست خارجة عن المألوف.

مواجهة "ترهيب" الصين

وقال لاي تشينج تي، مرشّح الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم  أمام أنصاره، مساء السبت: "إننا مصممون على حماية تايوان من تهديدات الصين المستمرة وترهيبها"، مهنّئا الشعب بـ"نجاحه في مقاومة جهود قوى خارجية للتأثير على هذه الانتخابات".

وأضاف الرئيس المنتخب: "أريد أن أشكر الشعب التايواني على كتابة فصل جديد في ديمقراطيتنا، لأننا نقول للمجتمع الدولي إنه بين الديمقراطية والاستبداد، سنكون إلى جانب الديمقراطية".

وتابع: "نحن على قناعة بأنه يعود للشعب التايواني وحده الحق في اختيار رئيسه"، متعهّداً في الوقت نفسه بـ"مواصلة التبادلات والتعاون مع الصين".

وفي الفترة التي سبقت الانتخابات، نددت الصين مراراً بالمرشح الرئاسي، ووصفته بأنه "انفصالي خطير"، ورفضت دعواته المتكررة لإجراء محادثات معها، فيما يقول لاي إنه ملتزم بالحفاظ على السلام عبر مضيق تايوان، ومواصلة تعزيز دفاعات الجزيرة.

بكين: الوحدة "حتمية"

في المقابل، شدّدت الصين على أن "إعادة التوحيد" مع تايوان "حتمية". وقال المتحدث باسم المكتب الصيني المسؤول عن العلاقات مع تايوان، تشين بينهوا، إن التصويت "لن يعيق التوجّه الحتمي لإعادة التوحيد مع الصين"، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء الصين "شينخوا".

كذلك أكد المتحدث، التزام بلاده بـ"توافق عام 1992 الذي يكرّس مبدأ الصين الواحدة ومعارضتها بشدة الأنشطة الانفصالية الرامية إلى استقلال تايوان وكذلك التدخل الأجنبي".

وتعتبر الصين تايوان جزءاً من أراضيها، وتعهدت إعادتها إلى كنفها، بالقوة إن لزم الأمر. ودعت بكين الناخبين في تايوان إلى اتّخاذ "الخيار الصائب"، في حين يتوعّد جيشها بـ"سحق" أي نية بـ"الاستقلال".

بايدن: لا ندعم استقلال تايوان

من جهته شدّد الرئيس الأميركي جو بايدن، على أن الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان تعليقاً على فوز لاي، الذي هنّأه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وأشاد بـ"صلابة النظام الديمقراطي" في الجزيرة.

وبعدما سأله مراسلون عن موقف واشنطن حيال تايوان بعد فوز لاي تشينج، قال بايدن "نحن لا ندعم الاستقلال".

وتتبع واشنطن سياسة الغموض الاستراتيجي تجاه تايوان، وبموجب هذه السياسة، تقيم الولايات المتحدة علاقات رسمية مع الصين، وليس مع تايوان التي تعتبرها الصين "إقليماً متمرداً"، ولا بد أن يعود يوماً إلى كنف الوطن الأم. وتعترف واشنطن بسياسة الصين الواحدة.

ورغم ذلك، تمد واشنطن تايبيه بالأسلحة والتدريب العسكري. وتعهد بايدن أكثر من مرة منذ وصوله للرئاسة بـ"الدفاع عن تايوان"، ما أدى إلى ارتباك بشأن ما إذا كان هناك تغير في السياسة الأميركية تجاه القضية، قبل أن يتراجع البيت الأبيض، عن تصريحات بايدن في كل مرة.

ترحيب دولي 

و"رحّب" الاتحاد الأوروبي بإجراء الانتخابات في تايوان، و"هنّأ" في بيان "كل الناخبين الذين شاركوا في هذا الاستحقاق الديموقراطي".

وأشادت وزيرة الخارجية اليابانية يوكو كاميكاوا، بـ"التنظيم السلس للانتخابات الديمقراطية والسيد لاي على فوزه"، متعهّدة العمل على تعزيز العلاقات بين البلدين.

