شنّ الجيش الإسرائيلي، الاثنين، سلسلة غارات على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث فر نحو 1.4 مليون فلسطيني هرباً من القتال في مناطق أخرى، وذلك بعد تحذيرات دولية من خطر وقوع كارثة إنسانية في المدينة التي يتكدس فيها النازحون في مخيمات مترامية الأطراف، وملاجئ تديرها الأمم المتحدة بالقرب من الحدود مع مصر.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، نقلاً عن مصادر صحية في رفح، أن الهجوم الإسرائيلي قتل أكثر من 100 فلسطيني بينهم أطفال ونساء، وأصاب مئات آخرين، فيما قالت حركة "حماس" إن هذا الهجوم يستهدف "التهجير القسري لشعبنا الفلسطيني".
وقالت حكومة غزة إن الغارات طالت 14 منزلاً وثلاثة مساجد في مناطق مختلفة برفح، فيما أفاد مدير مستشفى الكويت برفح صهيب الهمص، بأن المستشفى مملوء بالجرحى معظمهم في وضع خطير جداً، ولا يوجد ما يكفي من الدواء.
وحذرت جماعات الإغاثة من أن الهجوم على رفح من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني الكارثي في غزة.
وفرّ حوالي 80% من السكان من منازلهم في القطاع المحاصر، وتقول الأمم المتحدة إن ربع السكان يواجهون المجاعة.
وقال وائل أبو عمر، المتحدث باسم هيئة المعابر الفلسطينية، لوكالة "أسوشيتد برس"، إن 44 شاحنة مساعدات دخلت غزة الأحد، علماً أن نحو 500 شاحنة كانت تدخل يومياً.
واشنطن: لا نؤيد اجتياح رفح
وتأتي هذه الضربات في وقت أشار فيه المسؤولون الإسرائيليون إلى أن الهجوم البري على رفح وشيك، وسيستهدف المدينة المكتظة بالسكان الواقعة على الحدود المصرية.
كما جاءت الغارات على رفح بعد ساعات من اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقال البيت الأبيض، مساء الأحد، إن الرئيس بايدن حذر رئيس نتنياهو من أنه لا ينبغي لإسرائيل القيام بعملية عسكرية في رفح من دون خطة "ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ" لحماية المدنيين.
وعبر بايدن، الذي وصف الأسبوع الماضي الرد العسكري الإسرائيلي في غزة بأنه "مبالغ فيه"، عن سعيه لاتخاذ خطوات "عاجلة ومحددة" لتعزيز المساعدات الإنسانية.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لوكالة "رويترز"، الأحد، إن الولايات المتحدة لا تؤيد عملية عسكرية في رفح في ظل الظروف الراهنة.
وأشار المسؤول إلى أن "إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار استحوذت على جزء كبير من المكالمة"، وبعد أسابيع من الدبلوماسية، أصبح "الإطار" جاهزاً الآن "إلى حد كبير" لاتفاق يمكن أن يشهد إطلاق سراح عدد من المحتجزين مقابل وقف القتال.
وكانت حركة "حماس" حذرت، الأحد، من أن عملية عسكرية إسرائيلية في رفح، ستقوض احتمال إطلاق المحتجزين في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إنه "في ظلّ الظروف الحالية" فإن واشنطن "لا تستطيع دعم عمليّة عسكرية في رفح بسبب الكثافة السكانية". وأضاف أن السكان المدنيين "ليس لديهم مكان يذهبون إليه".
وتُشكّل رفح، الواقعة على حدود مصر، الملاذ الأخير للفلسطينيّين الفارين من القصف الإسرائيلي المستمر في أماكن أخرى من قطاع غزة.
رفض مصري
من جانبها، جددت مصر، الأحد، "رفضها الكامل" لأي عملية عسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، محذرة من "عواقب وخيمة"، وسط مخاوف من تأثير أي تحرك إسرائيلي في المنطقة الحدودية على مستقبل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب.
وأشارت وزارة الخارجية المصرية في بيان صحافي، إلى "التصريحات الصادرة عن مسؤولين رفيعي المستوى بالحكومة الإسرائيلية، بشأن اعتزام القوات الإسرائيلية شن عملية عسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة"، لافتة إلى "ما يكتنف ذلك من مخاطر تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة".
وطالبت مصر بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون استهداف مدينة رفح الفلسطينية التي باتت تأوي ما يقرب من 1.4 مليون فلسطيني، نزحوا إليها لكونها آخر المناطق الآمنة بالقطاع.
واعتبرت أن استهداف رفح، واستمرار انتهاج إسرائيل لسياسة عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية، بمثابة إسهام فعلي في تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، "في انتهاك واضح لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة".
كما قال مسؤولان مصريان ودبلوماسي غربي لـ"أسوشيتد برس"، إن مصر هددت بتعليق معاهدة السلام مع إسرائيل إذا أرسلت قوات إلى رفح.
والتهديد بتعليق اتفاقية السلام، التي تمثل أحد الركائز الأساسية للاستقرار في المنطقة منذ ما يقرب من نصف قرن، جاء بعد تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن إرسال قوات إلى رفح ضروري لتحقيق النصر في الحرب.
عواقب وخيمة
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس، إن خطط إسرائيل لإخلاء مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، لتنفيذ عملية برية بها "مفزعة".
وحذر جيبريسوس، عبر حسابه على منصة "إكس"، من أن المضي قدماً في تنفيذ هذه الخطط ستكون له "عواقب وخيمة على 1.4 مليون شخص لم يعد لديهم مكان آخر يذهبون إليه".
وأشار المدير العام للمنظمة إلى أن جميع المستشفيات في رفح باتت مكتظة، في حين أن غالبية المستشفيات في بقية أنحاء القطاع إما متوقفة عن العمل، أو تعمل بالحد الأدنى. ودعا جيبريسوس الأطراف للعمل على تحقيق وقف فوري لإطلاق النار، بما في ذلك إطلاق سراح المحتجزين.
ومن الممكن أن تؤدي العملية البرية في رفح إلى قطع أحد السبل الوحيدة لتوصيل الإمدادات الغذائية والطبية.
والأحد، أبدى وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، قلقه الشديد، إزاء احتمال شن الجيش الإسرائيلي، لهجوم على رفح جنوب غزة، "حيث يتواجد تقريباً نصف سكان القطاع".
وحذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك من الهجوم المحتمل للجيش الإسرائيلي على رفح، لافتةً إلى أنه قد يشكل "كارثة إنسانية متوقعة".
وكرر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، السبت، تحذيرات الدول الأعضاء بالتكتل من أن العملية العسكرية الإسرائيلية المرتقبة في رفح جنوب قطاع غزة، ستقود إلى "كارثة إنسانية لا توصف"، وتوتر كبير مع مصر.
واعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية أن "هجوماً إسرائيلياً واسع النطاق على رفح سيؤدي إلى وضع إنساني كارثي ذي أبعاد جديدة وغير مبرر"، مضيفاً: "بهدف تجنب كارثة، نكرر دعوتنا إلى وقف المعارك".
وبدورها، حذرت وزيرة الخارجية الهولندية هانكي برونز سلوت، من الأوضاع المتردية في رفح جنوب قطاع غزة، وسط احتمالات متصاعدة لشن هجمات إسرائيلية.