"حكم تاريخي".. قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل تحشد دعم "الجنوب العالمي"

time reading iconدقائق القراءة - 7
مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين خارج محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا. 26 يناير 2024 - REUTERS
مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين خارج محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا. 26 يناير 2024 - REUTERS
دبي/جاكرتا-أ ف بخديجة حبيب

لقيت مساعي جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي لإجبار إسرائيل على وقف حربها في غزة عبر رفع دعوى "إبادة تاريخية" ضدها دعماً واسعاً في دول نامية من أميركا اللاتينية وصولاً إلى جنوب شرق آسيا. 

وردّت إسرائيل بغضب على القضية، واصفة إياها بأنها "سخيفة"، لكن أنصار الفلسطينيين سواء في جنوب إفريقيا أو على الإنترنت أشادوا بالمحامين الذين أوفدتهم بريتوريا للترافع في القضية، بحسب وكالة "فرانس برس".

وفي "حكم تاريخي" صدر، الجمعة، دعت محكمة العدل الدولية، إسرائيل لبذل كل ما في وسعها لمنع أي أعمال إبادة في غزة، وتسهيل إيصال المساعدات إلى القطاع، لكن من دون إصدار الأمر المنشود من جنوب إفريقيا بوقف إطلاق النار.

وقال ماكس دو بليسيس، أحد أعضاء الفريق القانوني الجنوب إفريقي، وهو محام وأكاديمي بجامعة كيب تاون، وجامعة نيلسون مانديلا، لـ"لشرق"، إن حكم المحكمة ملزم لإسرائيل، وإن عدم قبولها بالحكم الصادر، يعني أنها قد تواجه عقوبات من الأمم المتحدة.

وعن إمكانية منع فرض العقوبات من خلال استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو، قال دو بليسيس إن هذا ممكن، ولا يمكن الاسترسال حيال الخطوة قبل صدور المذكرة، خاصة أن إسرائيل فشلت في إقناع المحكمة برفض الدعوة ضدها، وهي الآن تواجه تهماً حقيقية.

وتابع دو بليسيس، بأن الحكم النهائي لمحكمة العدل الدولية سيستغرق سنوات. ولا يوجد حق في الاستئناف، والدول الأعضاء ملزمة بالامتثال، موضحاً أن محكمة العدل الدولية ليس لديها سلطة التنفيذ.

وأفاد خبراء بأن قضية جنوب إفريقيا الطارئة التي تتهم إسرائيل بخرق اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية، في غزة، كشفت النقاب عن الهوة المتزايدة بين إسرائيل وحلفائها الغربيين من جهة، وبلدان الجنوب العالمي من جهة أخرى.

وقال يوهان صوفي، المحامي المتخصص بالقانون الدولي ومدير المكتب القانوني السابق لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في غزة، إنه "لطالما اعتبرت دول الجنوب العالمي (العدالة الدولية) عدالة انتقائية".

وأضاف: "ترفض دول الجنوب هذه الرؤية بشكل متزايد، إذ تعتبر أنها تندرج في إطار الاستعمار الجديد".

وأكد كبير المحامين المدافعين عن إسرائيل في المحكمة تال بيكر، أن جنوب إفريقيا "قدّمت إلى المحكمة للأسف حقائق وصورة سردية وقانونية مشوّهة بشكل عميق"، مشدداً على أن الرد الإسرائيلي كان في إطار "الدفاع عن النفس".

وعرض بيكر مقاطع فيديو وصوراً قائلاً إن "عناصر (حماس) عذبوا أطفالاً أمام ذويهم وآباء أمام أطفالهم، وأحرقوا أشخاصاً"، وارتكبوا "عمليات اغتصاب" في هجمات تعيد إلى الأذهان ذكرى المحرقة النازية، في إشارة إلى محرقة اليهود على يد النازيين.

معايير مزدوجة

ومع ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين وفشل الجهود الدبلوماسية الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، سعى أنصار الفلسطينيين لإيقاف العنف بالسبل القانونية.

