أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجيش الإسرائيلي، الجمعة، بوضع "خطة مزدوجة" لإخلاء المدنيين الفلسطينيين من مدينة رفح المكتظة بالنازحين، في جنوب قطاع غزة و"هزيمة" آخر مقاتلي "حماس" هناك، في ظل تصاعد الضغوط على تل أبيب؛ بسبب تهديدها بشن هجوم بري على رفح، فيما اعتبرت الرئاسة الفلسطينية الخطوة "مقدمة خطيرة لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه".
وقال مكتب نتنياهو في بيان "من المستحيل تحقيق هدف الحرب دون القضاء على حماس وبقاياً أربع كتائب لحماس في رفح. على العكس من ذلك، فمن الواضح أن النشاط المكثف في رفح يتطلب إجلاء المدنيين من مناطق القتال".
وأضاف "لذلك أمر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية بتقديم خطة مشتركة لمجلس الوزراء لإجلاء السكان وتدمير الكتائب".
ولم يذكر البيان الذي صدر بعد يومين من رفض نتنياهو اقتراح "حماس" لوقف إطلاق النار، والذي ينص أيضاً على إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم الحركة مزيداً من التفاصيل.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس، إن رد إسرائيل على هجمات 7 أكتوبر كان "مفرطاً"، وقالت واشنطن إنها لن تدعم أي عملية عسكرية تشن في رفح دون إيلاء الاعتبار الواجب للمدنيين.
وحذرت جماعات الإغاثة من سقوط عدد كبير من الضحايا بين الفلسطينيين إذا اقتحمت القوات الإسرائيلية رفح، وحذرت كذلك، من تفاقم الأزمة الإنسانية في المدينة الواقعة على الحدود مع مصر.
وأصبحت رفح على نحو متزايد محور الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة حيث حولت قواتها هجومهاً جنوباً رداً على الهجوم الذي شنته "حماس" في 7 أكتوبر.
ويعيش الآن أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة هناك، والعديد منهم محاصرون أمام السياج الحدودي، ويعيشون في خيام مؤقتة.
"مقدمة خطيرة للتهجير"
بدورها، أعربت الرئاسة الفلسطينية الجمعة، عن "رفضها الشديد"، وإدانتها واستنكارها للتصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن إخلاء رفح.
واعتبرت في بيان أن تلك الخطط تشكل "تهديداً حقيقياً، ومقدمة خطيرة، لتنفيذ السياسة الإسرائيلية المرفوضة التي تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه".
وحملت الرئاسة الفلسطينية الحكومة الإسرائيلية "المسؤولية الكاملة عن تداعيات ذلك"، كما حملت الإدارة الأميركية "مسؤولية خاصة"، مشددة على "خطورة مثل هذه السياسة التدميرية". وأكدت أن الشعب الفلسطيني "لن يتخلى عن أرضه، ولن يقبل أن يهجّر من وطنه".
كما دعت الرئاسة الفلسطينية، مجلس الأمن الدولي لـ"تحمل مسؤولياته، لأن إقدام الاحتلال على هذه الخطوة يهدد الأمن والسلم في المنطقة والعالم"، مشيرة إلى أن ذلك يمثل "تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء".
وأضافت: "لقد آن الأوان لتحمل الجميع مسؤوليته في مواجهة خلق نكبة أخرى ستدفع المنطقة بأسرها إلى حروب لا تنتهي".
تحذير أوروبي
وحذر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الجمعة، من أن 1.4 مليون فلسطيني في رفح يواجهون خطر المجاعة، بعد أن لم يتبق لديهم أي مكان آمن يتوجهون إليه.
وقال على منصة (إكس)، إن التقارير عن عملية إسرائيلية في رفح "مثيرة للقلق"، مشيراً إلى أنه سيكون لتلك العملية "تداعيات كارثية"، للوضع الإنساني السيئ أصلاً، وزيادة الحصيلة التي لا تحتمل للضحايا المدنيين.
رفح محور للعمليات الإسرائيلية
وشنّت إسرائيل غارات مكثفة الجمعة، على رفح في أقصى جنوب قطاع غزة مع تلويحها بهجوم بري حذّرت واشنطن من تبعاته "الكارثية"، ما جعل المنطقة التي تؤوي أكثر من مليون نازح فرّوا من الدمار والمعارك في باقي مناطق القطاع المحاصر، محور الترقب بشأن المرحلة المقبلة.
وليل الأربعاء الخميس، أفاد شهود عيان ومصادر طبية باستهداف قصف إسرائيلي جنوب قطاع غزة حسب ما نقلت وكالة فرانس برس، خصوصاً مدينة رفح حيث أعلنت وزارة الصحة سقوط 130 شخصاً في الساعات 24 الأخيرة.
وأفادت الوكالة أن الجيش الإسرائيلي شن سبع غارات جوية على رفح. وأصيب منزل لأحد مسؤولي الشرطة المحلية بحسب وزارة الصحة.
واعتبر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك أن تدمير المباني بشكل ممنهج، والذي يؤكد خبراء ومنظمات حقوقية أن إسرائيل تقوم به في قطاع غزة بغرض إقامة منطقة عازلة، غير قانوني ويرقى إلى "جريمة حرب".
في غضون ذلك، يبقى القلق على حاله من احتمال التصعيد إقليمياً، خصوصاً في شمال إسرائيل حيث سقطت صواريخ ليل الخميس، بعد تأكيد تل أبيب استهداف مسؤول عسكري في حزب الله بضربة جوية في مدينة النبطية بجنوب لبنان، وفي اليمن حيث شنّ الجيش الأميركي ضربات جديدة على مواقع للحوثيين.
انتقادات أميركية وتحذيرات أممية
وبشأن خطط إسرائيل لاجتياح رفح، قال نائب المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل الخميس، إن واشنطن "لم ترَ بعد أيّ دليل على تخطيط جاد لعملية كهذه"، محذراً من أنّ "تنفيذ عملية مماثلة الآن، من دون تخطيط وبقليل من التفكير في منطقة" نزح إليها مليون شخص، "سيكون كارثة".
وشدّد المتحدّث على أنّ الولايات المتحدة "لن تدعم" عملية عسكرية واسعة النطاق لما تنطوي عليه من خطر وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
وبعد ساعات من ذلك، وجه بايدن انتقاداً ضمنياً نادراً إلى إسرائيل. وقال بايدن خلال مؤتمر صحافي ردّاً على سؤال إن "الردّ في غزة... مفرط"، مؤكداً أنه بذل جهوداً منذ بدء الحرب لتخفيف وطأتها على المدنيين، كما ذكر بأن معبر رفح هو شريان حيوي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وأنهى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخميس، جولة إقليمية هي الخامسة له منذ اندلاع الحرب، سعى خلالها للدفع في اتجاه هدنة طويلة تتيح الإفراج عن الرهائن المحتجزين في قطاع غزة وإيصال المزيد من المساعدات. وتواصل واشنطن العمل للتوصل لصيغة اتفاق بالتعاون مع الدوحة والقاهرة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش قد حذر الأربعاء، أمام الجمعية العامة للمنظمة الدولية من "تداعيات إقليمية لا تحصى" لهجوم إسرائيلي بري محتمل على رفح موضحاً أن "عملاً مماثلاً سيزيد في شكل هائل ما هو أصلا كابوس إنساني".
وقال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين جان إيجلاند، إنه "لا يمكن السماح بأي حرب في مخيم ضخم للاجئين"، محذراً من "حمام دم" إذا توسعت العمليات الإسرائيلية هناك.