وفي كوريا الجنوبية، قال مسؤول بوزارة الخارجية، إن سول تأمل الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب" الأحد.

ونقلت الوكالة عن المسؤول الذي لم يذكر اسمه قوله "إننا نأمل مواصلة تعزيز التعاون العملي مع تايوان في مختلف المجالات". بدوره، هنّأ وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، لاي، على فوزه، داعياً "الطرفين في مضيق تايوان" إلى "حل الخلافات سلمياً".

وهنأ سانتياجو بينيا، رئيس باراجواي، إحدى الدول القليلة التي تقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان، لاي، بفوزه بالرئاسة. وأعرب بينيا عن "سعادته برؤية تايوان ترسّخ مجدداً قيمها عبر انتخابات ديمقراطية"، وفق بيان للحزب الديموقراطي التقدمي.

نموذج للديمقراطية

وفي ختام حملة طغت عليها ضغوط كبرى دبلوماسية وعسكرية مارستها الصين، فاز لاي بالانتخابات الرئاسية بحصده 40.1% من الأصوات، وسيتولى منصبه في 20 مايو المقبل.

وحصل خصمه الرئيسي هو يو إيه (66 عاماً) مرشح الحزب القومي (كومينتانج) الذي يدعو إلى التقارب مع بكين، على 33.5% من الأصوات، حسب أرقام أعلنتها اللجنة الانتخابية المركزية، وأقر بهزيمته أمام أنصاره.

وقال: "أحترم القرار النهائي للشعب التايواني، وأهنئ لاي تشينج تي وسياو بي خيم (لمنصب نائب الرئيس) على انتخابهما، وآمل بألا يخيبا توقعات الشعب".

جاء المرشح الثالث، كو وين جي (64 عاماً)، من حزب الشعب التايواني الصغير، الذي يقدم نفسه على أنه مناهض للنظام القائم في المركز الثالث بحصوله على 26.4% من الأصوات، واعترف بهزيمته أيضاً.

وصوّت التايوانيون أيضاً على تجديد مقاعد البرلمان البالغ عددها 113، وخسر الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم غالبيته، إذ حصد 51 مقعداً في مقابل 52 لخصمه "كومينتانج"، فيما حصد حزب الشعب التايواني 8 مقاعد، كما فاز مرشّحان مستقلان بمقعدين.

وتشكلت صفوف طويلة أمام مراكز الاقتراع البالغ عددها 18 ألفاً. وعاد عدد كبير من التايوانيين إلى البلاد للتصويت لأن الاقتراع في الخارج غير متاح.

ويبلغ عدد سكان تايوان 23 مليون نسمة، وهي تبعد 180 كيلومتراً عن الساحل الصيني، وتعتبر نموذجاً للديمقراطية في آسيا.

ضغوط وتوتر متصاعد

وطوال الأسبوع، زادت بكين ضغوطها الدبلوماسية والعسكرية. وعبرت 5 مناطيد صينية، الخميس، مجدداً الخط الأوسط الذي يفصل الجزيرة ذاتية الحكم عن الصين، حسب وزارة الدفاع التايوانية، التي رصدت أيضاً 10 طائرات، و6 سفن حربية.

وبينما كان الناخبون التايوانيون يتوجهون إلى مراكز الاقتراع، شاهد صحافيون من وكالة "فرانس برس"، مقاتلة صينية فوق مدينة بينجتان، الأقرب إلى تايوان.

وتعتبر وضعية تايوان من أكبر القضايا الخلافية في المنافسة بين الصين، والولايات المتحدة الداعم العسكري الرئيسي للجزيرة.

والتقى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الجمعة، في واشنطن، ليو جيانتشاو، رئيس القسم الدولي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. وذكَره بأهمية "الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان".

وأي نزاع في مضيق تايوان سيكون كارثياً على الاقتصاد، فالجزيرة تؤمن 70% من أشباه الموصلات في العالم، بينما يمر أكثر من 50% من الحاويات المنقولة في العالم عبر هذا المضيق.

تصنيفات

قصص قد تهمك