ودعمت دول يشكل المسلمون غالبية سكانها مثل إيران وتركيا والأردن وباكستان وبنجلادش وماليزيا والمالديف علناً القضية المرفوعة أمام محكمة العدل. وبخلاف جيرانها، لم تدعم الهند القضية.

كما أيّدتها مجموعة من الدول الخاضعة لحكومات يسارية في أميركا اللاتينية مثل بوليفيا وكولومبيا والبرازيل وفنزويلا.

وبدا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا من بين قادة أميركا اللاتينية الأكثر اندفاعاً، إذ اتهم إسرائيل بارتكاب "أعمال إرهابية".

في المقابل، عارضت الولايات المتحدة التي تعد أقوى حليف لإسرائيل القضية، كما رفضت بعض الدول المنضوية في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تأييدها حتى أن فرنسا رأت أن اتهام إسرائيل بالإبادة يمثل "تجاوزاً لعتبة أخلاقية".

وقال أستاذ القانون الدولي بـ"جامعة جنيف" ماركو ساسولي: "لست متأكداً من أن الجميع في الغرب يدعمون إسرائيل، وجميع من في الجنوب العالمي يعارضون إسرائيل".

وتابع: "ازدواجية المعايير أمر مشترك بين الدول الغربية والجنوب العالمي. المعايير المزدوجة تسمم مصداقية القانون الدولي"، لافتاً إلى المعارضة الغربية الواسعة للغزو الروسي لأوكرانيا.

وبما أن بعض أنصار القضية لم يوقعوا على اتفاقية العام 1948 بشأن الإبادة والتي أُبرمت بعد المحرقة، أدى ذلك إلى ترددهم في دعم تحرك جنوب إفريقيا رسمياً.

تعد إندونيسيا ذات الأغلبية المسلمة إحدى هذه الدول حيث أودت عمليات تطهير مناهضة للشيوعية ومدعومة من الجيش في منتصف ستينات القرن الماضي بحياة 500 ألف شخص على الأقل.

وبدلاً من التعبير عن دعمها الكامل للقضية، اكتفت جاكرتا بتقديم رأي قانوني استشاري لدى محكمة العدل الدولية يدعو إلى سيادة القانون الدولي، وفق ما أفاد أستاذ القانون الدولي لدى "جامعة إندونيسيا" هيكماهانتو جوانا الذي ساهم في صياغته.

"أخلاقي وسياسي"

وفي جنوب إفريقيا، تعلو أصوات منتقدة للتحرّك الذي يرى حزب "المؤتمر الوطني الإفريقي" الحاكم أنه مستلهم من تعاليم نيلسون مانديلا، زعيم البلاد الراحل المناهض للفصل العنصري.

وأدان عدد من الزعماء المسيحيين التحرّك على اعتبار أنه ينطوي على "عيوب جوهرية"، فيما عبّر "مجلس النواب اليهود" في جنوب إفريقيا عن "قلقه" للرئيس سيريل رامابوزا من أن تغذي القضية معاداة السامية داخل البلاد. 

وذكر الأستاذ في "جامعة برازيليا" روبرتو جولارت مينيزيس، أن القوى الكبرى التي "لا تمتثل بالمجمل" لقرارات المحكمة "قادرة على الضغط عليها"، مضيفاً أن البرازيل تدرك أن قيمة القرار قد تكون "أخلاقية وسياسية" فحسب.

مع ذلك، حذّر صوفي من أن على واشنطن وحلفائها أخذ قضية جنوب إفريقيا على محمل الجد والإصغاء إلى الدول النامية التي تلجأ بشكل متزايد لاستخدام القانون والعدالة الدولية كورقة ضغط لمحاسبة الغرب.

وأردف: "إذا حافظت الولايات المتحدة والدول الحليفة لها على موقفها ضد هذا الاتجاه، فإنها ستضعف بشكل كبير، ولربما دائم، النظام الذي استغرقها بناؤه 75 عاماً".

تصنيفات

قصص قد تهمك