شهد مجلس النواب المصري مواجهة حادة بين عدد من النواب، ووزير التموين علي المصيلحي، وصلت للمطالبة باستقالته، على خلفية أزمة نقص كبير في سلع غذائية بالأسواق وزيادة أسعارها، فيما اعتبر المتحدث باسم الوزارة أن البرلمان "قام بدوره الأساسي والشرعي في طرح أسئلة الشعب على المسؤول".
وخلال الجلسة العامة التي عقدت، الثلاثاء، واستمرت لساعات، واجه وزير التموين المصري 94 طلب إحاطة، و7 أسئلة، وعدداً من طلبات المناقشة.
ويرى مراقبون أن هذا العدد الكبير من الأسئلة وطلبات الإحاطة جاء مدفوعاً بوجود أزمة في بعض السلع الغذائية بالسوق المصري.
كما أثارت الجلسة تكهنات في الأوساط السياسية بأن البرلمان يتجه إلى القيام بدور أكثر اشتباكاً مع السياسات الحكومية خلال الفترة المقبلة، في حين تواجه البلاد تحديات اقتصادية صعبة.
وخلال الجلسة، وجه نواب انتقادات لاذعة للوزير، كان أبرزها ما قاله عبد المنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة والموازنة بالمجلس بأن "وزارة التموين أثبتت أن مصر لديها مشكلة في زيادة اللصوص... وليس مقبولًا تخيير الناس بين الجوع أو مد اليد".
وقال النائب محمد عبدالعليم داوود إن ارتباط الأسعار بالدولار أدى إلى انهيار الجنيه، مضيفاً: "منذ 5 ديسمبر وحتى يوم 27 كان على وزير التموين أن يستقيل، ولما (حين) الرقابة الإدارية ضربت وزارتك في قضيتي فساد، واحدة تخص مستشارك، كان عليك أن تعلن مسؤوليتك السياسية وتستقيل، هذا الوزير مع حكومة منتهية الصلاحية لا يجب أن يحوز حماية البرلمان".
الدور الرقابي لمجلس النواب المصري
ووصف النائب مصطفى بكري الجلسة بأنها كانت "ساخنة"، وشهدت مناقشات وطلبات إحاطة تخص سلعاً استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها.
وأضاف بكري خلال حديثه لـ"الشرق": الجلسة عبرت عن استياء المواطنين من ارتفاع أسعار السلع وندرتها، خاصة وأن أغلبها ذات طابع استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال، مثل الزيت، والسكر، والأرز.
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة، المزيد من تفعيل الدور الرقابي لمجلس النواب، واستدعاء وزراء لمعرفة المزيد عن دورهم وخطط وزاراتهم، عبر أدوات رقابية برلمانية، قد تصل لسحب الثقة.
ورجح بكري، إجراء تغيير في الحكومة عقب أداء الرئيس عبد الفتاح السيسي القسم لولايته الرئاسية الجديدة في أبريل، ولكنه رفض توقع حجم هذا التغيير المحتمل.
وزير التموين "كبش فداء" للحكومة
ورأى عمرو هاشم ربيع خبير الشؤون البرلمانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن ما حدث في جلسة مجلس النواب بشأن وزير التموين، أثار لغطاً كبيراً لدى الناس فيما يتصل بسلطة ممثلي الشعب، "لأن المجلس فعَل سلطاته بشكل مفاجئ، وأمعن في استخدام الأدوات الرقابية بحق الوزير".
وأضاف هاشم في تصريح لـ"الشرق" أن هذا الأمر يحتاج إلى تدقيق كبير فمجلس النواب لم يتغير أداؤه لكن "الوزير يعتبر كبش فداء للحكومة"، بحسب تعبيره.
وزارة التموين واتهامات بالفساد
بدوره، قال البرلماني ضياء الدين داود، إن المجلس يمارس أدواته الرقابية منذ بداية الفصل التشريعي، مضيفاً لـ"الشرق": "واجه البرلمان وزير التموين عدة مرات سابقة في جلسات عاصفة كما كانت الجلسة الأخيرة".
وأشار داود إلى ما وصفه بـ"انعدام الشفافية" داخل وزارة التموين، وظهور قضايا فساد داخلها، مضيفاً: "وما يؤكد ذلك، القبض على عدد من العاملين بالوزارة بتهم مختلفة، أبرزها القبض على مستشار الوزير للرقابة والتوزيع".
واستكمل: نتيجة عدم الرقابة على السلع ظهرت "سوق سوداء" للسلع في مصر، حتى اختفى الأرز تماماً من الأسواق، رغم أننا في بلد يفترض أنه لديه اكتفاءً ذاتياً من الأرز، وما حدث هو نتيجة سوء إدارة وزارة التموين للملف.
وتابع: "الوزير دافع عن نفسه بأنه لا يعمل بمفرده، والمسألة تضامنية، وأعتقد أن هذه الحكومة بدأت تفقد صلاحيتها لقيادة مصر في المرحلة المقبلة".
وتوقع داود أن يتم تفعيل أدوات برلمانية أكثر شدة مستقبلاً، وأبرزها الاستجواب وهو ما يعني محاكمة برلمانية للمسؤول تنتهي بسحب الثقة من الوزير أو استمراره.
واختتم داود تصريحاته قائلاً: مع أداء القسم الدستوري للرئيس لفترة جديدة، يتعين أن نكون أمام حكومة جديدة ببرنامج مختلف، وأول الملفات لأي حكومة قادمة، سيكون الوضع الاقتصادي، والنقدي.
علي المصيلحي يدافع عن نفسه
الوزير المصري علي المصيلحي، أوضح خلال جلسة مجلس النواب، حرصه الكامل على توفير السلع الأساسية والاستراتيجية بالأسواق وبأسعار عادلة، وأرجع الأزمات إلى الظروف والأزمات الدولية المتعاقبة في الآونة الأخيرة والمُتمثلة في أزمة جائحة كورونا، والحرب الأوكرانية الروسية، والحرب في غزة بجانب أزمة الملاحة في البحر الأحمر.
وأشار المصيلحي إلى أن "جميع المشكلات التموينية التي يعاني منها المواطن تقع على عاتق الحكومة والأجهزة التابعة لها بالكامل؛ إعمالاً لمبدأ المسؤولية التضامنية للحكومة بكافة أجهزتها".
وقال المتحدث باسم وزارة التموين أحمد كمال، إن الوزير أوضح خطط الحكومة والوزارة بشكل كامل خلال الجلسة، واعتبر أن البرلمان "قام بدوره الأساسي والشرعي في طرح أسئلة الشعب على المسؤول".
وأضاف كمال خلال حديثه لـ"الشرق"، أن "وزارة التموين تحاول دائماً تحديد كل ما هو متعلق بالسلع الاستراتيجية، على أن تكون تحت المتابعة الدقيقة من أجهزة الدولة المختلفة، من أجل ضمان عدم حجبها عن التداول أو إخفائها أو تخزينها".
وكشف أنه يتم "إلزام الشركات المُنتجة والمعبئة والمستوردة بتقديم فواتيرها وكميات السلع الموجودة وأماكن تخزينها وأسعارها القصوى، كما تم تشكيل لجان في كل محافظة للتأكد من هوامش الربح المعلنة وحلقات تداول السلع".
وتابع: "مع العلم أن الحكومة لن تتدخل في وضع تسعيرة جبرية، إلا أنه سيتم الإعلان عن الحد الأقصى لسعر السلع، وكل حلقات البيع لها الحق في البيع بسعر أقل من المعلن عنه لضمان التنافسية، وسيتم الإعلان يومياً عن أسعار السلع الاستراتيجية، ومن يخالف يتعرض لعقوبة مصادرة السلع وبيعها بشكل فوري في منافذ الدولة، مع فرض غرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه (نحو 3000 دولار أميركي- حسب السعر الرسمي للدولار في البنوك المصرية) ولا تزيد عن 2 مليون جنيه (نحو 64 ألف دولار)، وقد تصل العقوبة إلى الحبس".
أسعار السلع في مصر
ومؤخراً أصدرت الحكومة المصرية قراراً يقضي باعتبار 7 سلع استهلاكية: "استراتيجية"، أي لا يجوز تخزينها لغير الاستخدام الشخصي، ويلزم التجار والموردين بتقديم إخطار للجهات الحكومية بحيازة تلك السلع، ومن أبرزها: زيت الطعام، والأرز، والسكر الأبيض المعبأ للبيع للمستهلك بمختلف الأوزان، والمكرونة.
وقفزت أسعار السكر في مصر بما يزيد عن 50% خلال شهر ديسمبر، ليتجاوز سعر الكيلوجرام 55 جنيهاً (أقل من دولارين) في الأسواق، وعانت مصر خلال العام الماضي من ارتفاعات قياسية لم تشهدها من قبل لأسعار سلع أساسية على رأسها: السكر، والأرز، والبيض، واللبن، واللحوم، والبقوليات، والخضراوات، والفواكه، ما ساهم في قفزة بمعدلات التضخم في المدن خلال أول 9 أشهر من العام 2023، قبل أن تتباطأ في أكتوبر الماضي، لتسجل 35.8% على أساس سنوي، بعدما بلغت في سبتمبر 38% وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
والأحد الماضي، قال رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إن مصر أمامها 6 سنوات للتخلص من الأزمة التي تشهدها، والمضي قدماً من أجل استعادة مسار النمو.
وقال مدبولي: "يُضاف علينا كأعباء المشكلات والاضطرابات السياسية المحيطة بنا، التي تضيف علينا ضغوطاً أخرى، ومع ذلك فالدولة المصرية وضعت خطتها، وتعمل على تنفيذها بمنتهى الثبات انطلاقا من رؤيتنا لهذه الدولة وحلمنا حتى 2030".